ولنبلونّكم بشيء!
هناك فرق بين أن تقع عليك المصيبة، وأن يقع عليك البلاء، فالمصيبة ما ينزل بالإنسان من شرّ، وهي حادثة واحدة تكون كبيرة أو صغيرة؛ وأما البلاء فهو تتابع المصائب واتصالُها حتى يتسبب ذلك في بِلَى الجسد بالمرض والهزال، وبلاء الروح بالغمّ والهمّ، فكأنّ المرء يَبْلَى ويتهرَّى من كثرة الحوادث وشدّتها كما يَبْلَى الثوب ويَخْلَق مع كثرة الاستعمال والامتهان.
ومن هنا جاء معنى الامتحان والاختبار في دلالة الابتلاء بالشدائد، إذ يظل المرء محبوساً على وضع شديد لا يستطيع الخروج منه، ويتعرّض فيه لأنواع الاختبارات وقياس قوّة التحمّل حتى يكاد المرء يَبْلَى من كثرة هذه الاختبارات وشدّتها.
والعجيب أن القرآن يجعل العلم وتبيّن حال المرء والمجتمع من لوازم البلاء الذي يقضيه على عباده لإظهار معدنين كريمين هما الجهاد والصبر: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).
وعندما ينجح المرء والمجتمع في فهم هذا الأمر وتتساوَى المصائب عنده، ويعتادها وإن كان ذلك برهَقٍ وكبد شديد فإن استعداد هذا المرء سيكون أعلى لقبول التكليف الأشدّ في أمر يدبّره الله ويوفّق إليه على عينٍ منه وإرشاد، وسيتسامَى بشكل يختلف عن الآخرين.
والشعور الناتج عن الابتلاء باعتياد المصائب هو استشعار لِما وراء هذه المصائب وفتح النظر لمقارنتها ببعضها وإدراك حقائقها، فعندما ترى مصيبة جارك هنا وجارك هناك وتقيسها بمصيبتك كل يوم، وترى الفوارق، فإنك عمليّاً ستتحوّل إلى كيان صُلب، وسيتحوّل من بدأ يدرك ذلك إلى فرد في مجتمع حديديّ.
وإذا تأملتَ أيها الناجح في هذا الاختبار فستدرك حقيقةً يقينيّة أوضحها القرآن لكَ خاصّة، لأنّك أكثر من سيفهمها، وذلك أنك وطّنت نفسك حينها على تقبّل البلاء وإدارة احتماله: (ولَنبلونكم بشيءٍ مِنَ الخوفِ والجوعِ، ونقصٍ مِنَ الأَموالِ والأَنفسِ والثمراتِ، وبشّرِ الصابرينَ الذينَ إذا أصابتهم مصيبةٌ قالوا: إنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعونَ).
عندما تقرأ هذه الآية ستدرك أيها الناجح أن الله العظيم هو الذي قدّر هذا البلاء “ولنبلونكم” وأقسم الله على ذلك بصيغة الجمع المعظّمة، وأن ما أصابك به هو “شيء” حقير قليل هيّن في حقيقته، وأن سبب تهويلك له هو أنك لم تختبره بالاعتياد ولم تألفه، وأن ما يصيبك من شدة البلاء بغريزة الخوف أو المجاعة أو الجوائح التي تضرب كل شيء عندك وتنقصه وتذهب به، هو في حقيقته “شيء” من الأشياء ذهبَ بإرادة الله، وأنّك لو اختبرتَ الأشياء الأخرى التي يمكن أن يقضيها عليك الله فستعرف أنّك لم تُصَب بشيء، وأنّ ما نزل بك ليس بعقوبة كما حدث لغيرك: ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ).
ولأنّ هذا الامتحان صعب وفريد فإن الناجح فيه يستحق البشارة: (وبشّر الصابرين)، فقد نجحتَ في التدريب الإلهيّ، وغدوتَ منيعاً مطبوعاً بالقوّة، وأصبحتَ قادراً على تجاوز المألوف والخروج من التلبّس بالعوارض الصارفة الشاغلة من الوهم والجبن والخرافة والتردّد…، وأصبحتَ تدرك حقيقة مَن أنتَ، وما الذي ينبغي أن تكون عليه، وما الذي يجب عليك أن تعمله وتقصد إليه.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الاتحاد الأوروبي يحذر من استمرار الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة
بروكسل – المركز الفلسطيني للإعلام حذر الاتحاد الأوروبي، من "استمرار الوضع الإنساني الكارثي بقطاع غزة، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ نحو...
أونروا: النقص الحاد للأدوية والوقود بغزة يعيق إنقاذ الأرواح
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن الفلسطينيين في قطاع غزة بحاجة ماسة إلى الرعاية الصحية، في حين...
حماس تطالب بتحرك دولي فوري لوقف جرائم الإبادة في الشجاعية
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام طالبت حركة حماس بتحرك دولي فوري لوقف جرائم القتل والتدمير والتهجير القسري التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي منذ صباح...
الهلال الأحمر: أكثر من ثلث أسطولنا بغزة توقف بسبب نفاد الوقود
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام عبرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، اليوم الخميس، عن قلقها إزاء توقف 18 مركبة إسعاف في قطاع غزة عن العمل بسبب نفاد...
الأورومتوسطي: الاحتلال يستخدم كلابه البوليسية لترويع الفلسطينيين ونهشهم بشكلٍ ممنهجٍ
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن استخدام الجيش الإسرائيلي الكلاب البوليسية لمهاجمة المدنيين الفلسطينيين خلال...
سرايا القدس تكشف تفاصيل جديدة حول تفجير آليات الاحتلال في جنين
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال الناطق العسكري باسم سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أبو حمزة، اليوم الخميس، إن...
حنيني: المقاومة في الضفة ستبقى كابوسا يطارد الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قال القيادي في حركة حماس عبد الحكيم حنيني، إن عملية جنين الأخيرة التي قتل فيها جندي إسرائيلي وأصيب 17 آخرون، هي...