عاجل

الجمعة 21/يونيو/2024

حكاية صورتين.. المعركة الأخلاقية بين المقاومة والاحتلال

حكاية صورتين.. المعركة الأخلاقية بين المقاومة والاحتلال

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

في الوقت الذي يظهر فيه الحال المأساوي للأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من سجون الاحتلال الإسرائيلي، لا يملك المشاهد إلّا أن يقارن حالهم بحال الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، التي تنمّ عن حُسن رعايتهم، سواء الذين خرجوا أثناء الهدنة السابقة، أو أثناء المجزرة الوحشية في النصيرات، عندها يدرك المراقب حجم الفجوة الأخلاقية الواسعة بين الفريقين.

فقد ظهر الأسرى الفلسطينيون الذين أفرج عنهم مؤخراً إلى قطاع غزة وكأنّهم هياكل عظمية، وقد ظهرت عليهم علامات المرض والوهن، فضلاً عن الندوب والآلام الناتجة عن التعذيب والإهمال الطبي خلال فترة احتجازهم في سجون الاحتلال.

وفي المقابل، خرج الأسرى الإسرائيليون الأربعة، الذين استعادتهم قوات الاحتلال بعد مجزرة وحشية ارتكبتها ضد سكان مخيم النصيرات، وقد بدوا في صحة جيدة، تعكس وضعهم “المنعّم” في الأسر.

عرض أخلاقي على الهواء

في شهر نوفمبر الماضي، وخلال الهدنة المؤقتة في حرب غزة، تفاعل ناشطون وصحفيون وسياسيون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي مع مقطع فيديو تسليم كتائب القسام، الدفعة الثانية من الأسرى المحتجزين لديها إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وأشادوا بطريقة تعامل المقاومة الرحيمة مع الأسرى عكس ما يروجه الاحتلال، بل قالوا إنّ “الأسرى خرجوا كأنهم يودعون أصدقاء لهم في غزة”.

وأظهر المقطع مقاتلي القسام وهم يصطحبون بعض الأسرى الإسرائيليين من النساء والأطفال إلى سيارات الصليب الأحمر، وقد وجهت بعض الأسيرات التحية إلى مقاتلي المقاومة، ليبادلها أحد المقاتلين التحية بالإنجليزية.

لقد كان المشهد عرضاً أخلاقياً على الهواء، فلم يظهر الأسرى المفرج عنهم في حالة من الفزع أو الخوف أو المرض، بل كان مظهرهم يوحي بحسن المعاملة التي لقوها أثناء أسْرهم عند المقاومة.

ويرى الكاتب محمد أبو الفضل أنّه بالتوازي مع الحرب العسكرية، نشطت حرب الصورة وبلغت مداها في مشاهد تبادل الأسرى.

ويضيف أنّ إسرائيل رسمت صورة القوة والإذلال في التعامل مع خصومها، فيما اختارت حماس صورة تقوم على اللين والحفاوة.

دحض الصورة النمطية عن حماس

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية حينها، أنّ شهادات الأسرى المفرج عنهم من قِبَل المقاومة في غزة أكدت حُسن معاملتهم، وأنهم “لم يتعرضوا لأي نوع من العنف أو الإهانة”، وهو ما يدعم شهادة الأسيرة الإسرائيلية المسنة “ليفشيتس” المفرج عنها قبلهم في شهر أكتوبر.

وفاجأت “ليفشيتس” الجميع خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب بعد إطلاق سراحها، حيث قالت “لقد تعاملوا معنا بود وعناية، ووفروا لنا الطعام والدواء، وأحضروا لنا طبيباً لفحصنا ومضمداً لمتابعة وضعنا الصحي ومعالجة من أصيب منّا بجراح”.

فتاة إسرائيلية تحمل كلبها بعد أن أفرجت عنها حماس أثناء الهدنة

ويؤكّد تلك الشهادة ما نقله المراسل العسكري في القناة الـ 13 الإسرائيلية، ألون بن دافيد، عن بعض الأسرى المفرج عنهم خلال الهدنة، حيث قالوا: إن مقاتلي حماس “جمعوا منتسبي كل مستوطنة مع بعض، مما أعطاهم إحساساً أكبر بالراحة”.

وأضاف أنّهم “لم يتعرضوا للعنف ولا للإهانة، وحاول عناصر حماس تزويدهم بالغذاء وبالمسكنات وأدويتهم الاعتيادية قدر المستطاع، في ظل ظروف أمنية خطيرة وقاسية تحت الأرض وداخل الأنفاق”.

وتابع “كانوا يجلسون ويتحدثون مع بعضهم البعض، ويقومون بأنشطتهم بشكل اعتيادي، ويستخدمون اليوتيوب، لقد أعطاهم ذلك دفعة للصمود”.

وأهمية هذه الشهادات الإسرائيلية، أنها تكذّب وتدحض ما كانت تروج له حكومة الاحتلال، حيث زعم كبار المسؤولين الإسرائيليين أن مواطنيهم يتعرضون لمعاملة سيئة عند حركة حماس.

وقد بيّنت بعض اللقطات المصورة اختلافاً عن الصورة النمطية والسائدة عن علاقة الأسير بسجانيه. فلم نعتد على مشاهدة سيدة عجوز أسيرة تترجل من السيارة في طريقها لنيل حريتها، وقبل أن تستمر في السير تلتفت لتشكر أحد مقاتلي حماس.

الأسرى الفلسطينيون

وعلى النقيض من ذلك، يظهر وجه الاحتلال الإسرائيلي الحقيقي من خلال تعامله مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، حيث مارس جنوده عمليات تنكيل واسعة، واعتداءات بالضرب المبرح.

كما يواجه الأسرى ظروفاً حياتية صعبة، وممارسات قمعية واستفزازية، ومن أحدثها سياسة التجويع، فوجبة الطعام المخصصة لأسير واحد على سبيل المثال تُقَدَّم إلى 7 أو 10 أسرى، فضلاً عن نوعية الطعام السيئة والوجبات الرديئة.

أسيران من غزة أفرج عنهما مؤخرا من سجون الاحتلال وقد بدت عليهما علامات التعذيب

وقد أكّد رئيس هيئة شؤون الأسرى، قدورة فارس، أنّ دولة الاحتلال تتصرف مثل “عصابة”، بسبب ممارساتها “التنكيلية والانتقامية” بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية منذ بدء العدوان على قطاع غزة.

وفي إطار حديثه عن الأسيرات من نساء غزة، أوضح فارس أنّ أسرى غزة أعدادهم كبيرة، وهم موزعون على العديد من السجون، ومنقطعون جميعاً عن أي تواصل مع العائلة أو المحامين أو الصليب الأحمر.

وأضاف أنّ هناك العشرات من الأسيرات الغزّيات اللواتي يتعرضن لمعاملة قاسية ووحشية، وأنّهن وصلن سجن الدامون مكشوفات الرأس رغم أنّ غالبيتهن يرتدين الحجاب.

ولفت فارس إلى أنّ الأسيرات تعرضن للاعتداء في كل المحطات من جنوب فلسطين إلى شمالها، وصولاً إلى الدامون، وأوضح أنّهنّ تعرضن للشتم والإهانة، وكنّ مقيدات، ولم يتناولن وجبات الطعام بانتظام.

وشدّد على أنّ حرص الاحتلال على إبقاء على قضية أسيرات غزة طي الكتمان ينمّ عن نواياه الخبيثة المبيّتة، وأنّ هناك جرائم ترتكب بحقهنّ.

شهادات على التعذيب

في إفادته لفريق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أكّد المعتقل المفرج عنه “سمير عبد الله مرجان” (23 عاماً) تعرضه للضرب الشديد والتعرض للصعقات الكهربائية والإهانات ومحاولة حقنه بمواد مجهولة.

وأضاف أنّ الأسرى كنا يعذبون يومياً بشكل وحشي، بالضرب والإهانات، إضافة لاستخدام الكلاب للهجوم عليهم وتخويفهم واستخدام الكهرباء لتعذيبهم.

أمّا في سجن عسقلان، فيروي مرجان أنّ الوضع كان أسوأ، حيث بقي في زنزانة انفرادية 12 يوماً بدون طعام، مضيفاً أنّهم كانوا يستخدمون الصعقات الكهربائية أثناء التحقيق للحصول على الاعترافات عن المقاومين والأنفاق.

وفي إفادة أخرى، روى المسن “س. ع” (65 عاماً) تفاصيل اعتقاله من منزله بمخيم جباليا وتعرضه للتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز في “بركسات” غير آدمية، وما شاهده من تعذيب لشاب أبكم.

كما أفاد الأسير المحرر عمرو العكلوك، من سكان قطاع غزة، بأنّه التقى في السجن معتقلاً اسمه “محمد الكحلوت” من سكان الفالوجا، وكان بصحة جيدة. ويشيف العكلوك أنّه في اليوم التالي استشهد الكحلوت نتيجة تعرضه للتعذيب، ووضع الجيش جثمانه في كيس بلاستيكي من أكياس الموتى ونقلوه إلى مكان مجهول.

بتر الأطراف

كشف طبيب إسرائيلي يعمل في سجن “سدي تيمان” السري الذي أنشأه جيش الاحتلال في النقب، عن بتر أقدام سجناء من غزة بسبب آثار الأصفاد، مشدداً على أن المؤسسات العسكرية والطبية الإسرائيلية تخرق القانون.

ونقلت صحيفة هآرتس شهادة للطبيب ببتر ساقي سجينين بسبب إصابات نتجت عن الأصفاد، مشيراً إلى أن هذا الأمر “صار روتينياً”.

ففي شهر إبريل الماضي، أفرجت قوات الاحتلال عن الأسير الغزي، سفيان أبو صلاح، بعد 50 يوماً من الاعتقال فقد فيها إلى جانب ساقه 30 كيلو غرام من وزنه وخرج ليروي أهوال ما واجهه من تنكيل وتعذيب.

يقول سفيان: “دخلت للسجن بساقين وخرجت بواحدة”، بهذه الكلمات أوجز الأسير المحرر بمرارة ما واجهه من تعذيب وإهمال طبي خلال اعتقاله في سجون الاحتلال.

وأصيب الأسير المحرر أبو صلاح بالتهاب في ساقه أثناء اعتقاله تطور إلى “غرغرينا” أدّت إلى بتر ساقه بعد إهمال متعمد من قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ولم تقتصر حالات بتر الأطراف الناتجة عن التعذيب أو الاعتداء على قطاع غزة، بل شمل الضفة الغربية أيضاً، حيث تعدّ الأسيرة الفلسطينية وفاء زهدي جرار (49 عاماً) من مدينة جنين، نموذجاً صارخاً لانتهاكات الاحتلال.

فقد قرر الاحتلال الافراج عن جرار بعد تدهور حالتها الصحية نتيجة إصابتها خلال اعتقالها، ثم خضعت لعملية جراحية لبتر أجزاء من رجليها.

ووصف نجل جرار قرار الاحتلال الإفراج عنها وهي بحاجة للعلاج، بأنه محاولة لاغتيال والدته، ولا تزال الأسيرة المحررة في العناية المكثفة منذ إصابتها، بسبب وضعها الصحي الخطير.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات