الأربعاء 26/يونيو/2024

هل تركت العدل الدولية مخارج للاحتلال لتجاهل تنفيذ تدابيرها التحفظية؟.. قراءة قانونية

هل تركت العدل الدولية مخارج للاحتلال لتجاهل تنفيذ تدابيرها التحفظية؟.. قراءة قانونية

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

حذر الخبير وأستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى من التعاطي مع أوامر محكمة العدل الدولية الأخيرة الداعية لوقف الهجمات العسكرية في رفح، على طريقة “التبشير الإعلامي”، التي تفتقر في كثيرٍ من الأحيان للقراءة القانونية العميقة المتأنية والدراسة الوافية لمنطوق أوامر المحكمة وفهمها بشكلٍ عميق.

وقدم الموسى في تصريحاته لـلمركز الفلسطينية للإعلام قراءة قانونية معمقة لما صدر عن المحكمة، مشيرًا في الوقت ذاته إلى القول: انني اتحدث كأكاديمي وليس كإعلامي او سياسي، وأنني مع تعزيز تفسير واسع لأمر المحكمة إعلاميا ودبلوماسيا، لكن ذلك لا يمنع من تحليل الأمر ومقاربته أكاديميا وفق المقاييس القانونية والعلمية وأدوات التحليل والتفسير المعمول بها في القانون الدولي حتى نكون على بينة من الأمر.

ولفت إلى ان المقصود من هذا التحليل التأكيد على ان الفهم القانوني لأمر المحكمة والتعامل معه يتم وفق أسس قد تجعل منه حمالا لتفسيرات ومعانٍ مختلفة، ما يوهن إمكانية تنفيذه بالشكل المرجو والمأمول من جانبنا، وما يتمّ الترويج له والتبشير به إعلاميا على عكس حقيقة الأمر.

وقال الموسى: إنّ محكمة العدل الدولية أصدرت يوم الجمعة أوامر باتخاذ إجراءات تحفظية جديدة، بناء على طلبات لجنوب أفريقيا بإجراءات جديدة تتضمن وقف الهجمات العسكرية والعملية العسكرية في قطاع غزة ورفح، وفتح المعابر وتمكين لجان التحقيق من الدخول إلى القطاع وأيضًا مطالبة الكيان بالانسحاب من قطاع غزة.

ولفت إلى أنّ المحكمة أصدرت أمرًا جديدًا، وكانت أصدرت أمرًا في شهر كانون الثاني من هذا العام، ثم عدلته في شهر آذار، ثم استجابت للطلب الذي قدمته جنوب إفريقيا.

وقال الموسى: قبل الدخول في تفاصل الأمر الذي صدر عن المحكمة، أريد أن أوضح في الواقع أكثر من مسألة، فهناك فرق بين التعاطي الإعلامي، وتعاطي من يسمون الخبراء في الإعلام، مع أمر المحكمة، ومع واقع الأمر ومضمونه القانوني.

محمد الموسى
محمد الموسى: التحدي الأكبر بأوامر محكمة العدل الدولية تمثل في طريقة الصياغة الإشكالية والتي تحمل أكثر من معنى

ونوه إلى أنّ هناك فرقًا بين التصريح السياسي المرجو منه موقف سياسي وبين العمل الأكاديمي في التعامل مع الأمر، وهذا يستوجب قراءة معمقة ودقيقة ومداولات لأي جهة تريد الحديث بالقانون الدولي قبل إطلاق الأحكام والتصريحات الإعلامية.

وتابع الموسى: ما أريد قوله: نحن كقانونيين قبل أن نتحدث عن الأمر، هناك تعاطي أكاديمي علمي مع ما تصدره المحكمة من أوامر، وإجراءات وأحكام، وهناك تعاطي إعلامي تسطيحي تبسيطي رغائبي، لا أدري إن كان مقصودًا أو غير مقصود، وأنا أفترض حسن النيّة في الواقع، لكن الحقيقة هذه مسألة يجب أن نوضحها.

ولفت إلى أنّ الأمر الآخر الذي يجب توضيحه قبل الخوض في تفاصيل أمر المحكمة، أنّ التعامل مع ما تصدره المحكمة يخضع لتحليلات الفقهاء ولتحليلات المختصين ولتفسيراتهم بتؤدة وعناية وهدوء، وهناك فرق بين العمل القانوني وبين العمل التبشيري القانوني، الذي يتم من خلال الإعلام.

وقال الموسى: الآن، أريد توضيح مسألة، في الواقع أنّ هذا الأمر الصادر والفقرة التي تطلب فيها المحكمة وقف الهجوم الإسرائيلي على رفح، في الحقيقة هذه الفقرة حمّالة أوجه وتحمل أكثر من تفسير.

واستدرك بالقول: بداخلي كشخص من أصل فلسطيني مسلم، وبمعزل عن الأبعاد القانونية، وأرنوا وأعمل كما نعمل جميعا من أجل وقف المذبحة، وكلامي هنا لا يعني أنّني أروّج لما سأوضحه، وأنّني أرى ذلك، هذا الكلام في سياق التعامل مع أمر المحكمة، وهذا أمرٌ إشكاليٌ، لأكثر من سبب، وليس كما يروّج في الإعلام أيّا كان من يأتون به للحديث حول الموضوع تحت مسمّى خبير، سواءً كان عربيًا أو غربيًا.

ولفت الموسى، إلى أنّ صياغة الفقرة باللغة الإنجليزية الرسمية التي صيغ بها القرار والفرنسية، صياغة الفقرة التي تدعو الكيان لوقف هجومه على رفح في الحقيقة (صياغة إشكالية وتحمل أكثر من معنى وقد تفسر بأكثر من معنى).

وتابع حديثه: ما أريد توضيحه أنّ المحكمة تطلب في الفقرة، وهنا أترجم عن النص الأصلي الإنجليزي – وليس لي علاقة بالترجمات التي تمّ نشرها في الإعلام – فالمحكمة تدعو الكيان الصهيوني إلى وقف الهجوم العسكري، ثم (فاصلة)، أو أي عمل آخر، في محافظة رفح، (فاصلة) وندقق على الفواصل، قد يغيّر في الظروف المعيشية للجماعة الفلسطينية في غزة، بما يفضي إلى هلاكهم أو تدميرهم المادي كليًا أو جزئيًا.

وأوضح الموسى بالقول: هنا السؤال؟ هل المحكمة طلبت وقف الهجوم العسكري وأي عمل آخر بصورة مطلقة؟ أم فقط الهجوم العسكري، وأي عمل آخر من شأن القيام به أن يؤدي إلى الإبادة المادية أو التدمير المادي للجماعة الفلسطينية في غزة كليا أو جزئيًا.

واستدرك الموسى بالقول: الآن، هل دعت لوقف القتال بشكل مطلق أم بشكل مجزوء ومشروط؟ في الواقع أنّ الرؤية وما يسود الإعلام أنّ الأمر جاء مطلقًا، لأنني أعتقد أنّ من يتحدث بهذه الطريقة، إمّا أنّه لم يقرأ الأمر مطلقًا، وهذا ما أرجحه، وإن قرأ في الحقيقة يبدو أنّه لا يملك أدوات القراءة والتفسير القانوني في هذا الإطار.

وأشار إلى أنّ هذا النص يحمل في الحقيقة يحمل أكثر من معنى، وأنا كداعم للقضية الفلسطينية وكمسلم من أصلٍ فلسطينيٍ أستطيع القول أنّ المرجوّ من هذا القرار وقف  العملية العسكرية كاملة في رفح ووقف أي عمل عسكري في رفح، لكن في الحقيقة عندما جاءوا ووضعوا الفاصلة، ووراءها أي عمل آخر في رفح، ثم قالوا الذي قد يتسبب بظروف معيشية تفضي إلى تدمير كلي أو جزئي للجماعة الفلسطينية في غزة، هذا معناه يحتمل تفسيرًا بأنّه طلبٌ محدود، بمعنى وقف الهجوم العسكري أو أي عمل آخر من شأنه أن يؤدي للتدمير الكلي للجماعة الفلسطينية، فإذا لم يكن العمل العسكري أو أي عمل آخر مصممًا أو مفضيًا إلى التدمير المادي كليًا أو جزئيًا للجماعة الفلسطينية في غزة، قد يأتي ويقول إن هذا العمل ليس مشمولاً بطلب المحكمة.

وأوضح بالقول: معنى ما أريده، وبصراحة وموضوعية، الصياغة المكتوبة باللغة الإنجليزية والفرنسية ووضع الفواصل، تخلق التباسًا كبيرًا ربما وربما تعطي انطباعا، حتى لو شخصيا لا نتمناه، برجحان التفسير الثاني أنّ (الوقف مشروط ومقيد لأغراض الإبادة الجماعية، وأغراض الحماية من الإبادة الجماعية وأن المحكمة لا تريد أن تتدخل بشأن وقف القتال بشكلٍ عام).

ولفت الموسى إلى أنّ هذه الصياغة تحمل أكثر من تفسير وقد تحمل التفسير الشائع في الإعلام والذي نأمل به وندافع عنه، وقد تحمل تفسيرًا آخر وليس سهلاً تجاوزه، وأنا أتحد كقانوني، بأنّ الوقف المطلوب هو ليس مطلقًا ولكنّه مشروط بأن لا يفضي إلى إبادة جماعية أو تدمير كلي أو جزئي للجماعة الفلسطينية في غزة، وبالتالي إذا كان الهجوم أو العمل لا يؤدي إلى ذلك فهذا ليس مشمولاً بطلب المحكمة.

ومن جانب آخر، أوضح الموسى بالقول: في الواقع هناك أربعة قضاة، منهم القاضيان الروماني والألماني، صوتا لصالح هذا القرار، ولكنّهم أصدرا تفسيرًا، وقالا: أنّ المقصود بذلك ما تحدثنا به من التفسير الثاني، وأنّ المطلوب ليس وقف القوة بشكل مطلق لكنها طلبت وقف القوة بما يفضي إلى الحماية من الإبادة الجماعية، ولأغراض تطبيق الاتفاقية.

ونوه الموسى بالقول: هنا قصدوا أنّ العمل العسكري الذي قد يؤدي للتدمير المادي أو إبادتهم هذا هو المحظور، وأنّ ما عدى ذلك فالمحكمة لم تتدخل به.

وأشار إلى أنّ “هناك القاضي الصهيوني الذي يمثل الكيان الصهيوني في المحكمة والقاضية الأوغندية، برأي مخالف وتبنيا التفسير ذاته”.

وقال الموسى: في الواقع أنّ الموضوع لا يبحث بطريقة يأتي بها شخص سطحي في القانون والتفسير ويقول أربع قضاة هذا رأيهم والإحدى عشرة الباقون الأغلبية لهم، وموضوع التفسير هنا ليس كذلك وليس المقصود، ولو قرأنا التصريح الذي قدمه القاضي الألماني فهذا عالم وفقيه كبير، وهنا التأثير على الموضوع من ناحيتين، الأولى: أنه أستاذ كبير في القانون الدولي وسوف يستند كثيرون إلى تفسيره، ومرجعية فقهية في القانون الدولي، والمسألة الثانية الأهم، أنّ وجود التفسير الآخر ووجود قضاة بهذا العدد حتى لو لم يكن الأغلبية يتبنون التفسير أنّ الطلب من الوقف والحظر مشروط بأغراض وقف الإبادة الجماعية وليس أكثر، هذا من شأنه أن يوهن ويضعف ويشكك بقطعية ووضوح ما طلبته المحكمة وربما أيضًا يوهن تنفيذه.

ونوه بالقول: لذلك بدأنا نسمع بعض قادة الكيان يقولون: نحن سنخوض حربنا ونستمر بها وفق القانون الدولي وسنسعى أن لا نمس المدنيين، وراينا هذا الموقف بحديث الصهاينة عن كون قرار المحكمة يحمل أكثر من تفسير.

واستدرك الموسى: للأسف وأنا أدافع عن التفسير المروّج في الإعلام بأنّ أمر المحكمة مطلق، لكن كقانوني هي حقيقة أن الفقرة المخصوصة بالطريقة التي صيغت فيها هي حمّالة أوجه.

وأوضح بالقول: النقطة الثانية هي أنّ الفقرة لم تستخدم فعل ( stop) استخدمت فعل (halt)   والمحكمة لم تقل يجب أن توقفوا الحرب بشكل كامل وتنسحبوا، بل استخدمت فعلا من شأنه أن يقدم سلاحا وأداة تدعم التفسير الضيق للكيان ولمن يقول بهذا التفسير الضيق، وأنّه ليس هناك وقفًا كاملاً، بل هو وقف مؤقت، وهذه مسألة دقيقة قد يتم استخدامها لتعزيز ذلك التفسير الضيق.

ولفت إلى أنّه يجب أن نؤكد أنّ المحكمة لم تحظر استخدام القوة والعمليات في كامل القطاع، ومع أنّ الحالة في رفح هي الحالة ذاتها في جباليا وفي خان يونس وفي سائر القطاع،  مشددًا في الوقت ذاته على أنّ المحكمة لم تشر إلى الانسحاب كما طالبت جنوب أفريقيا.

وقال الموسى: وهناك مسألة مهمة جدًا اشرنا لها سابقًا، أنّ المحكمة عادت ثانية وطالبت بإخلاء من نسمّيهم الأسرى، وقالت عنهم المحكمة (رهائن لدى المقاومة في غزة)، وهذه مسألة خارج التدابير التحفظية التي طالبت بها جنوب أفريقيا، وليس لها علاقة بالطلب المقدم، وطالبت بالإفراج عنهم في هذا الإطار.

وشدد على القول: هنا علامة استفهام، كيف تخرج المحكمة عن مجال اختصاصها في إطار الإبادة الجماعية وتعالج موضوع خارج سياق التدابير التحفظية.

وأضاف أنّ الأمر الأخير، أنّ هذا أمر ليس قرارًا كما يشاع، (أمر تأشير بتدابير تحفظية) وليس حكما قضائيًا، وإن كان ملزما وهذه مسألة أساسية، لكنّه بصراحة يوجد إشكاليات إن درسنا تاريخ المحكمة تتعلق بعراقيل التنفيذ، وما لفت انتباهي، هو حديث المعلقين عن إمكانية العودة إلى مجلس الأمن.

ونوه بالقول: لا أريد الدخول في تفاصيل، لكن هل المادة (94) من ميثاق الأمم المتحدة يشمل الأوامر أو لاء، وهي في الحقيقة لا تشمل الأوامر بل تشمل الأحكام والقرارات، ولكن هناك آليات في الميثاق تسمح إذا لم ينفذ الكيان، أن تذهب جنوب أفريقيا إلى مجلس الأمن، وهناك إشكالية فيه.

لكن أريد أن أذكر كل هؤلاء بصراحة بمسألة مهمة من الناحية القانونية، في الأمر الذي أصدرته المحكمة في شهر كانون الثاني من هذا العام، حيث طلبت من الكيان مجموعة إجراءات تحفظية، ومنحتهم مدة شهر، وبعد مرور شهر قدم الكيان طلبًا بما قدمه من تدابير، أريد أن أسال جميع هؤلاء من يقولون بالتنفيذ ومجلس الأمن، ويتعاملوا بطريقة تبشيرية وليست طريقة قانونية محضة، والكيان في الحقيقة لم ينفذ التدابير بما يتعلق بإدخال المساعدات وحماية المدنيين من الإبادة الجماعية، وفي حينها ذهبت جنوب إفريقيا لمجلس الأمن، فهل تدخل مجلس الأمن، ومع قناعتنا بأن الكيان لم يطبق الأمر، ولحد الآن لا نعلم مضمون الرد الإسرائيلي على الأمر الأول، وتم التوافق على أن يبقى التقرير سريًا ودخلوا في إطار التوفيق من أجل هذا الأمر، ولم حتى الآن لمجلس الأمن، ولا ندري قد تصل مستقبلاً.

ووجه الموسى رسالة، قائلا: أتمنى من الذين يتحدثون باسم القانون الدولي، لا يجوز بصراحة لجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان، أن يتحدثوا بتلك الطريقة حول القانون الدولي، فهذه مسائل تحتاج لعمق معرفي في قواعد القانون الدولي وطريقة عمل محكمة العدل الدولية، وباجتهاداتها وآليات عملها، وفي النهاية هذه مسائل قد تخضع لأكثر من تفسير وأكثر من تأويل، وهناك عراقيل تنفيذ واسعة.

وتابع بالقول: أتمنى أن يقرؤوا بدقة وعناية وعقل وبصيرة مفتوحة، وأن لا يعملوا كتبشيريين بهذا الإطار، الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية يحتمل التأويل رغم أنه ملزم، والتحدي الحقيقي هو الصياغة التي صاغت بها المحكمة هذا الأمر وتحديدًا الفقرة المتعلقة بوقف العمل العسكري وأي عمل آخر في القطاع.

وأضاف الموسى: أتمنى من الجميع أن يعودوا ويقرأوا بهدوء، وخاصة أولئك المعنيين بهذا الأمر، والذين هم طرف في النزاع من قوى المقاومة الفلسطينية وقوى المقاومة في العالم العربي، لا سيما وأن قرار المحكمة صدر باللغتين الإنجليزية والفرنسية وليس باللغة العربية، وبالتالي يجب التدقيق بمنطوق المحكمة.

وقال الموسى: أنا في النهاية أؤكد وليس هذا رأيي ولا أقول إن الرأي الذي يقول بالحظر ووجوب الخروج من القطاع خطأ، بالعكس هذا وارد وذاك وارد، لكن إن رأينا الصياغة فإنّها ملتبسة وتحتمل المعنيين، وهذا يوهن الطلب، ويجعله غير قطعي وحمّال أوجه لتفسيرات وتأويلات مختلفة، ولا نستطيع الجزم به لاحقا بالطريقة التي يتمّ الترويج لها.

وختم بالقول: حتى لو أردنا القول بأن الطلب والحظر مطلق، يجب أن نفسّر ونطوّر أسانيد ولا يكفي فقط ما جاء في قرار المحكمة لوحده للقول بقطعية الحظر والطلب الذي جاءت به المحكمة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات