الأربعاء 26/يونيو/2024

مع فقدانها البوصلة الأخلاقية.. الهستيريا الأمريكية في الدفاع عن إسرائيل تتواصل

مع فقدانها البوصلة الأخلاقية.. الهستيريا الأمريكية في الدفاع عن إسرائيل تتواصل

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

تواصل الولايات المتحدة الأمريكية بعد أكثر من مائتي يومٍ على العدوان المتواصل على غزة، “غطرسة انحيازها” الفجة لدولة الكيان الصهيوني، في فقدانٍ وانحدارٍ صادمٍ لـ “البوصلة الأخلاقية” ليس على الصعيد الخارجي فحسب، بل تعداه إلى الجبهة الأمريكية الداخلية في قمع كل من يتجرأ على نقد إسرائيل أو التظاهر ضدها أو رفض حرب الإبادة الجماعية في غزة، وصل لحد سحل أساتذة الجامعات وقمع الطلاب وشيطنتهم والزج بهم في السجون أو الدوس عليهم ورشهم بالمياه القذرة واستخدام كل الأساليب التي تستخدمها الدول المستبدة البوليسية في مشهدٍ سيترك أثرًا عميقًا في مواصلة انكسار صورة أمريكا وسقوط “تمثال الحرية” المزعوم في ديمقراطية كشفت وجهها الحقيقي القبيح الذي عانى منه العالم أجمع، واليوم يذوق الأمريكيون من “كأسه العلقم”.

ولم يقف الانحدار عند هذا الحدّ بل تعداه لأكثر من ذلك لتلوّح أمريكا بالتهديد والوعيد لمحكمة الجنايات الدولية بعد الأحاديث المتواصلة عن احتمالية صدور أوامر اعتقال بحق قادة الكيان الصهيوني بسبب ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في غزة وعلى رأسهم نتنياهو وقادة مجلس الحرب فيه، الأمر الذي اثار جنون وهوس الاحتلال وإدارة بايدن على حدٍ سواء، ما دفع الأخيرة لتلقي بكل ثقلها في مسعى مكشوف ورسالة واضحة للعالم أنّ أمريكا لن تقبل بهزيمة إسرائيل في فلسطين ولا تسمح بمعاقبة قادتها أو محاكمتهم على ما اقترفوه من جرائم بحب المدنيين العزل في غزة.

وكما أرسلت “أمريكا” بلطجيتها وزعرانها للتحرش في المتظاهرين والمعتصمين السلميين في الجامعات لتبرير فض تجمعهم بالقوة وسحلهم لمراكز الاعتقال، لوح قادتها للمحكمة الجنائية الدولية بالويل والثبور إن هي أقدمت على استصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وعصابته، ليظهر تمثال الحرية الأمريكي في أقبح صوره كما يحلو لرسامي الكاريكاتير تصويره يرتدي “البصطار العسكري” ويحمل عصا القمع بدلا من مشعل الحرية المزعومة.

ناشد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، مَن سماهم “زعماء العالم الحر” العمل على منع صدور مذكرات اعتقال دولية من المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين.

هذه المناشدة أطلقها نتنياهو، في تصريح متلفز نشره بمنصة “إكس”، فيما تتصاعد في “إسرائيل” منذ أيام توقعات بصدور مذكرات اعتقال قريبا؛ بتهمة ارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” بقطاع غزة.

وتحدى نتنياهو المحكمة التابعة للأمم المتحدة بقوله: “لن يؤدي أي قرار، لا في لاهاي (بهولندا- مقر المحكمة) ولا أي مكان آخر، إلى إضعاف تصميمنا على تحقيق جميع أهداف الحرب (على غزة)”.

وناشد مَن سماهم “زعماء العالم الحر”، أن “يمارسوا كامل نفوذهم لإيقاف هذه الخطوة الخطيرة”، في إشارة إلى احتمال صدور مذكرات اعتقال.

ومن أبرز الأسماء المرجح صدور مذكرات اعتقال بحقهم، وفق إعلام عبري، كل من نتنياهو ووزير الدفاع يؤاف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي.

الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة قال معلقا على ردود فعل أمريكا تجاه الجنائية بالقول: وبدأت هستيريا الأمريكان ضد “الجنائية الدولية” كُرمى عيون نتنياهو! في حين لم تُظهر إدارة بايدن ردّة فعل قوية حيال نية المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو (وقيل غالانت وهليفي أيضا)، فقد بدأت حملة الكونغرس المحمومة ضدها.

ولفت إلى أنّ نتنياهو قد حثّ بايدن على “التدخل” خلال مكالمتهما، فيما تم تفسير عدم تحرّك الأخير بمحاولة ضغط على نتنياهو لتمرير صفقة الهدنة والتبادل المُحتملة، ومعها وقبلها تنفيذ شروط مسار التطبيع المُحتمل مع السعودية.

واستدرك الزعاترة بالقول: لكن رئيس مجلس النواب الأمريكي، مايك جونسون، لم ينتظر، بل بدأ الحملة. فقد دعا إدارة بايدن إلى “المطالبة بشكل فوري لا لبس فيه، بتراجع المحكمة الجنائية الدولية” واستخدام “كل الأدوات المتاحة لمنع مثل هذا الفعل الشنيع”.

ولفت إلى أنّ رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مايكل ماكول (جمهوري من تكساس)، قال لموقع أكسيوس، إنه يتوقع إصدار مشروع قانون من جانب السيناتور الجمهوري توم كوتون، يقضي بمعاقبة مسؤولي الجنائية الدولية المشاركين في التحقيق مع الولايات المتحدة وحلفائها، لكنه أضاف: “لا نأمل بأن يصل الأمر إلى هذا الحد”.

وختم الزعاترة بالقول: لا يُعرف إلى ماذا ستنتهي هذه المعركة، إذ أن خضوع المحكمة لتهديدات الأمريكية يبقى واردا، وكذلك حال مرور أمر الاعتقال الذي لن يُنفّذ طبعا، لكنه سيقيّد حركة نتنياهو، وله أضرار أخرى سبقت الإشارة إليها هنا، والأهم هو ضرره السياسي على “كيان” تأسّس وعاش على الدعاية، وها إنه يمثل وقادته في قفص الاتهام بين محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.

ليس هذا فحسب، بل إن تلك المواقف الأمريكية الفجة في الانحياز للصهاينة، جعلت دبلوماسية أمريكية سابقة تصف ما يجري بـ “الجنون”، وأفصحت الدبلوماسية الأميركية السابقة هالة غريط في سياق مقابلة نشرت، اليوم الثلاثاء، عن أسباب استقالتها من منصبها، منهية مسيرة 18 عاماً في وزارة الخارجية الأميركية، على خلفية الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة.

وقالت الناطقة السابقة بالعربية باسم وزارة الخارجية الأميركية هالة غريط في حديث لصحيفة “واشنطن بوست”، إنها لن تكون سببا “وراء كراهية شخص ما لأميركا أكثر”، في إشارة إلى استقالتها وسياسة الدعم اللامتناهي لإسرائيل التي اتبعتها إدارة الرئيس جو بايدن خلال حرب الإبادة في غزة.

وأضافت: “نحن نروج لدائرة من الانتقام بين الأجيال لا تجعل الإسرائيليين أكثر أمنا”.

وقالت غريط: “كنت أشاهد يومياً الصور التي كانت تنتشر في العالم العربي لجميع الأطفال القتلى. كيف لا يصل إليك كإنسانة، كأم؟ وكان من المدمر معرفة أن قنابلنا هي التي قتلت هؤلاء الأطفال، على الأرجح. والأمر الأكثر تدميراً هو معرفة أنه على الرغم من مقتلهم، فإننا لا نزال نرسل المزيد من الأسلحة لأننا نعتقد بطريقة ما أن هذا هو الحل. إنه جنون. الدبلوماسية، وليست الأسلحة، هي ما نحتاج إليه”.

وبعد كلّ ما سبق، كيف يمكن لأحد أن يصدق خطاب الدبلوماسية الأمريكية الذي جاء به وزير الخارجية الأمريكي بلينكن والزعم بأنهم حريصون على إتمام عملية الاتفاق مع المقاومة في غزة برعاية أمريكية.

وفي هذا الصدد قال الكاتب والمحلل السياسي وائل قنديل: مدهشٌ أن يبقى أحد مقتنعًا بفرضيةِ أن يكون جو بايدن هو الشخص المناسب لرعايةِ أيّ اتفاق مُنصفٍ في الصراع، بينما كلُّ تفاصيل المشهد تؤكد أنّه الذئب، أو مُدرِّب الذئاب، وليس الراعي الذي يمكن أن يُرجى منه خير، بالنظر إلى سوابقه العديدة في القتالِ في المحافلِ الدولية ضدَّ أيّ قرارٍ، أو إجراءٍ قانوني دولي يُوقف الجريمة الإسرائيلية، إِنْ في مجلس الأمن بالفيتو الرافض لمشروع قرار الاعتراف بدولةٍ فلسطينية، أو في محكمة العدل والجنائية الدولية، وقبل ذلك كلّه من خلال الميزانية ومخازن السلاح الأميركية المفتوحة، دعمًا للعدوان العسكري الصهيوني.

بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي فراس أبو هلال: لا يمكن التفاؤل بتغير اللهجة أولا، لأن الأفعال هي من تؤثر في مسار الأحداث وليس الأقوال. حتى الآن لم تتجاوز المواقف الغربية ساحة الرطانة الخطابية.

 وأشار إلى أن الرهان الوحيد للفلسطينيين الآن في قطاع غزة هو على صمودهم فقط، إذ لا يرتجى أي أمل من التغير السطحي للمواقف الغربية، ولا من الدول العربية التي تتباين أدوارها من الصمت إلى التواطؤ مع الاحتلال، ولا من شعوب المنطقة التي يبدو أن اهتمامها بالمجزرة المستمرة قتلته آفة التعود والألفة!، وفقا لمقالته بصحيفة “عربي٢١”.

أما د. محمود الحنفي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان، في إجابته على السؤال السابق فيشير إلى أنّه من المتوقع أن تصدر مذكرات اعتقال بحق قادة المقاومة في حركة حماس وإسرائيل. هذا الافتراض مبنيّ على سياق اعتادت عليه المؤسسات الدولية (التوازن)، فلم يصدر أي تقرير دولي إلا وأدان المقاومة الفلسطينية بنفس القدر الذي أدان به إسرائيل وربما أكثر.

ولفت إلى أنّ خلاصة القول؛ هو أن تصدر مذكرات اعتقال بحق أحد من العالم العربي والإسلامي أو دول العالم الثالث فهذا أمر متوقع، وأن تدرج الدول الغربية قيادات على لوائحها فهو أمر غير مستغرب، ولكن الجديد أن تصدر مذكرات اعتقال بحق قادة الاحتلال، وأن يُطلَب قادته السياسيون والعسكريون للمحاكمة كمجرمين، فهذا أمر لم يدر في خلد أحد منا أو منهم. وإذا تم هذا ولم تنجح الضغوط في ثني المدعي العام الذي تباطأ كثيرًا، فهو نصر عظيم.

وختم حديثه في مقالته في الجزيرة نت: تخيلوا أن يُحاصر نتنياهو وقادة الإجرام ولا يستطيعون السفر، ويُنظر لهم كمجرمي حرب، وللاحتلال كمن خرج عن الشرعة الدولية التي رعته وأنشأته!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات