الأربعاء 26/يونيو/2024

العلامة يوسف القرضاوي.. رحيل ركن بارز من داعمي فلسطين

العلامة يوسف القرضاوي.. رحيل ركن بارز من داعمي فلسطين

برحيل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي تفقد فلسطين واحدًا من أكبر الأعمدة المساندة والمدافعة عنها في كل الساحات وتشهد كلماته وكتبه وخطبه على مواقف تسجل بأحرف من نور في كتب التاريخ.

“كانت قضية فلسطين من قديم أولى القضايا التي تشغل فكري وقلبي” هكذا كتب العالم القرضاوي في سيرة ومسيرة على موقعه الشخصي وفق متابعة “المركز الفلسطيني للإعلام” مبينا أنه منذ دخل المعهد الديني في طنطا 1940م وجد نفسه يسير مع الطلبة في 2 نوفمبر من كل عام؛ احتجاجًا على وعد «بلفور» وزير خارجية بريطانيا الذي وعد اليهود في العالم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

يقول: “عندما كنت في السنة الثالثة الابتدائية بدأت أشارك بإلقاء الخطب وإنشاد القصائد والمشاركة في قيادة المظاهرات اللاهبة والهتاف الصاخب بحياة فلسطين وسقوط الصهيونية.

جمع التبرعات لخدمة قضية فلسطين:
ومع تطور عمل الطلبة لخدمة قضية فلسطين بعد التحاق القرضاوي بجماعة الإخوان بدأت مرحلة جديدة ويوضح كيف كان الإخوان يجمعون السلاح من كل حدب وصوب لتسليح الفلسطينيين.

يقول: كان شراء هذه الأسلحة يحتاج إلى مال فكنا نذهب إلى المدن والقرى في مصر لنجمع التبرعات لمعونة فلسطين. وبعد ذلك فتح الإخوان باب التطوع لمن يريد الجهاد في فلسطين واستجاب الألوف لهذا النداء ولكن الإمام البنا رفض قبول طلاب المراحل الثانوية في التطوع.

ويتابع “لم نزل على وفائنا لقضية فلسطين التي نراها قضيتنا ونرى الدفاع عنها فريضة علينا”.

وقال: هذه نظرتنا إلى قضية فلسطين؛ إنها قضيتنا وليست قضية إخواننا ونحن نساعدهم! وهذه هي النظرة الإسلامية الصحيحة. وكم حاول بعض الذين لا يعلمون: أن يثنوا أعناقنا عن هذا الموقف ويقولون: إن أصحاب القضية لا يعتنون بها مثل عنايتكم وأنا أقول لهم: إنكم غالطون نحن أصحاب القضية ولسنا غرباء عنها أو دخلاء عليها.

وبقيت مواقف القرضاوي على مدي سنوات عمره من القضية الفلسطينية ونصرة الجهاد والمقاومة فيها ورفض مشاريع التسوية عاملاً مؤرقًا لأعداء الأمة وكثيرًا ما دفع ثمنا له على شكل هجمات غير منصفة من أعداء التيار الإسلامي وخصومه.

وفي هذا الإطار قال قائد حركة حماس في الخارج خالد مشعل: إن القضية الفلسطينية حازت خاصة على اهتمام كبير في حياة الشيخ القرضاوي وذلك في وقت مبكر من حياته حين زار فلسطين في شبابه ثم إلى غزة في شيخوخته وسخّر علمه ومكانته وعلاقاته الواسعة عربيًا وإسلاميًا في نصرة القضية الفلسطينية والحث على الجهاد والمقاومة ودعم المجاهدين والمرابطين والدفاع عن القدس والأقصى وقاد وترأس الكثير من الجهود والمؤسسات العاملة لها.

زيارة غزة

وفي مايو 2013 وصل القرضاوي في أول زيارة له إلى قطاع غزة منذ عام 1958 على رأس وفد يضم نحو خمسين من علماء المسلمين من 14 دولة وحظي الوفد باستقبال رسمي كبير من لفيف من كبار قادة حماس يتقدمهم إسماعيل هنية رئيس الحكومة في حينه داخل معبر رفح.

ووصفت حركة حماس في بيان صحافي هذه الزيارة بأنها “تاريخية”.

وقال القرضاوي في كلمة خلال مؤتمر صحافي عقده في المعبر: “أصبحنا في موسم جديد وعهد جديد للأمة نحن الآن في غزة التي لم أزرها منذ عام 1958 نريد أن نجدد العهد مع أبناء هذا البلد كلها أبناء فلسطين جميعا من أجل تحرير فلسطين كلنا نعمل من أجل تحرير كل فلسطين”.

وتابع “كل طموحنا أن نموت في سبيل الله وأن تحيا فلسطين نحن مع هذا الشعب الكريم الذي ضحى في كل ما خاض وانتصر إنني على يقين أننا سننتصر. ما كان أحد يظن أن تنتصر الشعوب وتطرد هؤلاء الطغاة الذين حكموها في مصر وتونس وستنتصر سوريا أيضا وسينتصر الإسلام”.

مواقف حازمة
وعرف القرضاوي بمواقفه الحازمة في دعم المقاومة في فلسطين وتجريم التسوية مع الاحتلال ومناهضة التطبيع. وخلال الحروب على غزة والاعتداءات على القدس والضفة كان صوتًا للحق ناصرًا وحاشدًا للدعم والنصرة بلا توقف.

ورحل ظهر اليوم الاثنين (26-9) رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ العلامة يوسف القرضاوي عن عمر يناهز 96 عامًا.

وأنشد القرضاوي العديد من القصائد لفلسطين منها ;قصيدة «نشيد العودة» يقول فيها:

أنا عائد أقسمت إني عائدُ والحقُّ يشهد لي ونِعْمَ الشاهدُ

ومعي القذيفة والكتاب الخالد ويقودني الإيمان نعم القائد

لغة الدِّما لغتي وليس سوى الدِّما أنا عن فنون القول أغلقت الفما

وتركت للرشاش أن يتكلما ليحيل أوكار العدو جهنما

نعي حماس وهنيةوفي بيان نعيه استذكر قائد حماس إسماعيل هنية “مواقفه تجاه فلسطين والقدس والأقصى ودعمه لحقوق شعبنا ونصرته بالكلمة الصادقة والمواقف والفتاوى والمؤلفات المتعددة وتأكيده بنفسه وبأعماله وماله أن دور العلماء هو قيادة الأمة وتحمل مسؤولياتهم الشرعية تجاه فلسطين ومقاومتها بل وزار فلسطين مرابطا وإماما وشيخا وعالماً وكاسراً لحصار غزة”.

أما حركة حماس فقالت: إن الإمام الراحل حمل خلال حياته الحافلة بالجهاد والتضحية والفكر والدَّعوة والتّربية لواء الدّفاع عن قضية فلسطين وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى في كلّ الميادين والمناسبات والمحافل واللقاءات والمؤتمرات وفي كلّ أصقاع الدنيا منافحاً ومناصراً وموجّها ومدافعاً عنها يحشد طاقات الأمَّة ويجمعها ويوجّهها بالقلم واللّسان بالفكر والبيان يبذل جهده وماله ووقته وفكره في دعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته

وفيما يلي محطات مضيئة من سيرة العلامة الراحل كما عرضتها الجزيرة نت.

محطات من سيرة عطرة
ولد يوسف عبد الله القرضاوي يوم 9 سبتمبر/أيلول 1926 في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية بمصر. مات والده وعمره عامان فتولى عمه تربيته فحفظ القرآن وأتقن أحكام تجويده وهو دون العاشرة.

الدراسة والتكوين
التحق بالأزهر وأتم دراسته الابتدائية والثانوية ثم دخل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ومنها نال الشهادة العالية عام 1953 وبعدها بعام حصل على إجازة التدريس من كلية اللغة العربية.

وفي عام 1958 حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب قبل أن يحصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين عام 1960 ثم نال شهادة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية نفسها عام 1973 وكان موضوع الرسالة “الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية”.

التوجه الفكري
هو من الشخصيات العلمية والفكرية البارزة في تاريخ حركة الإخوان المسلمين ويعد من أبرز دعاة الوسطية الإسلامية التي تجمع بين السلفية والتجديد وتمزج بين الفكر والحركة وتركز على فقه السنن وفقه المقاصد وفقه الأولويات وتوازن بين ثوابت الإسلام ومتغيرات العصر وتتمسك بكل قديم نافع وترحب بكل جديد صالح.

أثير حوله الكثير من الجدل فبعض آرائه الفقهية وفتاواه لا تلقى ترحيبا عند بعض العلماء؛ لأنه في نظرهم يقدم الرأي على الدليل الشرعي تماشيا مع ضغوط العصر الحديث لكن مناصريه يقولون إنه نجح في الوصول إلى آراء فقهية تستند إلى قواعد واضحة في أصول الفقه ومقاصد الشريعة.

الوظائف والمسؤوليات
عمل الدكتور القرضاوي في مصر مشرفا على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف ثم مشرفا على مطبوعات الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف كما التحق بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد قبل أن يعار إلى دولة قطر عميدا لمعهدها الديني الثانوي عام 1961.

أسس عام 1973 قسم الدراسات الإسلامية في كليتيْ التربية للبنين والبنات بجامعة قطر وفي عام 1977 تولى تأسيس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في الجامعة نفسها وظل عميدا لها منذ تأسيسها إلى نهاية العام الجامعي 1989-1990.

ابتعثته قطر التي حصل على جنسيتها إلى الجزائر خلال العام الدراسي 1990-1991 ليترأس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا ويعود بعدها إلى عمله في جامعة قطر مديرا لمركز بحوث السنة والسيرة.

ترأس مجلس إدارة جمعية البلاغ الثقافية في قطر المموِّلة لشبكة “إسلام أون لاين” حتى 23 مارس/آذار 2010 واختير لرئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ تأسيسه عام 2004 إلى العام 2018.

وكان القرضاوي أيضا عضوا في عدة مجامع ومؤسسات علمية ودعوية عربية وإسلامية وعالمية منها المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة ومنظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم ومركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد.

التجربة الدعوية
انتسب الشيخ القرضاوي إلى جماعة الإخوان المسلمين بمصر واعتقل عدة مرات لانتمائه إليها بداية من عام 1949 وهو لا يزال طالبا في المرحلة الثانوية ثم اعتقل في الحملة الأمنية الكبرى التي شنها نظام ثورة يوليو عام 1954 على الجماعة.

شكلت كتبه وآراؤه الفكرية وفتاواه الفقهية مرجعية موثوقة ومعينا ثرًّا لأبناء الصحوة الإسلامية منذ ستينيات القرن العشرين وصاغت ثقافة أجيال بأكملها من الطلبة خاصة والباحثين والدارسين عامة.

شارك طوال عقود في إنشاء الكثير من الهيئات والمؤسسات الإسلامية في المجالات العلمية والدعوية والخيرية والاقتصادية والإعلامية.

مُنع القرضاوي من دخول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بسبب تأييده للعمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية داخل “إسرائيل” ووصفها بأنها استشهادية.

وفي فبراير/شباط 2011 عاد لأول مرة إلى الإمامة والخطابة بمصر بعد 31 عاما من المنع حيث ألقى خطبة الجمعة في ميدان التحرير وسط القاهرة بعد أيام من سقوط نظام الرئيس حسني مبارك.

وصف الشيخ القرضاوي الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بأنها “منحة إلهية لتغيير مسار شعوبها” وأدان بشدة موقف الحكام في مواجهة الثائرين المسالمين بالرصاص والقتل.

اختير في 2008 ليحتل المرتبة الثالثة (الأول الداعية التركي فتح الله غولن والثاني الاقتصادي البنغالي الحاصل على جائزة نوبل 2006 محمد يونس) في قائمة عشرين شخصية فكرية هي الأكثر تأثيرا على مستوى العالم بناء على استطلاع دولي أجرته مجلتا “فورين بولسي” الأميركية و”بروسبكت” البريطانية.

كما جاء عام 2009 في المرتبة الـ38 ضمن خمسين شخصية مسلمة مؤثرة في كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية الإسلامية (مركز أبحاث رسمي في الأردن) يتضمن أكثر من خمسمئة شخصية مسلمة مؤثرة.

وفي يناير/كانون الآخِر 2012 أعلن مركز “القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد” التابع لكلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع إطلاقه “جائزة الشيخ يوسف القرضاوي العالمية للدراسات الإسلامية” وهي ذات فرعين: جائزة للعلماء الكبار وأخرى للعلماء الشباب.

ويهدف المركز من خلال هذه الجائزة إلى تكريم الشخصيات العلمية ذات التأثير في حركة الثقافة الإسلامية المعاصرة وفي مواجهة التحديات الفكرية والبحث عن حلول لقضايا المسلمين.

وفي 16 مايو/أيار 2015 صدر حكم قضائي بإحالة أوراق الشيخ القرضاوي -ونحو مئة آخرين منهم الرئيس المعزول محمد مرسي- على مفتي مصر فيما يعرف بقضية “الهروب من سجن وادي النطرون” أثناء ثورة 25 يناير/كانون الآخِر 2011 وهو القرار الذي وصفه الشيخ بأنه لا قيمة له ولا يستحق أن يُتَابع.

وردًّا على اتهامه بالتحريض على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك في أيام حكمه الأخيرة قال الشيخ للجزيرة -عقب صدور الحكم-: إن من حق الناس أن يثوروا على الظلم والباطل.

وكان النائب العام المصري هشام بركات وضع في سبتمبر/أيلول 2013 اسم القرضاوي على ما يسمى لوائح ترقب الوصول إثر بلاغات تزعم تحريضه على قتل جنود مصريين ومهاجمة شيخ الأزهر.

المؤلفات
ألف الشيخ القرضاوي مجموعة كبيرة من الكتب نافت على 170 كتابا تناولت مجالات عدة ضمت علوم القرآن والسنة والفقه والعقيدة والدعوة والفكر والتصوف والأدب (شعرا ومسرحا) منها:
•العقل والعلم في القرآن الكريم.
•الحلال والحرام في الإسلام.
•الاجتهاد في الشريعة الإسلامية.
•فقه الزكاة.
•فقه الجهاد.
•الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه.
•عالم وطاغية (مسرحية تاريخية).

الجوائز والأوسمة
حصل الشيخ القرضاوي على العديد من الجوائز منها:
•جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي لعام 1411هـ 1990م.
•جائزة الملك فيصل العالمية بالاشتراك مع سيد سابق في الدراسات الإسلامية لعام 1414هـ 1994م.
•جائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لعام 1996.
•جائزة السلطان حسن البلقية (سلطان بروناي) في الفقه الإسلامي لعام 1997.
•جائزة سلطان العويس في الإنجاز الثقافي والعلمي لسنة 1999.
•جائزة دبي للقرآن الكريم فرع شخصية العام الإسلامية 1421هـ.
•جائزة الدولة التقديرية للدراسات الإسلامية من دولة قطر لعام 2008.
•جائزة الهجرة النبوية لعام 1431هـ من حكومة ماليزيا.
•في 2010 منحه الأردن وسام الاستقلال من الدرجة الأولى.

المرض والوفاة
توفي الشيخ يوسف القرضاوي في العاصمة القطرية الدوحة ظهر الاثنين 26 سبتمبر/أيلول 2022 بعد معاناة طويلة مع مرض عضال ألزمه الفراش ومنعه عن كثير من الأنشطة العلمية والدعوية.
;

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات