الأحد 30/يونيو/2024

من ينتقد السلطان؟

طارق وليد النجار

في ذاكرتنا الجمعية الفلسطينية، ننظر إلى “إسرائيل” على أنها كيان غير شرعي قام على تشريد وقتل الشعب الفلسطيني، وبمساندة القوى الاستعمارية، ومهما بلغ هذا الكيان من القوة والجبروت لم ولن يستطيع تغير هذه القناعة، إلا أن أنظمة الدول التي طبّعت وتطبع مع هذا الكيان لا تنظر إليه من نفس منظور غالبية الشعب الفلسطيني، فكيف ينظر المطبّعون إلى “إسرائيل”؟

استطاعت “إسرائيل” نزع قلب العرب والمسلمين؛ أرض فلسطين، عبر سلسة هزائم ألحقتها بالجيوش العربية وما تلاها من إخراج العرب خارج الصراع بتوقيع اتفاقيات سلام لحفظ حدودها من الخارج، ثم توقيع اتفاقية أوسلو وإنشاء كيان فلسطيني يحمي مصالحها في الداخل؛  وأصبحت “إسرائيل” في أقل من خمسين عاما من عمرها؛ قوة عسكرية واقتصادية وعلمية كبيرة في المنطقة، بالإضافة إلى علاقاتها المتينة بالقوة المهيمنة على الساحة الدولية؛ الولايات المتحدة الأمريكية؛ فـ”إسرائيل” التي يراها الفلسطيني المقاوم شر محض، فإن المطبعين يرونها بوابة للاستقرار الأمني والاقتصادي والبوابة الوحيدة للرضى الأمريكي.

ترى الأنظمة العربية وخاصة في مصر والأردن والدول الخليجية المطبعة حديثا مع “إسرائيل” أن علاقتها بـ”إسرائيل” تحميها من شعوبها وتثبت أركان حكمها في المنطقة، مع بعض الفوائد الاقتصادية؛ والتي لم تحدث فارقا تنمويا في هذه الدول، فمصر والأردن والسودان والمغرب لم يتحسن حالهم الاقتصادي بإقامة علاقات مع “إسرائيل”، وذلك يدلل أن هذه العلاقات وما ينتج عنها من مساعدات اقتصادية تأتي في سياق تثبيت الحكم واضطهاد الشعوب وحرف البوصلة عن فلسطين.

تطبيع منظمة التحرير مع “إسرائيل” يختلف عن تطبيع الأنظمة الحاكمة في المنطقة، فتطبيع المنظمة قسّم الشعب الفلسطيني وجعل المنظمة بما تمتلكه من تمثيل رسمي؛ كيانٌ ملحق بالاحتلال وتجمعه بها علاقة مصيرية، وقزّمت نضاله ومناضليه، بل وكانت بابا كبيرا لتسويق المحتل عالميا عبر توقيع سلسلة الاتفاقيات السياسية والأمنية، وامتناعها عن ملاحقته دوليا.

أما السياسة التركية تجاه “إسرائيل” والتي كان آخرها زيارة رئيس الأخيرة لتركيا واستقباله بحفاوة كبيرة، هذه الزيارة التي لاقت انتقادا وسخرية كبيرين داخل أوساط الفلسطينيين، فأنصار نهج المقاومة استنكروا هذه الزيارة وإن كان استنكارهم استنكار الخجول حفاظا للود من منطلق أن هذه الزيارة تجمل وجه المحتل القبيح، أما أنصار نهج التنسيق فقد وجدوا في هذه الزيارة مادة للسخرية من أنصار ومحبي أردوغان في فلسطين باعتبار أنهم راهنوا على رجل تنكر لهم واستقبل عدوهم، مع أن أردوغان كغيره من القادة، يسعى لمصالحه ولا يترك أي باب فيه مصلحة له إلا وطرقه وهذه عادة الساسة، فهل نفض الرجل يديه من مناصرة القضية الفلسطينية؟

لا أعتقد أن أي من الأطراف التي طبعت مع الاحتلال قد نفضت يدها من القضية الفلسطينية أو أدارت لها ظهرها؛ ولكن هذه الأطراف باتت ترى القضية على أنها وسيلة لتحقيق أهدافها، فهذه الأطراف وخاصة مصر تركيا بما تمثلاه من ثقل إقليمي لا يساهما بالشكل الذي يمكّن الفلسطينيون من استرداد حقوقهم، فمصر التي تدعي أن فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى؛ قد وضعتها برمتها  ملفا من ملفات المخابرات المصرية، أي أنها تنظر للقضية من البعد الأمني فقد، وليس التاريخي أو العروبي، أما تركيا فأعتقد أنها قد وضعت القضية كمقوم من مقومات خدمة قوتها الناعمة التي تحسن سمعتها ومكانتها، وأتمنى أن أكون مخطأ، لكن لماذا نشعر كفلسطينيين بالتقصير التركي والعربي تجاه فلسطين؟

أوضحت الحرب في كاراباخ وليبيا قدرة تركيا على التدخل العسكري لحماية حلفائها، وكذلك أثبتت مصر قدرتها على الوقوف سدا منيعا لحماية حلفائها في ليبيا، وفي الحالتين تتجلى المصالح الاقتصادية، وهي الغير متوفرة لدى الفلسطينيين في الوقت الحالي، فما العمل لتعويض ذلك؟

قوتنا تكمن ثوريتنا، وذلك بتخلينا عن شعارات الدولة الكاذبة؛ فنحن لسنا دولة ولا ينبغي أن نخاطب الآخرين بهذه الصفة، فالثورة لها خطاب ونهج يقدم مصلحة الثورة على كل المصالح، ويستفيد من محبي فلسطين لخدمة الثورة ويفضح أدعياء المحبة، فماذا يستفيد الثائر الشهيد الذي قصفته الطائرات الحربية من الدواء والشوكولاتة التركية التي تقدم لغزة، في حين أن ثائر أخر في أذربيجان قاوم المحتل وحرر أرضه بالسلاح والدعم التركي.

أخيرا، استبشر الكثيرون خيرا بأردوغان بما حققه من نهضة اقتصادية، لكن هذا التصدي لم نلمسه واقعا في فلسطين المحتلة مقارنة بغيرنا في التدخلات التركية في المنطقة، وهذا عتبنا وعشمنا، لكن الغريب أن يتنقد أردوغان بعض الشباب الفلسطيني من أنصار الحريص (عباس) على حياة ومستقبل الشباب “الإسرائيلي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات