الجمعة 27/سبتمبر/2024

الفلتان الأمني.. هدف الاحتلال والسلطة المشترك لإشغال الداخل والضفة

الفلتان الأمني.. هدف الاحتلال والسلطة المشترك لإشغال الداخل والضفة

تشترك السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الصهيوني في أهدافها الخفية من الفلتان الأمني المنتشر في مدن الضفة الغربية والداخل المحتل، والذي يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى استفادة السلطة والاحتلال من تغذية الحقد والكراهية والثارات بين العائلات دون أدنى اهتمام أو إحاطة بخلفيات الأحداث ومتابعتها مجرياتها.

وشهدت الآونة الأخيرة تصاعداً لأعمال الفلتان الأمني والعنف والصراعات العائلية في عدة مناطق في الضفة الغربية، خاصة في مدينة الخليل، ما سبب حالة من الفوضى والقلق العام لدى الفلسطينيين، وبات الأمر يؤثر سلباً على حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية.

يشير مراقبون ومحللون إلى أنّ ما يجرى من أحداث في تلك المدن التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، تدلل أنّ الأخيرة مستفيدة جدا من حالة الفوضى التي تعم المدن والتي تشغل الرأي العام عن ممارسات السلطة في ملاحقة المواطنين واعتقالهم واغتيالهم أيضاً كما جرى في حادثة اغتيال نزار بنات.

وهو ما يرى المراقبون أنّه ذات الهدف الذي يشترك فيه الاحتلال مع السلطة، بصمته عن جرائم القتل وانتشار السلاح، وتعاظم أعمال المافيات في مدن الداخل الفلسطيني المحتل؛ بهدف إشغال الداخل المحتل عما يرتكب من جرائم قتل، واعتقال، وهدم وسرقة البيوت والأراضي والممتلكات الفلسطينية.

مرتبط بالسلطة

تقول الكاتبة الصحفية لمى خاطر: إنّ الخلفية التاريخية للفلتان الأمني مرتبطة بوجود السلطة؛ حيث أول سلاح ظهر للفلتان وترويع الناس كان سلاح تنظيم فتح وأفرادها العاملين في الأجهزة الأمنية، مبينةً أنّه كان يستخدم لاستعراض القوة وإطلاق النار في المناسبات المختلفة.

وتضيف خاطر في حديثها لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ “السلاح أصبح فيما بعد نوعا من أنواع تعزيز مراكز القوة؛ حيث بدأ على المستوى الداخلي بين أقطاب فتح، وباتت كل مجموعة مسلحة محسوبة على الشخص الفلاني، والجهاز الأمني الفلاني، وعقب ضعف الرابطة التنظيمية انسحب الفلتان للخارج ليصل إلى العائلية والعشائرية”.

وبينت أنّ التكتل الأكبر أصبح تكتلا عائليا أو مناطقيا، مثل ما يجرى في بعض المخيمات من سلاح الاستعراض، وهو ما بسببه حدثت جرائم قتل بهذا السلاح، ولم يعاقب الجناة في أكثر من منطقة الضفة الغربية.

توقيت الفلتان

وتوضح الكاتبة خاطر أنّ التوقيت لعودة الفلتان محسوب، حيث ترافق مع توقيت التظاهرات التي كانت تندد باغتيال نزار بنات، حيث تم تحريض أبناء العائلات المتناحرة من عناصر محسوبة على الأجهزة الأمنية وحركة فتح، ليتجدد الاقتتال مرة أخرى بعد أن كان هناك صلح كبير بينهم امتد لسنوات، لتعم الفوضى من جديد.

وتقول الكاتبة الصحفية: “ما يجرى هو استغلال لحالة الفوضى، الذي كان هدفه بالأساس إلهاء الناس بالنزعات العشائرية وزيادة الأحقاد”، لتؤكّد أنّ الأجهزة الأمنية غير معنية بحل هذه المشاكل العائلية وفكفكتها، ولا تسعى إلى حسم الأزمة بمصادرة السلاح، أو اعتقال المجموعات المسلحة، فهذا غير موجود في حساباتها.

وتشير خاطر إلى أنّ ما يجرى يدلل أنّ السلطة مستفيدة من استمرار حالة الفلتان، فبالتالي معالجتها لهذه الخلافات والنزاعات هو علاج شكلي وليس جذريًّا.

تشتيت الرأي العام

يدرك الاحتلال الصهيوني أنّ الضفة الغربية والداخل المحتل هي ساحات المواجهة الأساسية والحساسة القادمة، ويدرك أن اشتعال هذه المناطق سيجعل مشروعه في خطر مباشر -وفق الكاتبة خاطر- أكثر من التهديد الذي يصله من جبهة غزة، وتقول: “وجدوا أكثر شيء ممكن أن ينشغل به الناس هو عامل القتل والدماء الداخلية بين العائلات وإثارة النزعات والنعرات العشائرية وبثّ الكراهية بين العائلات المتنازعة، وهذا يدلل أنّ الأمر منظم”.

وتشير إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لسنة 2020، إلى أن نسبة جرائم القتل والشروع في القتل في مناطق السلطة الفلسطينية تصل إلى 10.5 لكل 100 ألف من السكان، وهي نسبة تعد عالية مقارنة بالمعدل العالمي الذي يصل إلى 6.1 لكل 100 ألف من السكان.

غياب العدالة وضعف السلطة

يعزو الحقوقي الفلسطيني غاندي الربعي، أسباب الفلتان إلى ضعف السلطة الحاكمة في فرض القانون وتطبيقه، وغياب العدالة، وفقدان المواطن الفلسطيني ثقته في الحصول على حقوقه بالطرق السلمية، الأمر الذي يدفع إلى مزيد من الفلتان والاقتتال الداخلي.

ويشير الربعي لمراسلنا: هناك نمو للعشائرية على حساب الانتماء الوطني؛ بتحلل فكرة المواطنة، وبات الانتماء الأكبر للعائلة في إطار ضعف الدولة وسيطرة الاحتلال على كل مفاصل حياة الفلسطيني.

ويقول: “عدم ثقة المواطن في السلطة الحاكمة، سيما وأنه يرى الاحتلال يعتقل ويقتل كيفما يشاء ووقتما يشاء، يدفع المواطن للتفكير في حماية ذاته من خلال امتلاك السلاح وأخذ الحق باليد”.

ويبيّن الحقوقي الفلسطيني أن معالجة الفلتان تكمن بتوفر قواعد واضحة للعدالة تطبق على الجميع، وألا يشعر المواطن من خلالها بالتمييز في تطبيق العدالة، وكذا احترام القانون دون استثناء، وأن يكون هناك مشاركة حقيقية في صنع القرار.

ودعا إلى ضرورة العمل على تنظيم استخدام السلاح وملاحقة المسلحين الذين ينفذون أعمال قتل وتخريب وترهيب، ومحاسبتهم وفق القانون.

دعم الفوضى

وكان مركز رؤية للتنمية السياسية، قد نشر مؤخراً دراسة مطولة للباحث أشرف بدر، تتحدث عن أسباب الفلتان الأمني في مدن الضفة، كان أبرزها دعم الاحتلال للفلتان الأمني مباشرة أو غير مباشرة؛ حينما يتعامى عن انتشار السلاح عندما يتعلق الأمر بالعشائر أو الجريمة، ولا يلاحق مثل هذا النوع من السلاح ما يشير لدعم الفوضى.

وتشير الدراسة إلى ما أشار إليه الحقوقي الربعي؛ أنّ ضعف منظومة العدالة ساهمت عوامل عدة فيه؛ مثل تغول السلطة التنفيذية، وطول أمد التقاضي، والركون للقانون العشائري، وغياب منظومة الرقابة بتعطيل المجلس التشريعي من رئيس السلطة محمود عباس منذ عام 2007.

ويوضح الباحث الفلسطيني أنّه “دون العمل على إنهاء الانقسام، والتوافق على مشروع وطني جامع، ودون إعادة انتخاب المجلس التشريعي لضمان وجود سلطة رقابية، ودون إصلاح الأجهزة الأمنية بما يضمن التزامها بالقانون، وبعيداً عن المحسوبية والحزبية، ودون إعادة تشكيل المنظومة القضائية بما يضمن استقلاليتها، وإبعاد سيطرة السلطة التنفيذية عنها، سيصبح من الصعب وقف حالة التدهور في المستوى الأمني بمناطق السلطة الفلسطينية”.

وكانت مراكز حقوقية دانت الأحداث المؤسفة في الخليل؛ حيث عبّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن قلقه من تنامي مظاهر العنف المجتمعي، بما في ذلك استخدام الأسلحة النارية خلال الشجارات العائلية والشخصية في الآونة الأخيرة، والاعتداء على سيادة القانون، ما يهدد السلم الأهلي والمجتمعي.

وطالب الأجهزة المختصة بملاحقة المسؤولين عن هذه الحوادث، وتوفير الحماية للمواطنين، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان سلامتهم، وإجراء كل ما يلزم لمنع مثل هذه الحوادث، والوصول لحالة السلم الأهلي وسيادة القانون. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات