الخليل تئن تحت نار الفلتان الأمني.. والسلطة غائبة!

مدينة خليل الرحمن، التي طالما لم ينم فيها جائع، اليوم لا ينام فيها الأهالي بأمان، على وقع فلتان أمني يقض مضاجع الآمنين.

وتجدد شجار بين عائلتين بالخليل خلال الأيام الماضية، على خلفية ثأر عائلي قديم، ونتج عنه اشتباكات مسلحة بالأسلحة النارية والرشاشة وفي عدة محاور من المدينة، قبل أن تنجح العشائر بأخذ “هدنة” لشهرٍ بين العائلتين. 

تقاعس السلطة

ويعرب مواطنون عن سخطهم إزاء ما وصلت إليه الخليل من فقدان للأمن الشخصي، لافتين إلى أنها باتت تخلو من زوار المدن الفلسطينية الأخرى، وهو ما ضرب الحركة الشرائية، وعطل الحركة الاقتصادية في المدينة أيضا. 

وقال المواطنون: إن الوضع في المدينة “بات مخزيا”، والكثير منهم صاروا قلقين على حياتهم وحياة أطفالهم ونسائهم. 

ونبهوا إلى أن الكثير من الممتلكات أُحرقت أو عُطّلت جراء إطلاق النار، بعضها لمواطنين ليس لهم علاقة بالمشكلة العائلية. 

واتهموا السلطة وأجهزتها الأمنية بالتقاعس عن فرض القانون وملاحقة مثيري الفلتان الأمني، حيث تدرك جيدا هويات مطلقي النار ومفتعلي المشكلات. 
 
ضرر خطير

وقالت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان “ديوان المظالم”: إن الأحداث المؤسفة التي تأتي في سياقات اجتماعية متأصلة، حول قيم الثأر والفعل ورد الفعل، يجب أن تنتهي؛ لما لها من ضرر خطير على النسيج الاجتماعي وحالة السلم الأهلي في الخليل، وفي عموم فلسطين. 

وأضافت الهيئة المستقلة، في بيان صحفي، أن هذه الأحداث تطول حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية وممتلكاتهم، وتمثل تنكرًا لمبادئ سيادة القانون وشرعنة للعقوبات الجماعية من خلال أخذ القانون باليد.

دور غائب

الكاتب والمحلل السياسي محمد شاهين، قال: إن تجدد الفلتان الأمني لا سيما في الخليل، وإحراق المحلات وإطلاق النار على المنازل، يدخل في إطار غياب دور أمن السلطة عن ضبط الحالة الأمنية، ويأتي ذلك في إطار غياب عقيدة أمنية وطنية.

وأضاف في حديث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن غياب السلطة وتقاعسها في مواجهة سلاح الفلتان، يؤكد أن هناك حسابات أخرى لهذه الأجهزة في إطار الحديث عن صراعات أجنحة القوى في مرحلة ما بعد محمود عباس.

وأشار شاهين إلى أن ما يحدث اليوم قد يكون حوارًا بين هذه التيارات بالنار لحسم من هو الأقوى من خلال ارتباطات هذه الأجهزة ببعض العائلات وصراعات بالوكالة عن هذه التيارات.
 
وأوضح أن ما يعزز ذلك، هو أننا نجد أجهزة السلطة تحضر في ملاحقة أي مقاوم، أو منتقد للسلطة ومسوؤليها، مطالبا أن يكون للقوى الوطنية والإسلامية دور في إيقاف سيل الدم ونار الفلتان في الضفة.

أرضية متردية

أما الكاتب والباحث السياسي أحمد قنيطة، فقد قال إن السلطة برام الله تتحمل مسؤولية تنامي منحنى الانفلات الأمني وتصاعد المشاكل العائلية، في ظل غياب تام لسيادة القانون وتراجع هيبة رجل الأمن لأسباب سياسية وقانونية.

وأضاف في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنه من ناحية سياسية بات مستقراً في الوعي الجمعي الفلسطيني أن أجهزة أمن السلطة تقوم بأداء أدوار وظيفية لخدمة الاحتلال وحماية أمن مستوطنيه من عمليات المقاومة العسكرية وحتى قمع الفعاليات الشعبية. 

ومن ناحية قانونية يجد المواطن الفلسطيني أن أجهزة أمن السلطة التي يُناط بها حماية القانون وحفظ الأمن العام هي أول من ينتهك القانون، ويستبدله بشريعة الغاب من خلال ممارسة عمليات العربدة، والخطف والقتل خارج إطار القانون.

واستذكر حادثة اغتيال المعارض السياسي نزار بنات وما جرى من قتله بدم بارد في حين أن القتلة ينعمون بحماية أمن السلطة دون تقديمهم للعدالة.

وقال قنيطة: “هذه الحالة المترديّة باتت تشكل أرضية خصبة لانتشار الجريمة وأخذ القانون باليد إثر غياب دور الأجهزة الأمنية المنشغلة بملاحقة المقاومين وقمع المعارضين السياسيين وكل من ينادي بالإصلاح السياسي وترتيب البيت الداخلي لمواجهة الاحتلال صفاً واحداً، ولن يتغير هذا الحال ما لم تغيّر أجهزة أمن السلطة عقيدتها الأمنية لتنسجم مع الأهداف الوطنية”.