الجمعة 27/سبتمبر/2024

المدافعون عن حقوق الإنسان.. ملاحقة مزدوجة من الاحتلال والسلطة

المدافعون عن حقوق الإنسان.. ملاحقة مزدوجة من الاحتلال والسلطة

بيّن استهداف الاحتلال، وملاحقة السلطة الفلسطينية، أنّ منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والمدافعين عن حقوق الإنسان، يواجهون حربًا مزدوجة لا تكاد تتوقف، بهدف تقويض دورها ونشاطها.

فبعد أيام من إصدار قائد جيش الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة أمراً عسكرياً (في 7-11) يقضي بعدِّ 6 مؤسسات فلسطينية بأنها “منظمات غير مشروعة”، جاء قرار السلطة في رام الله بملاحقة مؤسسة “محامون من أجل العدالة” وتقديم مديرها المحامي مهند كراجة للمحاكمة.

ويمنح الأمر الجديد جيش الاحتلال تصريحاً بالهجوم على المؤسسات، واتخاذ إجراءات عقابية ضدها من إغلاق مقارها وسلب وتجفيف مواردها، وملاحقة العاملين/ات فيها.

وجاء الأمر العسكري الصهيوني بعد أن أصدر وزير حرب الاحتلال في 19 أكتوبر الماضي قراراً يصنّف (6) من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني على أنها “منظمات إرهابية” وفقاً للقانون الداخلي الإسرائيلي “قانون مكافحة الإرهاب” الصادر عام 2016.

المؤسسات المستهدقة
والمؤسسات المستهدفة هي: مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين، ومؤسسة الحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء.

وبموازاة هذا الاستهداف الصهيوني، مثل المحامي مهند كراجة، الأربعاء الماضي، أمام النيابة في رام الله؛ بدعوى شكوى قدمها جهاز المخابرات العامة الفلسطيني ضده، للتحقيق حول تهمتي “الافتراء وإثارة النعرات العنصرية”، لينجلي المشهد على حرب مزدوجة تستهدف منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان.


المحامي مهند كراجة بعد الاعتداء عليه سابقا من عناصر فتح

وسبق أن تعرض كراجة للاعتداء من أجهزة السلطة خلال عمله الميداني في توثيق انتهاكاتها، فضلا عن تعرضه وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان للملاحقة الأمنية وحملات التحريض والتشويه.

وفي 8 نوفمبر الجاري، كشفت مؤسسة “فرونت لاين ديفندرز” الإيرلندية عن وجود حملة ممنهجة وسريّة من برامج التجسس والمراقبة التي تهدف إلى اختراق أجهزة مدافعين/ات عن حقوق الإنسان فلسطينيين/ات ومحامين.

وأوضحت مؤسسة الحق في بيان لها، أنها تواصلت في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، مع مؤسسة “فرونت لاين ديفندرز” بخصوص اشتباهها بعملية تجسس على أحد أجهزة “الآيفون” لأحد موظفيها. وعليه، فقد توصلت التحقيقات التقنية التي أجرتها “فرونت لاين ديفندرز” إلى أن الجهاز المشتبه به قد تعرض لفايروس “بيغاسوس” التجسسي منذ يوليو/تموز 2021، الذي تروّج له مجموعة أن أس أو (NSO) الإسرائيلية.

وبينت مؤسسة الحق أن تحقيقات قضائية أخرى، راجعها مختبر سيتيزن لاب (Citizen Lab) والمختبر الأمني لمنظمة العفو الدولية، كشفت أنه من بين 75 جهاز آيفون يمتلكها عدد من المدافعين/ات عن حقوق الإنسان وموظفي/ات منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، فإنه يوجد خمسة أجهزة إضافية على الأقل قد اخترقت، منها أجهزة “غسان حلايقة”، الباحث الميداني في القدس، ويعمل في مؤسسة الحق، و”أُبيّ العابودي” المدير التنفيذي لمركز بيسان للبحوث والإنماء؛ و”صلاح الحموري”، محامٍ ومدافع عن حقوق الإنسان.


ووفق متابعين؛ فإنه بموازاة الاختراق الإسرائيلي لهواتف المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين، فإن أجهزة السلطة اخترقت بدورها حسابات وأجهزة صحفيين وحقوقيين وناشطين، عدة مرات، وبرز ذلك خلال قضية اغتيال المعارض السياسي نزار بنات.

أسوأ صور الإرهاب
الكاتب والمحلل السياسي ناجي الظاظا رأى أن ملاحقة الاحتلال للمؤسسات الحقوقية التي ترصد حقوق الإنسان سلوكٌ يعكس تطرف وإرهاب حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” التي لا تريد للحقيقة أن تظهر للعالم، مشددًا على أن هذه الحكومة تعكس أسوأ صور الإرهاب “الإسرائيلي”.

وأشار الظاظا في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن حكومة الاحتلال تريد أن تفرض حقائق على الأرض، موضحاً أن هذه المؤسسات تعمل منذ عشرات السنين في الأراضي الفلسطينية، ولها ارتباطات مع مؤسسات حقوقية دولية، وتتمتع بالنزاهة والشفافية ضمن مسار طويل من ملف العمل المالي والإداري.

 

وأفاد أن الاحتلال يمارس الإرهاب ضد هذه المؤسسات؛ لأنها فلسطينية وتعمل بشفافية، ولديها أدلة واضحة بالصوت والصورة والأرقام والوثائق على انتهاكات الاحتلال ضد الأرض الفلسطينية والمنشآت الفلسطينية التي يتعمد الاحتلال سلبها لمصلحة المستوطنين ومؤسساته الصهيونية.

وأكد أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية هي مؤسسات وطنية ذات بعد مهني ومشهود لها لدى كل المؤسسات الدولية التي تقدم لها الدعم منذ عشرات السنين.

دور سلطويّ مشابه
وفيما يتعلق بملاحقة السلطة الفلسطينية للحقوقيين والمؤسسات الحقوقية على غرار الاحتلال قال الظاظا: “من المؤسف أن تقوم السلطة الفلسطينية بالدور ذاته الذي ينفذه الاحتلال”.

وأضاف: “السلطة لديها سلوك مشهود له بعدم النزاهة بالتعامل مع المؤسسات الفلسطينية سواء الإعلامية أو الحقوقية، وشهدنا خلال حراكات الضفة المتعددة الاعتداء على صحفيين ووسائل إعلام سواء على الكاميرا أو الجوال الذي يرصد انتهاكاتها”.

وتابع: “السلطة تريد أن تشيع جواً من الإرهاب في الضفة الغربية، وبالتالي لا تريد لهذا السلوك أن يقاوم أو يظهر للعلن”.

ورأى أن السلطة الفلسطينية وضعت حقوق الإنسان والحريات في آخر 15 دولة في العالم؛ لأنها لا تمارس وسائل الديمقراطية وأدناها حرية الإنسان في التعبير.

وتساءل الظاظا: “لماذا يعتقل صحفي أو حقوقي يرصد ما يجرى في الشارع؟! خاصة أن ذلك يعزز حكم الديمقراطية حال أرادت السلطة ذلك”.

وشدد على أن هناك سلوكًا عدوانيًّا مزدوجًا تجاه المواطن الفلسطيني من السلطة والاحتلال.

وقال: “لا نزال نشهد تداعيات اغتيال أجهزة السلطة الناشط الحقوقي نزار بنات وما تبعه من سلوك عدواني ضد كل من يتضامن مع قضيته أو أي شخص يدعو إلى توسيع هوامش الحرية أو على الأقل فتح هوامش للحرية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية”.

ونبه إلى وجود تماهٍ واضح من السلطة مع إجراءات الاحتلال بما يتعلق بملاحقة المؤسسات الحقوقية والحقوقيين، مشيراً إلى أن قيام السلطة بالدور ذاته يعزز نظرة لدى المجتمع الدولي أن لديهم مشكلة ما، خاصة أن هذه المؤسسات مشهود لها منذ عشرات السنين في البعد الصحي والإغاثي والاجتماعي.

تقاسم وظيفيّ مع الاحتلال
ويذهب الكاتب والمحلل السياسي محمود العجرمي إلى أن جوهر أداء السلطة ودورها هو التقاسم الوظيفي مع الاحتلال، وبالتالي فهي تقاوم “أي مواقف تناقض هذه السياسة في مرجعيتها المتمثلة باتفاق أوسلو الذي تقدم من خلاله الخدمات الأمنية لهذا الاحتلال”.

وهناك وحدة في العمل ما بين أجهزة أمن السلطة والاحتلال، حسب تأكيد العجرمي في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، وبالتالي ليس جديداً على هذه السلطة ملاحقة واعتقال وقتل كل من يعارض هذه السياسة غير الوطنية، وفق قوله.

وبيّن أن نموذج الحقوقي مهند كراجة واحد من نماذج عديدة تعرضت للتنكيل والسجن بسبب هذه المواقف، مشيراً أن الجميع يتابع من كثب ما يجرى في الضفة المحتلة في مواجهة الحقوقيين والمحامين ومؤسسات المجتمع المدني وأيضاً الصحفيين.

وقال: “السلطة تواجه مآزق متواصلة سواء في علاقتها مع الاحتلال نفسه الذي قدمت له كل ما لديها حتى لم يبقَ لديها ما تقدمه”، مشيراً أن ما لم تقدمه السلطة بات الاحتلال ينفذه بنفسه دون أي رادع

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات