الجمعة 02/مايو/2025

إلى الخلودِ (خالدًا) يا أبا أسامة!

 عزالدين العمري

ما أصعبَ رثاءَ العظماءِ! تقفُ الكلماتُ حائرةً أمامَ الأحرارِ، أولئكَ الذين يسطرونَ ملحمةً ثائرةً عصيةً في وجهِ الظالمين الفاسدين، في زمنِ القهرِ والتقهقرِ والاجتثاثِ. لا يهابون، ولا يلتفتون إلى الصعابِ، حتى لو بلغت حدَّ الرقابِ!

رحمكَ الله يا أبا أسامةَ، ورحمَ الأحرارَ الذي سبقوكَ على هذا الدربِ؛ دربِ الخلودِ، والعطاءِ بلا مقابلٍ وبلا كللٍ أو خوفٍ أو ملل، دربِ الفكرةِ والبذرةِ الصادقةِ النقيةِ التي لا تموت، دربِ السبّاقين إلى ساحاتِ المواجهةِ والنصرة، الرجالِ المتعالين على مصالحِهم الشخصيةِ في سبيلِ دعوتِهم ووطنِهم وحريتِهم. الذين يلفظونَ المناصبَ والرتبَ، ويسلكون طريقَ ذاتِ الشوكةِ في زمنِ الخوفِ والاستكانةِ وندرةِ السالكين.  أنفاسُهم ترعبُ الطغاةَ وتزرعُ أملًا في قلوبِ المظلومين.

إنّ القلبَ لَيحزنُ، وإنّ العينَ لَتدمعُ، وإن الوطنَ وأحرارَه محزونون على فراقِك يا أبا أسامة. والعزاءُ أنه عزَّ وجلّ اختاركَ للرفيقِ الأعلى لتلتحقَ بركبِ الشهداءِ والعظماءِ الذي سبقوك. آن أوانُ الخلودِ يا أبا أسامةَ.. الراحةُ الأبديةُ التي ينتظرُها العظماءُ بعد رحلةٍ “جبليةٍ صعبة”، معبقةٍ برائحةِ البلادِ وبارودِها ودمائِها وطهرِ عدالةِ قضيتِها. هو الحزنُ العميقُ على الفراقِ لكنّه ممتزجٌ بالبشرى ووعدِ الآخرة. وعدِ اللهِ لرجالِه وأوليائِه في الأرض.

اليومَ تعودُ بنا الذاكرةُ يا أبا أسامةَ إلى نيسانَ 2002، إلى الملحمةِ في مخيمِ جنينَ. إلى أزقتِها التي ضاقت على المحتلِّ وأعوانِه، وتحصّنَ بها أحرارُ البلادِ في مواجهةِ أعتى ترسانةٍ عسكريةٍ في العالم. ها أنت تعودُ إلى أرضِ المعركةِ شهيدًا بإذنِ الله يا أبا أسامةَ. تعودُ إلى حِضنِ الأرضِ التي أحببتَها وقاتلتَ من أجلِ حريتِها وكرامتِها.

(.. فلا نامت أعينُ الجبناءِ). نتذكركَ في كلِّ لحظاتِ الجزعِ والخوفِ. كم كنتَ مقاومًا عنيدًا صُلبًا، وكم استندْنا إليكَ وعليكَ وفي ظلِّك. فلا سنواتُ الاعتقالِ التي ربما تجاوزت أربعةَ عشرَ عامًا أقعدتك. ولا عشراتُ الاعتداءاتِ الآثمةِ، ولا محاولاتُ الاغتيالِ أرهبتْك. بل زادت من عزيمتِك وقوتِك، وبقِيت شعلةً ومنارةً لنا في هذا الطريق.

رحمك الله، وأبدلك دارًا خيرًا من دارِك، وأهلًا خيرًا من أهلِك في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ. لقد اخترتَ الرباطَ على أرضِك وفي وطنِك وبين أهلِك وشعبِك. ولم تغْرِكَ “أرضُ الأحلام” حين أتممْتَ شهادةَ البكالوريوس في الهندسةِ المدنيةِ بجامعةِ ديترويت في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ عام 1984.
 
رحابُ الوطن، تاريخُ الوطن، نضالُنا من أجلِ الحرية، سيختارُك “خالدًا” في صفحاتِه.. كما اختار “سيدي عمر” البرغوثي والرجال الرجال. أولئك هم النموذجُ الأمثلُ للتضحيةِ والعطاءِ بأشملِ صورِها، وللقادةِ الذين يحملون همَّ الوطن، ويتقدمون الصفوفَ وقتَ المغارمِ لا المغانم!

أخانا أبا أسامةَ: لا يسعُنا أن نقولَ إلا كما قالت أختُ (خالد) رضي الله عنه، وهو يوارَى الثرى.

إنّا للهِ وإنا إليهِ راجعون!

أنتَ خيرٌ من ألفِ ألفٍ من القومِ إذا ما كُبَّت وجوهُ الرجالِ
ومُهِينُ النفسِ العزيزةِ للذكْــرِ إذا ما التقت صدور العوالي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...