بيغاسوس جاسوس إسرائيلي.. يلاحق المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان

على غير العادة، تتعدد مصادر المعلومات والأدلة في فضيحة برنامج “بيغاسوس” التجسسي التي تشير إلى تورط الاحتلال الإسرائيلي، وبداية الخيط لتلك الفضيحة كانت بعد حصول منظمة “فوربيدن ستوريز” ومنظمة العفو الدولية على كشف يتكون من 50 ألف شخص، وضعوا على قائمة الاستهداف التجسسي عبر البرنامج الإسرائيلي “بيغاسوس”، حيث أكدت 17 وسيلة إعلامية صحة الخبر، عبر تحقيقات استقصائية قامت بها، ومن بينها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، و”لوموند” الفرنسية، و”الغارديان” البريطانية.
الاستخبارات الإسرائيلية -عادة – تنفذ جرائمها، دون ترك ما يشير إلى هوية المنفذين، وتُبقى المعلومات حول حقيقة ما جرى في الدوائر الإسرائيلية الرسمية فقط، وتنكر علاقتها بالحادثة بشكل كامل، ثم تلتزم الصمت وعدم التعاون مع أي أسئلة أو استفسارات.
وعلى الرغم من استخدام هذا البرنامج لتقنية “زيرو كليك”، والذي يعمل على اختراق الهواتف –الآبل أو الأندرويد على حد سواء- دون حاجة إذن أو موافقة من المستهدف، إلا أنه يمكن تتبع مصدر مشغّل البرنامج عن طريق مختبرات تقنية متخصصة في مراقبة الإنترنت، مثل مختبر “ستيزن لاب” الكندي، والذي لجأت إليه قناة الجزيرة للكشف عن هوية الجهة التي اخترقت هواتف العاملين في برنامج “ما خفي أعظم” الذي ناقش موضوع هذا البرنامج، وأشارت النتائج إلى دولة الإمارات.
سنستعرض هنا، ما تداولته العديد من مصادر الإعلام الدولية، أن الاحتلال وشركة “NSO”” صاحبة البرنامج ينكران تلك المعلومات، ويحاولان تبسيط القضية، ووضعها في سياق سوء استخدام بعض عملاء شركة NSO”” للبرنامج، على الرغم أن معظم عملاء الـ “NSO”” من الأنظمة العربية والتي تشتهر بسمعة سوداء في سجل حقوق الإنسان، حيث كشف مختبر “سيتزن لاب” الكندي المختص بمراقبة الإنترنت، بن من بين زبائن الشركة حكومات الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية.
ويسمح البرنامج بالوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال والاستماع إلى المحادثات عبر الهاتف المخترق، وحذف وإضافة ملفات، وهو ما حدث مع الناشط الحقوقي الإماراتي “أحمد منصور” المعتقل حاليًّا في سجون الإمارات، بعد استهدافه من قبل شركة “دارك ماتر” الإماراتية، حيث استخدمت هذه الشركة برنامج “بيغاسوس” عام 2016، للتجسس على “أحمد منصور”، وتعد “دارك ماتر” من أكبر زبائن برنامج “بيغاسوس” التجسسي، وهي شركة تستعين في إدارة برامجها بموظفين ومدراء سابقين في الأجهزة الأمنية الأميركية والإسرائيلية برواتب ضخمة، ويقع مقر الشركة في نفس المبنى الذي يضم مقر استخبارات الإشارة الإماراتي، بما يشير إلى طبيعة العلاقة التي تربط الشركة بالاستخبارات الإماراتية.
وهناك اتهامات قوية تشير إلى المغرب في استخدام “بيغاسوس” للتجسس على نشطاء رأي وحقوق إنسان، وعلى سياسيين فرنسيين، فقد ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية بأن هاتف الرئيس “ماكرون” كان هدفاً للتجسس لصالح المغرب.
وفي حين تزعم الشركة بأنها تبيع البرنامج لحكومات ديمقراطية بهدف ملاحقة المتورطين بالجرائم والإرهاب، فإن مختبر “سيتزن لاب” ينفي ذلك، ويؤكد بأن البرنامج تستخدمه عديد من الحكومات تتميز بسجلات مشبوهة في حقوق الإنسان، وتسلط أجهزة أمن الدولة على المعارضين، ويضيف المختبر الكندي، بأن من بين القائمة 189 صحفيًّا و600 سياسيًّا، و85 ناشطاً في مجال حقوق الإنسان وبعض رؤساء دول وحكومات.
ولأن “بيغاسوس” غالي الثمن –حيث يبلغ ثمنه 55 مليون دولار- فمن غير المتوقع أن يستخدم في ملاحقة المجرمين الجنائيين، وإنما تستخدمه هذه الأنظمة لملاحقة قيادات المعارضة أو نشطاء حقوق الإنسان.
وتبين أن من بين المستهدفين المحتملين باختراق هواتفهم ب”بيغاسوس” شخصيات سياسية دولية، وشخصيات لها علاقة عائلية للأسرة الحاكمة في الإمارات، فقد شملت القائمة المستهدفة كل من: ابنة حاكم دبي الشيخة لطيفة التي ما تزال محتجزة داخل منزلها، وزوجته السابقة “هيا بنت الحسين” التي فرت منه إلى ألمانيا طالبة للجوء، إضافة للرئيس الفرنسي ماكرون، وملك المغرب محمد السادس، ورئيس وزراء باكستان عمران خان، والرئيس العراقي برهم صالح، ومن ضمن القائمة 13 رئيس دولة أخرى.
وعندما نتتبع بعض المعلومات والإشارات التي تساعد في تجلية الصورة أكثر، نجد أن أهم هذه المعلومات هي أن الشركة “NSO” موجودة في الكيان، وأن وزارة الحرب الإسرائيلية هي التي تشرف على تصدير البرنامج، من خلال إصدار تراخيص التصدير، وهذا يفيد بأن الهدف الأمني –الاستخباري- يكون حاضراً وبقوة عند الموافقة على بيع البرنامج لأحد من الأنظمة العربية، ويسبق تلك الموافقة بالتأكيد تواصل وحوار ما بين الجهات الاستخباراتية الإسرائيلية والجهات الأمنية أو السيادية في تلك الأنظمة، ويحق لنا ربط ذلك بنشاط الرئيس السابق للموساد “يوسي كوهين” للمنطقة العربية وخاصة تلك المتصدرة قائمة عملاء الشركة، الإمارات والمغرب والبحرين والسعودية، وكأن التطبيع كان شرطاً ضروريًّا لإتمام صفقة البيع والتعاون الاستخباراتي، والذي أكدته اتفاقية الإمارات والاحتلال الأخيرة في استثمار الإمارات مبلغ وقدره 10 مليار دولار في الصناعة الإسرائيلية، وهو ما يلتقي مع ما نشرته “فايننشال تايمز”، إن إسرائيل قامت في السنوات الأخيرة، وفي محاولة لدفع دول في الخليج مثل الإمارات والسعودية والبحرين لتحسين العلاقات الثنائية معها بغرض التعاون الاستخباري في المواضيع المشتركة مثل الإخوان المسلمين وإيران.
وبيغاسوس باهظ الثمن، فوفقاً لأسعار 2016، فإن اختراق عشرة أجهزة يكلّف 650 ألف دولار، إضافة إلى نصف مليون دولار رسوم تثبيت البرنامج، وهي مبالغ تُدفع بسخاء من قبل الأنظمة الديكتاتورية العربية؛ من أجل ملاحقة المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين، فهي دول تملك المال ولا تملك المعرفة، وسبق للاحتلال أن تاجر عبر جهاز الموساد في عمليات ومهارات استخباراتية لجماعات إرهابية ودول ديكتاتورية، في حين ترفض الدول الديمقراطية أن تشتري أو تبيع مثل هذه البرامج، فكل دولة تجتهد بتصنيع مثل هذه البرامج لاستخداماتها الرسمية، ضمن بروتوكول أخلاقي وقانوني، ويُخضع للرقابة التشريعية.
وتشير كثرة العملاء المستفيدين من البرنامج، وكذلك كثرة المستهدفين وتعدد مواقعهم وصفاتهم، إلى استثمار الاحتلال لهذه الفوضى –التي هي تحت سيطرتها- لمراقبة قادة سياسيين ورجال أعمال وصحفيين ورؤساء دول، في خطوة خبيثة لاستدراجهم في شَرَك التعاون الإجباري مع السياسة الإسرائيلية، وكلُ حسب موقعه ومستواه. وأفادت وثائق استخبارات في السابق بوقوع صحفيين ووزراء وبعض الرؤساء في وحل التخابر الأمني مع الاحتلال.
عندما يستخدم البرنامج من قبل طغاة بصفة حاكم أو مسؤول، فإن النتيجة الحتمية هو اعتقال المستهدف إن لم يكن قتله وتصفيته، وهو ما أكده خبير الاستخبارات الإسرائيلي “يوسي ميلمان” بأن “الاختراق قد ينتهي بعملية قتل كما كان الأمر بالنسبة للصحفي السعودي جمال خاشقجي”، حيث أكدت المعلومات أنه هاتف صديق مقرب لـ”خاشقجي” وهاتف خطيبته التركية خديجة جنكيز اخترقا ببرنامج “بيغاسوس”، وقال إدوارد سنودن – الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، والملاحق قضائيًّا في بلاده بتهمة تسريب معلومات سرية- أن شركة “NSO” الإسرائيلية ساعدت السعودية على تعقب وقتل الصحفي جمال خاشقجي.
الخلاصة هنا أن الاحتلال هو مصدر التجسس التجاري في العالم، وأن المال العربي –للأسف- بات مصدر للاستثمار الإسرائيلي، وأن المواطن العربي الرافض للخنوع هو المستهدف دائماً، وأصبح من الواجب على كل من يعمل في دوائر الاستنهاض للأمة، أن يحذر من استخدام الهواتف الذكية في أنشطتهم، وعدم احتفاظ تلك الهواتف لأي مادة تعرضه للابتزاز، هو أو أيٍّ من أفراد أسرته، أو جماعته.
الجدير بالإشارة هنا، ما تقوم به المقاومة الفلسطينية من عدم استخدام عناصرها لتلك الهواتف، وأنها تتواصل في أنشطتها عبر خطوط هواتف سلكية خاصة، أحيطت بالسرية والكتمان، وهي استراتيجية اعتمدتها المقاومة لإحباط التفوق التكنولوجي الإسرائيلي في المراقبة والتنصت.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...