اسدود… ذكرى أسامة بن زيد ومحمد نجيب !

اسدود: ميناء قديم شهد أحداثاً كبيرة، لكنه كان يتصاغر أمام عظمة ميناء عسقلان قبل خرابه بفعل الزلازل!
وفي عمق المكان كانت هناك مدينة مبنيّة على رابية قديمة حصينة، على طريق القوافل بين الرملة ومصر، حيث كانت المحطة الأولى بعد الخروج من الرملة، يعْمر الطريق إليها قرى كثيرة تعجّ بالفلسطينيين الأوائل من الفلاحين، وهي واقعة بين غزة ويافا، وتبعد عن غزة نحو 40 كلم شمالاً.
ينطق أهلُنا اسمها: ازدود واسدود، وأما اللصوص الجدد فيحرّفون حرف الصفير فيها، ويجعلونها “اشدود”، لينسبوها إلى تراثهم القديم، علما أن هذا الاسم فلسطيني عناقيّ قديم ربما يعني الحصن أو القوة أو السدود كما هي في اللسان العربيّ.
تزعم مدوّنات اليهود أنه كان فيها أمة فلسطينية قديمة من الجبارين من العمالقة قوم جالوت، وكانوا أشدّاء عليهم، حتى زعمت هذه المدونات أن هؤلاء الجبّارين استخلصوا منهم تابوتهم في معاركهم مع مملكة يهوذا المزعومة، وجعلوه تحت صنمهم الأعظم “داجون”.
كانت مدينة مزدهرة عظيمة قبل الميلاد وكانت هدفاً عسكرياً للإمبراطوريات القديمة من آشوريين ومصريين ويونايين ورومانيين، وقد سمّاها المؤرخ هيرودوتس مدينة سورية الكبرى.
وقد وصلتها طلائع بعوث رسول الله قبل وفاته في سنة 10 أو 11 للهجرة بقيادة أسامة بن زيد في سريتيه المشهورتين في الأردن وفلسطين، وحرّق أسامة محاصيل البيزنطيين في محيطها وهم غارّون، وقد حققتُ هذه المسألة مطولاً في كتابي فتوح فلسطين.
وظلت اسدود مدينة تجارية مهمة على طريق القوافل دهراً طويلاً حتى إنك تجد قلعة أموية يعود بناؤها إلى زمان الخليفة عبد الملك بن مروان ما تزال أطلالها شاهدة إلى اليوم، وربما هذا هو تسمية بعض أجدادنا لهذا الموضع “مِينة القلعة” أي ميناء القلعة؛ كما كانت فيها محطة بريد مركزية لها علاماتها في القرون الإسلامية الأولى، وكان في المدينة خانات ما تزال خرائبها شاهدة، كما كان فيها أربطة للمقاتلين على هذا الثغر البحري، وعندما احتلها الصليبيون وجدوها بلدة صغيرة فجعلوا فيها حامية صغيرة إذ إن دورها كان يتضاءل، وتخلو من سكانها نتيجة الحروب، وكثرة الوباء نتيجة انتشار البعوض والحمّيات ولاسيما الملاريا التي تجد بيئة خصبة في مواضع العيون الكثيرة في هذه السهول.
ويتحدث عرب قبيلة بني عامر القيسيون ومنهم عرب أبو سويرح أن عز الدين أيبك المملوكي أقطعهم هذه المساحة من الساحل بين يافا واسدود والرملة عندما كان والياً على يبنى، وكان نمط حياتهم البداوة ورعي الماعز أول الأمر، ثم انخرطوا في الزراعة وتربية النحل، وبنوا المنازل الحجرية والطينية، وأصبحوا فلاحين وصيادين للسمك وتجاراً للملح الذي يكثر في سبخات المنطقة؛ وكانت مناطقهم إلى الشمال غربي من اسدود عند نهر صُقرِير أو “سُكْرير” كما ينطقونها.
من الآثار المعروفة في اسدود مزار منسوب لسلمان الفارسي بُني في عهد الظاهر بيبرس، استطاع من خلاله توطين مجموعات عسكرية حوله استطاعت استقطاب الاستيطان البشري ثانية للمكان؛ ويوجد فيها مقام برهان الدين إبراهيم بن عليّ المتبولي الذي توفي فيها عام 877هـ إثر خلافه مع قايتباي، وكان وليّاً صالحاً مُحسنا على الفقراء تُؤْثَر عنه كرامات عجيبة، وقد مات بها إثر وعكة شديدة ألمّت به في طريق زيارته للقدس والخليل وهو في عمر الثمانين عاماً كما يقول السخاوي في الضوء اللامع؛ ويوجد في المكان مقام لرجل مجهول يقال إنه أحمد أبو الإقبال، ولا يبعد عنه مقام يسمى النبي يونس عند تلة صخرية قرب نهر صقرير الصغير، حيث يزعمون أن الحوت ألقى بيونس النبي عليه السلام في هذا الموضع، ولهم في هذا الموضع اعتقاد عظيم.
ثم كتب الله لها ذكراً آخر في معارك النكبة عام 1948 حيث وقعت فيها وحولها معركة اسدود الشهيرة بين عصابات لواء جفعاتي مسنوداً بلواء النقب، والقوات المصرية بقيادة الأميرالاي محمد نجيب (الرئيس المصري بعد الإطاحة بالملك فاروق)، وكانت معركة قاسية شاركت فيها الطائرات والمدفعية وخسر فيها العدو نحو 400 بين قتيل وجريح، وأُسر فيها نحو 100 من هذه العصابات… ولكن الأمر استتب لهذه العصابات في نهاية المطاف وهجّروا كل سكّانه ودمروا البيوت الحجرية وأحرقوها في واحدة من مشروعات التطهير العرقيّ الكبيرة.
ستعودين يا اسدود، وسنجعل فيك نصباً تذكارياً من بقايا رجوم غزة يخلّد ذكرى القائد أسامة بن زيد بن حارثة، والقائد محمد نجيب، ويحكي للناس تاريخ أرض عاندت محتلّيها.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مؤسسة حقوقية: آلاف المعتقلين بسجون الاحتلال يواجهون عمليات قتل بطيئة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام يواجه الأسرى في سجون الاحتلال تصاعدًا غير مسبوق في عمليات التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، التي تمارسها الإدارة...

جماعة أنصار الله: واشنطن تجاهلت تحذيراتنا لأنها لا تأبه بحياة الصهاينة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قالت جماعة أنصار الله اليمنية، الأحد، إن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تأبه بحياة الإسرائيليين رغم توجيه تحذير لها...

مدير المستشفيات الميدانية بغزة: المجاعة قادمة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة بقطاع غزة، مروان الهمص، إن أغلب سكان قطاع غزة يعيشون تجويعاً ينفذه...

إصابة 43 فلسطينيًا باقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 3 فلسطينيين بينهم طفل، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي و40 آخرون بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، إثر اقتحام...

كتائب القسام تكشف تفاصيل كمين مركب شرقي رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، اليوم الأحد، عن تفاصيل كمين مركب نفذته في قوة من جيش الاحتلال...

الصحة العالمية: غزة تفتقر إلى كل شيء والوضع قريب من الهاوية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام وصفت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، الوضع الصحي في قطاع غزة بأنه "كارثي وقريب من من الهاوية"،...

معركة زيكيم.. يوم فر مقاتلو النخبة الإسرائيلية من مواجهة القسام
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق إسرائيلي حول معركة زيكيم، عن هجوم نوعي نفذه مقاتلو كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عبر البحر،...