الإثنين 05/مايو/2025

سُمّاقِيّة التحدّي !

د. أسامة الأشقر

إن كانت ثمة امرأة في غزة وهي قادرة على طبخ السماقيّة في العيد -والطلعات الجوية الحربية قائمة فوقها- فلتطبخها، وذلك أن النخل في غزة غير مشهور فيها، وفسائلها لا تكاد تباع رغم أن “القيامة قايمة”.

وذلك أن السمّاقية من شعارات العيد الشعبيّ كالفسيخ والكعك، ومن طقوس الكرم والتوسعة على الناس والتحبب إليهم، فكنا نرى الولدان من الصبيان والصبايا يطوفون على جيرانهم بأطباقها في فرح وبهجة، وتأتيهم من جيرانهم حتى تكون مأكل الناس أياماً.

وليس بمستغرَب في زمان الحرب هذا أن تجد المرأة الغزّيّة تصرّ على صناعتها وتعزيز هوية العيد بها؛ لأن في ذلك معاندة للعدو المعتدي، ومراغمة له في وجهٍ، وإفشالاً لمخططه في كسر صمود الناس وتفكيك جبهتهم وإطفاء معنوياتهم، ويزيد بعضهم في المراغمة، فلا يأكلها إلا على سطح بيته؛ مجاهرة في التحدي وإعلاناً.

ومن معانيها أنها تكون صدقة عن أرواح الأحباب المفقودين وضحايا الحروب وعموم الموتى، وفيها أيضاً من إدخال السرور على الناس ما فيها.

وحتى في طعمها تجد التحدي؛ إذ هي تجمع بين اللذاعة والحذاقة، كما أنها توصَف في الأغذية المقوّية في كلام القدماء.

وأكلة التحدي هذه خفيفة سهلة الهضم مفتّحة للشهية، تعتمد على السلق الأخضر وقطع لحم بقري وحب الحمص مع كمية من السمّاق البلدي الطازج ذي اللون القرمزي المحمرّ، وطحينية السمسم الأحمر، والبصل والثوم، والدقيق وعين الجرادة… ولا ننسى زيت الزيتون الأصلي المتمدد على سطحها، وإلى جانبه الفلفل الأحمر المخروط أو الشطة الخضراء، وخبز الكماج أو الصاج الذي تفوح رائحة خَبِيزه على الطابون أو الفرن البلدي، ولا بأس ببعض الفجل والبصل الأخضر والزيتون والمخلل لتمام السفرة.

وكانت النسوة يجتمعن لصنعها وزيادة مقاديرها تحت إشراف سيدة كبيرة العمر والقدر والخبرة؛ لأنها أكلة جماهيرية يكثر طالبوها ومنتظِروها ومُتذوِّقوها، وكان لافتاً مبادرة بعض نساء غزة لطبخ السماقية للشباب في مسيرات العودة، فكان ذلك مما يزيد في احتشاد الشباب والأطفال للمشاركة فيها.

وهي أكلة لا تختص بغزة رغم اشتهارها بها حتى إنهم عدّوها بمثابة الطبق الوطنيّ الألصق بها، فقد كانت معروفة في يافا والرملة والمجدل واللد، ويتفنن نساؤها في مقاديرها والتفاخر بلذّة طعمها وإشادة الناس بها.

وبعض الناس تزعم أنها أكلة عابرة للحدود قدِمت مع الكرد أو الترك الذين استقروا في فلسطين في موجات، وكانوا يصنعونها في المناسبات العامة كموسم المنطار والنبي صالح والنبي روبين … إلا أن أصلها تُنُوسِي، وثبت الأمر فيها في محافظات قطاع غزة موطناً ومستقرّاً وهوية مقاتلة صامدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات