الأحد 30/يونيو/2024

القدس.. مفتاح القوة وجوهر الصراع

القدس.. مفتاح القوة وجوهر الصراع

لا عجب أن تتصدر قضية مدينة القدس المحتلة هامة كل مرحلة سياسية وتاريخية تمر بها فلسطين منذ مئات السنين؛ فللمدينة خصوصية استثنائية تميزها عن جميع مدن التاريخ.

منذ أيام عادت القدس المحتلة تؤكد هويتها العربية والإسلامية في تفاصيل الصراع المحتدم بين الاحتلال وسكان المدينة التاريخية في مرحلة تسابق فيها “إسرائيل” الزمن لحسم مستقبل القدس السياسي والديمغرافي.

اندلعت انتفاضة القدس في أكتوبر عام 2015م، لكن الهبات والصراعات التي قدم فيها الفلسطينيون آلاف الشهداء والجرحى والأسرى لم تفارق منذ عام 1948م شوارع القدس.

إطلالة تاريخية على سيرة المدينة المقدسة تؤكد أن إمبراطوريات ودولًا عظمى وصلت لذروة مجدها حين امتلكت مفاتيح القدس وحظيت بإقامة فريدة فوق بقعة جسدت أرض الأنبياء ومهد الديانات السماوية.


مرت القدس في المائة عام الماضية بعدة ثورات مع أول احتلال “الانتداب البريطاني” بعد أفول نجم الخلافة العثمانية قبل أن تجثم “إسرائيل” فوق أرضها وتبقى جوهر الصراع الذي وصل الآن مرحلة متقدمة فوق فلسطين التاريخية.

خصوصية استثنائية
نقش الذاكرة لا يتبدد عند ذاكرة المدينة المقدسة؛ فعروقها ضاربة في التاريخ، وحجارتها شاهدة على سير الأنبياء والمرسلين منذ بدء الخليقة.

جوهر الصراعات في السياسة الدولية هو صراع حضاري وإن اتخذ أشكالاً سياسية واقتصادية وثقافية، وارتباط القدس بالديانات السماوية شكل دافعاً لممالك ودول عظمى في التاريخ رفعت شعارات عقائدية وهي تحث الخطا قبل وصول القدس.

ويحرص المسلمون على دعم وتبني قضية القدس أولى القبلتين لهم وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم في حين يتحصّن اليهود بروايات دينية وتوراتية ويطمعون في إقامة هيكل سليمان فوق الحرم القدسي.

ويؤكد د. غسان وشاح، أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية بغزة، أن مدينة القدس عربية الولادة وإسلامية النشأة والهوية، ولها طابع خاص في العقيدة الإسلامية؛ لأنها ذكرت في القرآن الكريم 13 مرة في حين ذكرت مكة 3 مرات.


د.غسان وشاح

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “تاريخيا من يسيطر على القدس تصبح له الغلبة في الأرض؛ عندما سيطر اليونان على القدس كانوا القوة الأولى في العلم، وعندما سيطر عليها الرومان وسموها إيلياء كانت إمبراطورتيهم أقوى دولة فوق الأرض”.

تعاقبت دول وممالك على احتلال القدس، وحرصت على حيازة مفاتيح المدينة المقدسة حتى جاء الفتح الإسلامي، ووصلتها الخلافة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، ويومها كانت دولة المسلمين أكبر دولة على وجه الأرض.

ويربط د. جمال عمرو، الخبير في شؤون القدس، بين استقرار أحوال جميع أرض فلسطين على مدى التاريخ واستقرار مدينة القدس؛ فهي معيار أي تغير إيجابي أو سلبي يمس فلسطين.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “أشبهها بقلب الأمة، وشريان الحياة في الجسد، إذا تحركت تحرر كل عبيد الأرض أمام الأنظمة القمعية. دوماً كانت عنوان الحرب أو السلام وبوابة أي مرحلة يحل فيها أو يطرد منها مستعمر”.


null

ويضع قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة (قرار الجمعية العامّة رقم 181) القدس في سياق نظام دولي تُديره الأمم المتحدة، لكن احتلال “إسرائيل” غربيَّ القدس عام 1967 أخضعها لاحتلال كامل مخالفاً القانون والقرارات الأممية.

عنوان الثورات
ودّعت القدس المحتلة مطلع القرن الماضي آخر خلافة إسلامية في عهد الدولة العثمانية التي رفضت على ضعف سلطانها التفريط في القدس حتى جاءت بريطانيا العظمى بثأر دفين وحقد تاريخي لتعيد احتلالها.

منذ صدر وعد “بلفور” عام 1917م والثورات لا تفارق شوارعها المقدسة؛ فرحيل الخلافة العثمانية عنها حولها تحت الاحتلال البريطاني والإسرائيلي لمحطة الثورات الأولى في فلسطين والعالم الإسلامي.

ويقول د.غسان وشاح، أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية بغزة: إن الكيان الصهيوني يشكل الآن قوة عظمى مهيمنة في جميع المجالات، لذا تشكل القدس جوهر الصراع معه، وتندلع بين حين وآخر هبات وثورات تحاول استعادة هوية القدس.

ويضيف: “كل ثورات فلسطين كان مصدرها القدس المحتلة بدءًا من ثورة 1920م وثورة البراق 1929م وثورات 1935-1936م. المساس بالقدس يفجر بركاناً الآن وربما يمتد أثره لتتصدع كيانات سياسية في المنطقة”.


وحسب عجلة التاريخ فما يجرى في القدس الآن هو شيء طبيعي يعد مقدمة لانهيار الكيان الصهيوني الذي يملك قوة شاملة، لكن تراكمية ما يجرى في القدس يمضى به للهاوية والنهاية.

ويرى الدكتور وشاح أن الاحتلال الإسرائيلي قطع شوطاً كبيراً في التطبيع مع الأنظمة العربية الرسمية، لكن إنجازه يتصدع أمام انفعال الشعوب الغاضبة من المساس بالقدس، والتي تتحفز دوماً للقفز فوق كل المعادلات السياسية.

منذ شهور تتعرض المدينة المقدسة لعدوان متصاعد في مصادرة وهدم وإخلاء المنازل المقدسية بعد أعوام من المصادرة المكثفة لأملاك المقدسيين لتغيير واقع المدينة الديمغرافي.


null

ويؤكد الخبير عمرو أن خطوات إدارة “ترمب” في تشريع احتلال إسرائيل للقدس لم يشبهها في التاريخ سوى وعد “بلفور”، وأن القدس المحتلة تعيش الآن هبّة تلو هبّة.

ويضيف: “وصلنا الآن إلى مرحلة التعبئة الجماهيرية التي تكبر شيئاً فشيئاً حتى تصل بنا لمرحلة تشبه مرحلة معركة حطين، وحينها سيتغير المشهد بالكامل في القدس”.

وتعيش المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية حالة غضب ومظاهرات؛ احتجاجاً على عدوان الاحتلال في القدس والأقصى الذي وصل حد طرد المصلين والتدخل في حرم المسجد، وهي حالة قد تمهد لانتفاضة جديدة عنوانها القدس.

ولم تشفع كل مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” برعاية أمريكية للمدينة المقدسة أن تأخذ قسطاً من الراحة؛ إذ جرى ترحيلها دوماً للمرحلة النهائية من المفاوضات، وظلت “إسرائيل” تستغل الوقت لتهويدها وطرد الفلسطينيين منها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات