فتّش عن الصهيونية في أمريكا

بعد شهرين على إدارة جو بايدن ما تزال تتحسّس ماذا تفعل في أغلب القضايا، كمن يمشي في العتمة ويتحسّس طريقه.
هذه الحالة غير ما كان يبديه جو بايدن في معركته الانتخابية وغير ما توقعه كثيرون، حيث عدوه تكراراً لإدارة أوباما، لا سيما في ما يتعلق بإيران والعودة إلى الاتفاق النووي (5+1).
يقال إن شغله الشاغل حتى اليوم كان منصبًّا على الداخل، وعلى التحديد لمعالجة موضوع كورونا. طبعاً قد تكون هذا أولويته، ولكن ماذا يفعل وزير خارجيته ووزير الدفاع أو البنتاغون؟ فما يجري خارج الداخل الأمريكي على المستوى العالمي لا ينتظر نتائج صراع بايدن مع كورونا؛ لأن كل يوم يمر له أهميته إيجاباً أو سلباً على أمريكا ودورها العالمي سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، الأمر الذي يعني أن أمريكا ما تزال تُغلّب صراعها الداخلي، كما كان الحال في الأشهر القليلة لنهاية إدارة ترامب.
على أن ثمة مشكلة داخلية أخرى لم تخرج إلى السطح بعد ولم تخرج أثقالها، ولكنها قد تفاجئ العالم وتؤثر في دور أمريكا ومستقبلها أيما تأثير، وهي إعفاء جو بايدن من مهامه لأسباب صحية، وتولي نائبته كمالا هاريس موقع الرئاسة والقيادة. فإشارة فلاديمير بوتين في رده على تسميته بالقاتل من قبل جو بايدن، بأنه يتمنى له “بالشفاء”، لها معنى التشكيك في صحته العقلية (الزهايمر). وكان ترامب قد ضرب على هذا الوتر كثيراً للتشهير به في المعركة الرئاسية.
إنَّ اللحظة التي سيُعفى بها قد لا تكون قريبة، وقد تطول حتى آخر عهده، ولكن لا يمكن إسقاطها من الحساب كليًّا، أو عدم ملاحظة بعض آثارها.
لم يسبق لرئيس أمريكي قبل بايدن أن اختار نائباً مثل هاريس؛ ليس باعتبارها امرأة وليس لأنها خارج سياق الواسبس (الأمريكيون البروتستانت البيض الأنجلو ساكسون)، وإنما من حيث خبرتها وارتباطاتها، وقدراتها على إشغال موقع الرئاسة الأمريكية وقائد الولايات المتحدة الأمريكية. ويحدث هذا في ظرف وموازين قوى تحتاج فيه أمريكا إلى منقذ من التراجع والتدهور عالميًّا، ومن الانقسام داخليًّا. فالقيادة القادرة، أو الفذة، مطلوبة في حالة التراجع أكثر من حالة التمكين والانتصار.
والأغلب أن أمريكا ستشهد، وبصورة صارخة، ما لم تشهده من قبل، وسيكون بالسلب وليس بالإيجاب.
خلال أسبوع صدرت تصريحات أمريكية من الرئيس جو بايدن ومن وزير الخارجية أنتوني بلينكن؛ تصعيدية ومسيئة للعلاقات، إزاء كل من روسيا (بايدن)، والصين (بلينكن)، فضلاً عن إصدار “عقوبات” جديدة، وزيارة لوزير الخارجية والدفاع لكل من اليابان والهند خصوصاً، للحشد ضد الصين، كما التركيز على حشد أوروبا ضد روسيا.
هذه المؤشرات تدخل ضمن إطار التأزيم والتصعيد، في آن واحد، ضد كل من روسيا والصين، وهو ما أخذ يرد عليه بتعزيز العلاقات الروسية- الصينية، وربما رفعها إلى مستوى التحالف، وذلك إذا ما تحول التصعيد والتأزيم الأمريكي ضدهما إلى مستوى الأولوية الاستراتيجية، وهو ما لم تتضح ملامحه النهائية بعد. فأمريكا ما تزال تتخبط في التردد بتحديد أولوية استراتيجية كما كان الحال مثلاً في الحرب الباردة، وعندئذ قد تنتقل إلى حرب حضارية (غرب- شرق).
إن مشكلة العلاقة مع الكيان الصهيوني ونفوذه المتعاظم في الإدارات الأمريكية منذ عهد كلينتون؛ هي التي حالت دون أمريكا ووضع استراتيجية عالمية، أساساً، ضد الصين وروسيا. فقد جعل كل من كلينتون وجورج بوش الابن وترامب، وإلى حد أقل أوباما، أولويتهم الاستراتيجية إعادة تشكيل شرق أوسط جديد، وفقاً للمواصفات المطلوبة صهيونيًّا. وكان من نتائج ذلك أن تحرك بوتين بلا عناء من قِبَل أمريكا في إعادة بناء روسيا دولة كبرى منذ العام 2000، وتركت روسيا في التسعينيات تحاول النهوض وتكبو (حكومة بريماكوف، وأواخر عهد يالتسين)، كما وتركت الصين طوال ثلاثة عقود تتقدم بلا “احتواء” أمريكي يذكر.
هذه المشكلة أخذت تبرز مرة أخرى في مرحلة بايدن، وبالتحديد بالنسبة إلى العلاقة بإيران. فقد ذهبت أغلب التصريحات والتعليقات، معززة باختيار روبرت مالي لمتابعة الملف النووي، إلى توقع عودة إلى الاتفاق النووي من قِبَل أمريكا، وبشروط تقبلها إيران. ولكنها لم تدم طويلاً، إذ أخذت بعض المؤشرات تلوح بابتعاد هذه العودة، والذهاب إلى التأزيم مع إيران، كما تطالب حكومة نتنياهو.
الذين يقللون من أهمية هذه المؤشرات الأخيرة وما يزالون يرجحون أو يؤكدون العودة إلى الاتفاق النووي؛ يعتبرون أن ثمة وجهتي نظر تتصارعان داخل إدارة بايدن: وجهة نظر تسعى إلى التهدئة مع إيران، بداية بالعودة إلى الاتفاق النووي، ولكن مع الاستمرار بالضغط لمفاوضات تتعلق بالبرنامج الصاروخي البالستي الإيراني. أما وجهة النظر الثانية فتريد العودة إلى ما يشبه استراتيجية دونالد ترامب، أي المضيّ في العقوبات إلى حدودها القصوى. وبكلمة، إعطاء أولوية لتصفية الحساب مع إيران حتى على الصراع ضد روسيا والصين، وذلك كما كان الحال في زمن كلينتون (شرق أوسط بمواصفات بيريز) أو زمن جورج دبليو بوش (ضد العراق)، أو عهد دونالد ترامب (صفقة القرن)، وكذلك ليس كعهد أوباما الذي ذهب إلى الاتفاق النووي.
هذا التيار الثاني أخذت ترجح كفته بالرغم من التعايش مع وجهة النظر الأولى. وهذا تقدير بعيد عن أية معلومات، وإنما بقراءة حركة السياسة الأمريكية والأوروبية التي أبقت على العقوبات، وراحت تركز على اتفاق جديد، مع تحرك جديد لطائرة بـ52 في المنطقة. أي قعقعة بالسلاح مرة أخرى، علماً أن آذان الحزب الديمقراطي أكثر طرباً لقعقعة السلاح حتى من ترامب والحزب الجمهوري. فتاريخياً، الحزب الديمقراطي أكثر صهيونية، وأكثر عدوانية عسكرية، وكان أكثر خبثاً دائماً في إطلاق الحلول الملغمة للقضية الفلسطينية.
وباختصار، ثمة رائحة بارود منبعثة من إدارة بايدن الديبلوماسية. ففي أمريكا فتش عن الصهيونية.
عربي21
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

إصابة 3 مواطنين واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأُصيب ثلاثة مواطنين بكدمات وكسور، واعتُقل آخرون، خلال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، حملة...

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...

صحة غزة: حصيلة حرب الإبادة ترتفع إلى 52,576 شهيدًا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت زارة الصحة بقطاع غزة، بأن 32 شهيدًا منهم 9 انتشال، و119 إصابة وصلت مستشفيات القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية....