الأحد 04/مايو/2025

ورقة موقف حول قرار بقانون تعديل الجمعيات والهيئات الأهلية

ورقة موقف حول قرار بقانون تعديل الجمعيات والهيئات الأهلية

قالت مؤسسة الحق إن رئيس السلطة محمود عباس أصدر القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية وتعديلاته ونُشِر في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) بتاريخ 02/03/2021.

وأشارت المؤسسة أن القرار يأتي في إطار سيل القرارات بقوانين المستمرة، بنهج السرية الكاملة، وبعد صدور المرسوم الرئاسي بتاريخ 15/01/2021 بالدعوة لإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني.

وأضافت أنه في ظل التدهور الكبير والمتسارع الحاصل في النظام السياسي الفلسطيني ككل، وبعد الاطلاع على السياق العام للتعديل من الناحية الموضوعية والشكلية تبدي الحق موقفها بما يلي:

أولاً: سياق إصدار التعديلات على قانون الجمعيات

كما ويأتي إصدار القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية في ظل “حالة الطوارئ” المستمرة منذ عام كامل والتي بدأت منذ تاريخ 5/3/2020 وما زالت مستمرة في عدوان صارخ على القانون الأساسي (مادة 110) التي تؤكد بوضوح على عدم جواز تمديد حالة الطوارئ لمدة تزيد على (30) يوماً إلا بموفقة أغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس التشريعي، وهي الأغلبية اللازمة لتعديل القانون الأساسي (الدستور) ذاته. الهدف الرسمي المعلن لاستمرار الطوارئ هو مواجهة فيروس كورونا ومنع تفشيه، لكن الرئاسة التي تسيطر على مقاليد الأمور على الأرض، ومعها الحكومة، لم تقدم أي خطة للناس في كيفية مواجهة الفيروس وآثاره الكارثية المتفاقمة في مختلف المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية منذ بداية الأزمة ولغاية الآن. علاوة على عدم دستورية حالة الطوارئ فإن هدفها غير مبرر لأنه معالج بالكامل وعلى نحو تفصيلي في القوانين العادية وبخاصة قانون الصحة العامة وقانون حماية المستهلك وقانون الدفاع المدني وقانون العقوبات وقانون مكافحة الفساد وغيره، وجديد تشريعات الطوارئ فرض المزيد من القيود على حرية التعبير والحقوق الرقمية على الانترنت وانتهاك الخصوصية، ويبدو أن الانتخابات ستُجرى أيضاً تحت تشريعات الطوارئ.    

يعتبر قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 الذي أقره المجلس التشريعي من القوانين الفلسطينية المتطورة، على غرار قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002 الذي أقره المجلس التشريعي وهو الأفضل على مستوى التشريعات العربية، وقد نال قانون الجمعيات ما نال قانون السلطة القضائية من تدمير من خلال القرارات بقوانين، وبذات المنهج، وبعد سلسلة محاولات مستمرة على مدار السنوات الماضية نجحت قبيل الانتخابات في الإطاحة بكليهما.

ترى الحق بأن هذا التعديل يهدم ما تبقى من نظام سياسي فلسطينيي يتعلق بقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية ذات التاريخ العريق في فلسطين، في ظل هجمة شرسة تتعرض لها المؤسسات الأهلية من قبل إسرائيل السلطة القائمة باحتلال استعماري سواء على المستوى الرسمي أو من خلال المؤسسات الداعمة لاحتلال طويل الأمد غير مشروع بنى نظام فصل عنصري (أبارتهايد) عميق في الأرض الفلسطينية المحتلة، سواءً في الداخل أو الخارج، وبأشكال مختلفة من تهديدات بالقتل ومحاولات النيل من سُمعة العاملين فيها ومحاولات تهديد وتخويف وإرباك المؤسسات التمويلية الشريكة بهدف وقف التمويل عن المؤسسات الفلسطينية وإعاقة قدراتها في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين في مواجهة الجرائم الدولية الممنهجة التي ينعقد لها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وجهودها في مسار الآليات الدولية التعاقدية وغير التعاقدية، لكن تلك المحاولات المتكررة فشلت حتى الآن في النيل من عزيمة وثبات العمل الأهلي الفلسطيني ورسالته الحقوقية النبيلة دفاعاً عن الحق.  

ويأتي أيضاً في ظل الظروف بالغة التعقيد التي تعمل فيها المؤسسات الأهلية الفلسطينية في رصد ومتابعة الجرائم والانتهاكات المرتكبة من سلطات الاحتلال، والانتهاكات المتصاعدة على المستوى الفلسطيني، والمتغيرات في منطقة الشرق الأوسط التي أدت لشح التمويل اللازم لانتظام أو استدامة أهداف وبرامج المؤسسات الأهلية في ظل النزاعات المسلحة والضحايا والتحولات الكبرى في الخريطة والأولويات التمويلية. وكذلك، في ظل اشتراطات تمويلية مجحفة تنتهك الدستور الفلسطيني وقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية الفلسطيني وقواعد القانون الدولي أدت إلى المزيد من الحصار التمويلي المالي على المؤسسات الفلسطينية الشحيح أساساً. وبالنتيجة النهائية تهديد استدامة العمل الأهلي في فلسطين. 

ثانياً: قرار بقانون الجمعيات والإطاحة بالعمل الأهلي

بعد الاطلاع على القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 بتعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000 وتعديلاته، الذي أصدره الرئيس محمود عباس بتاريخ 28/02/2021 بناءً على تنسيب مجلس الوزراء برئاسة د. محمد اشتيه بتاريخ 11/01/2021، ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 02/03/2021، يتضح حجم الانتهاكات الصارخة للقانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطيني بدون تحفظات ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعايير الدولية ذات الصلة بالحق الأساسي في حرية تكوين الجمعيات، وانتهاك أُسس ومرتكزات الشفافية والانفتاح على المجتمع المدني التي أكدت عليها أجندة السياسات الوطنية (2017 – 2022) ومتطلبات الحكم الصالح، والإصرار على السير على نهج السرية المطلقة في القرارات بقوانين التي أطاحت بالنظام السياسي

وفيما يلي أبرز ملاحظات الحق على القرار بقانون المعدل لقانون الجمعيات:   

1. يأتي هذا القرار بقانون في سياق النهج السائد منذ نشوء السلطة الفلسطينية في التعامل مع المؤسسات الأهلية بنظرة الشك والريبة، وليس من منظور الشريك والرقيب على حالة حقوق الإنسان بهدف تعزيز الحقوق والحريات ومرتكزات الشفافية والحكم الصالح. والانهيار المتسارع الحاصل في النظام السياسي وبخاصة في السنتين الأخيرتين. والتنكر للاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين واستحقاقاتها. ويدلل، بذات الوقت، على أن المرسوم الصادر عن الرئيس بتاريخ 20/02/2021 بتعزيز الحريات العامة المستند بدوره لتشريعات الطوارئ حاله كحال الاتفاقيات لا رصيد له على أرض الواقع، ولا يعدو كونه استخفاف بعقول الناس وبالقانون الأساسي وبالحقوق الطبيعية المُصانة بموجب أحكام الدستور.

2. هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية لسنة 2000 الذي أقره المجلس التشريعي، تمكنت محاولات السلطة التنفيذية خلال السنوات السابقة من إحداث التشويه في القانون وفشلة محاولات أخرى، وصولاً إلى تلك التعديلات الخطيرة التي أطاحت بقانون الجمعيات. فقد سبق وأن أصدر الرئيس محمود عباس القرار الرئاسي رقم (8) لسنة 2007 بالاستناد إلى مرسوم إعلان حالة الطوارئ بتاريخ 14/06/2007 ونص على تكليف وتفويض وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات المناسبة بحق الجمعيات التي تُمارس نشاطات مخلة بالقانون وبشكل فوري، ووردت تلك العبارات على نحو واسع وفضفاض ودون أية معايير أو ضوابط، كما ومنح القرار وزير الداخلية تفويضاً مفتوحاً لوقف تلك الجمعيات والهيئات الأهلية. ورفع تقرير أسبوعي بهذا الخصوص إلى مجلس الوزراء. وقد أدى هذا القرار الرئاسي إلى حل ما يزيد على (100) مؤسسة أهلية ولا تزال مُنحلة ولم يتم إنصاف تلك المؤسسات لغاية الآن. ما يُنذر بحل المزيد من المؤسسات الأهلية.

3. أصدر الرئيس محمود عباس القرار بقانون رقم (6) لسنة 2011 بعديل قانون الجمعيات عدَّل بموجبه نص المادة (39) من القانون بهدف السيطرة على أموال الجمعيات المنقولة وغير المنقولة التي يتم حلها وإحالتها إلى “الخزينة العامة”. حيث كان النص الوارد في القانون الأصلي الذي أقره المجلس التشريعي (المادة 39) يؤكد صراحة على أنه إذا حُلّت الجمعية يُعين لها “مُصفّ بأجر” يقوم بجرد أموالها ومحتوياتها ويجري التصرف فيها طبقاً لما هو مذكور في نظامها الأساسي، وإذا لم يذكر النظام الأساسي للجمعية كيفية التصرف بأموالها بعد حلها يتم تحويل أموالها إلى جمعيات ذات غاية مماثلة. التعديل الأخير بالقرار بقانون 2021 زاد من تغول السلطة التنفيذية على الجمعيات حيث أجرى تعديلاً للمرة الثانية على المادة (39) من قانون الجمعيات ونص على أن تقوم الدائرة المختصة في وزارة الداخلية “بنفسها” بإجراءات تصفية الجمعيات وجرد أموالها بعد حلها ورفع تقرير بالتصفية إلى وزير الداخلية لإحالة أموالها المنقولة وغير المنقولة من خلاله (وزير الداخلية) إلى الخزينة العامة. يبدو أن الإصرار على “التنكيل” بهذا النص تحديداً يوحى بنية مبيته لحل أعداد جديدة من المؤسسات الأهلية من خلال وزارة الداخلية وتصفيتها وجرد أموالها من خلال وزارة الداخلية وتحويلها إلى الخزينة العامة. نحن أمام عملية مصادرة لأموال الجمعيات والمؤسسات التمويلية الشريكة وانتهاك صارخ للقانون الأساسي الذي أكد صراحة في المادة (21) فقرة (4) بأنه “لا مصادرة إلا بحكم قضائي” وانتهاك للمعايير الدولية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات.   

4. أصدر مجلس الوزراء نظاماً بتاريخ 07/07/2015 بشأن الشركات غير الربحية، التي تُمارس ذات الأهداف والغايات التي تقوم بها الجمعيات بموجب قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، كون الفارق بينهما يكمن في إجراءات التسجيل التي هي وزارة الداخلية بالنسبة للجمعيات ووزارة الاقتصاد الوطني بالنسبة للشركات غير الربحية. نظام مجلس الوزراء سار على ذات “النهج” في التغول على الشركات غير الربحية ومصادرها المالية. وقد نص النظام المذكور على إخضاع مصادر التمويل المالي للشركات غير الربحية للرقابة والموافقة المُسبقة من الحكومة “كشرط للحصول على التمويل” وبيان الغاية من ورائه. وهذا يتقاطع أيضاً مع التعديلات الأخيرة (2021) على قانون الجمعيات كما سنرى. عملياً، تقوم الشركات غير الربحية بتعبئة نموذج لدى وزارة الاقتصاد الوطني للحصول على التمويل ومن ثم يُرفع الطلب من خلال مُسجّل الشركات في الوزارة إلى جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات العامة، وفي حالة موافقة الجهازين الأمنيين معاً على الطلب يتم إحالته إلى مجلس الوزراء لمناقشته والنظر في عملية إقراره. بما يدلل على حجم الانتهاكات الصارخة للدستور والمعايير الدولية.

5. رغم تأكيد السلطة التنفيذية مراراً وتكراراً بأنها لا تسعى إلى تعديل قانون الجمعيات، فقد جرت عدة محاولات للتغول على الجمعيات والسيطرة على أموالها والمؤسسات التمويلية الشريكة في السنوات السابقة، ففي أيار 2015 صدر قرار عن الرئيس محمود عباس بتشكيل لجنة استشارية لشؤون الجمعيات تتبع الرئيس ونص القرار الرئاسي على أن تقوم اللجنة بإعداد “تقرير تفصيلي شامل” عن المؤسسات الأهلية في فلسطين وأية مهام تُكلف بها من قبل الرئيس، ونص القرار على أن تُقدم هذه اللجنة تقارير عن نتائج أعمالها إلى الرئيس فقط، وكأن النتائج سرية ولا تخص المؤسسات الأهلية ذاتها. هذا القرار الرئاسي مخالف لقانون الجمعيات والقانون الأساسي والمعايير الدولية بشأن الحق في حرية تكوين الجمعيات.

6. أعدت السلطة التنفيذية أيضاً مشروع قرار بقانون معدل لقانون الجمعيات في العام 2018 سعى إلى الإطاحة بقانون الجمعيات 2000 الذي أقره المجلس التشريعي، والتغول على الجمعيات والتحكم بها وبأنشطتها ومصادرها المالية والمؤسسات التمويلية الشريكة، بذات النهج في السرية، وقد تمكنت المؤسسات الأهلية في ذلك الوقت من رصده، وقد نص هذا المشروع الخطير، من بين أمور أخرى، على وجوب استغلال الأموال غير المنقولة للمؤسسات الأهلية خلال ثلاث سنوات من تاريخ التملك وبغير ذلك يُصار إلى بيعها في المزاد العلني من قبل السلطة التنفيذية، ومنح وزارة الداخلية صلاحيات واسعة للتدخل في شؤون الجمعيات بتحديد ولاية مجالس إدارتها بأربع سنوات ووجوب إشراف وزارة الداخلية على انتخابات مجالس الإدارة و

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات