الأربعاء 26/يونيو/2024

حل الدولتين.. رؤية أمريكية يكذبها واقع ميداني وسياسي

حل الدولتين.. رؤية أمريكية يكذبها واقع ميداني وسياسي

تجسيد حل الدولتين واقعيًّا الذي عاد “بايدن” الرئيس الأمريكي الجديد للحديث عنه كالتعلق بذيل نجمة تحلق خارج فضاء الكرة الأرضية، فما كان محتملا قديماً أصبح الآن ضرباً من المستحيل.

منذ بدأت منظمة التحرير الفلسطينية مشروع التسوية مع “إسرائيل” برعاية أمريكية عام 1993م يجري الحديث عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة فوق أرض 1967م، لكن تهويد ومصادرة معظم أراضي الضفة والقدس، وقانون يهودية دولة “إسرائيل” منح حل الدولتين شهادة وفاة مبكرة.

لماذا تكرر الإدارة الأمريكية رؤية حل الدولتين؟ وما هو موقف السلطة الفلسطينية من الطرح المتجدد في زمن التطبيع وخطة الضم؟ التواء علامة الاستفهام لا يميل سوى لواقع سياسي يكشف عن تضليل في السياسة الأمريكية قد تدفع باتجاه كيان خالٍ من كل أشكال السيادة ومشروع دولة.

وكان وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية “بلينكن” أكد قبل أيام أن حل الدولتين هو “ضمان لمستقبل إسرائيل كدولة يهودية” وهو تناقض ناصع الصراحة مع تكرار إدارة “بايدن” رؤيتها لحل الصراع على أساس إقامة دولة فلسطينية واستئناف التسوية.

وحرصت أمريكا على إقصاء أي طرف سياسي أو دبلوماسي لرعاية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عام 1991م ما جعل انحيازها لجانب الاحتلال عامل إضعاف مستمر للسلطة الفلسطينية التي لم يتمرد مفاوضها عن الطوق الأمريكي.

عرف وتضليل

الحديث عن دولة فلسطينية أشبه بقطعة جبنة سويسرية مليئة بالثقوب “المستوطنات”، لكن حتى القطعة الآن أصبحت أصغر مما كانت، ولا تشبع ظمأ الفلسطيني المتقد لكيان مستقل.

حين بدأت التسوية ووقع الطرفان اتفاق أوسلو، جرى الحديث عن مستقبل دولة فلسطينية فوق قرابة 20% من أرض فلسطين التاريخية فوق أرض غزة والضفة المحتلة، لكن انهيار التسوية رافقه قضم وتهويد لم يبق سوى 10% فقط من الأرض.

ويؤكد د. محمود العجرمي، المحلل السياسي، أن الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في سياسة التضليل والكيل بمكيالين، فهي تتحدث عن حل دولتين، بينما يزداد -بموافقتها- الاستيطان لتغيير واقع ميداني وسياسي على الأرض.

مبدأ تقسيم الأرض وإنشاء دولتين بدأ تاريخيًّا منذ قرار التقسيم (181) عام 1947م، وبعد النكبة تغير الواقع حتى وصلت القضية الفلسطينية لملف التسوية والمفاوضات التي لم تصل للمرحلة النهائية وجوهرها أهم الثوابت “القدس-الحدود-الدولة-العودة”.

ويضيف المحلل العجرمي لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الإدارة الأمريكية تمارس تناقضا، فبلينكن نفسه قال سابقاً إن حل الدولتين أصبح خلفنا؛ لأنّ الواقع لا يعطي أفقاً له”.

لا يختلف طرح الإدارات الأمريكية سواء الجمهورية أو الديمقراطية عن مقاس الرؤية الإسرائيلية لكيان دولة فلسطينية، والصورة غير مبشرة في عهد “بايدن” الذي عد حزبه الاستيطان حتى مطلع التسعينات غير قانوني، ثم عاد حزبه لاحقاً لدعم الاستيطان.

ويصف د. تيسير محيسن، المحلل السياسي، تكرار الإدارات الأمريكية لحل الدولتين دون الولوج في كافة تفاصيله بأنه أضحى عرفا في السياسة الخارجية الأمريكية مع الحرص على بقاء “إسرائيل” دولة آمنة وسيدة الشرق الأوسط.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الآن بايدن يكرر حل الدولتين لطمأنه حليفه الاستراتيجي إسرائيل دون مخالفة لدعمه يهودية الدولة التي أقرها الجمهوريون والديمقراطيون سواء، هذا يقلل التفاؤل بشأن جدية رؤية بايدن لحل الدولتين”.

ومع تمسك السلطة الفلسطينية بحل الدولتين، كانت تجاري دوماً الطرح الأمريكي الذي تقزّم من مطلع التسوية إلى عام 2021م لحل غير واقعي يطرح كيانا منقوص الحقوق كافة، وهي تفقد معظم أرض الضفة والقدس المحتلة.

ويجمع مراقبون أن الشرق الأوسط عدا ملف “غاز شرق المتوسط” لم يعد على سلم أولوية الإدارة الأمريكية الجديدة في ظل احتدام صراعها مع الصين، وتقاسم النفوذ مع روسيا، وانشغالها بملف كورونا وملفات أمريكية حساسة.

سباق التسوية

الإدارة الأمريكية في عهد “بايدن” تدعم المشروع الصهيوني بالكامل وإن كانت تدهن عجلة التسوية بالعسل، وتنتقي تصريحات دبلوماسية تدغدغ المشاعر، وتعد بحلم فلسطيني تكذبه وقائع الاستيطان والتهويد الذي لم يقف يوماً.

شريط الذاكرة مليء بمحطات أثبتت فيها الإدارات المتعاقبة لأمريكا أنها لم تكن يوماً لجانب الحقوق الفلسطينية، وهي تصوّت بالفيتو والرفض عشرت المرات ضد فلسطين في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويقول المحلل العجرمي، إن أمريكا سمحت في إدارة “ترامب” بخطة ضم الضفة، كما منحت صكّ تشريع باطل لاحتلال الجولان، والآن تحاول استدراج السلطة الفلسطينية لمفاوضات ماراثونية، وتعدها بحل الدولتين، ولم يتبق من الأرض أكثر من 10%.

وإذا كان منحدر الاستيطان هوى بحلم الدولة الفلسطينية الموعودة، فما هو شكل الدولة الذي تطرحه أمريكا الآن كشريط الوصول في سباق التسوية الذي يمضي في طريق مظلم؟!.

الخطير في واقع فلسطين المحتلة وممارسات الاحتلال، أن “صفقة القرن” قفزت عن آخر مشروع عربي للصراع “المبادرة العربية” عام 2002م على أساس الأرض مقابل السلام، وقد أضحى الحال أسوأ في زمن التطبيع وتغير الواقع.

يؤكد المحلل محيسن أن الرؤية الأمريكية لن تمس واقع الاحتلال، وأنها لن تختلف كثيراً عن جوهر “صفقة القرن” وأن بنية الدولة الفلسطينية ستكون عبارة عن تجمع لمراكز المدن بشكل “أكبر من حكم ذاتي وأقل من دولة” منقوصة السيادة على الصعيد الدفاعي والسياسي والعلاقات الدولية بكاملها.

ووفق عمل نظام الإدارة الأمريكية، لا يمكن التمرد جوهريا على سياسات أي رئيس أمريكي اتخذ قرارات تجاه القضية الفلسطينية، فدعم وتسييد “إسرائيل” يمضي بالمطلق على أنها حليف استراتيجي في المنطقة.

قرار نقل سفارة أمريكا للقدس اتخذ في عهد إدارة الديمقراطيين زمن “كلينتون” عام 1996م وعندما حل “ترامب” رئيساً نفذ قرار الكونجرس السابق فقط عملاً بنظام إدارة أمريكية سابقة للبيت الأبيض، ما يعني أن قوس الأزمة يخنق حلم دولة فلسطينية مستقبلاً.

يتجهز الفلسطينيون بعد 15 عاماً من الانقسام لتجديد شرعيات مؤسساتهم تناغماً مع خارطة جديدة ترسمها أمريكا في الإقليم، لكن قانون يهودية الدولة وخطة الضم وواقع القدس والتنكر للثوابت الوطنية، لن تدفع سويًّا نحو مستقبل دولة منعها الاستيطان المتزايد برضى أمريكي أي فرصة للحياة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال ينفذ 21 عملية هدم في الضفة والقدس

الاحتلال ينفذ 21 عملية هدم في الضفة والقدس

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامنفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، 21 عملية هدم في الضفة الغربية والقدس المحتلة، إلى جانب منزل...

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، منزلين في رام الله وأريحا، ضمن انتهاكاتها المتصاعدة ضد...