في خضم اللعبة الانتخابية.. هل حان وقت رحيل حصار غزة؟!
وصفة رحيل حصار قطاع غزة المستمر من 14 عاماً هو الاختفاء الكامل وليس التخفيف، فإقحام حياة أزيد من 2 مليون إنسان يعانون إنسانيًّا واقتصاديًّا لا تنتهي باستمرار انتهاك الاحتلال لمبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وشكّل حصار قطاع غزة مفصلاً في تطورات المشهد السياسي والأمني بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي الذي واصل خنق الحياة اليومية بالمضايقات واستخدم ورقة الحصار في ملفات العدوان والجنود الأسرى بغزة.
وفقد آلاف المرضى الفلسطينيين حياتهم وهم ينتظرون تصاريح الدخول لتلقي العلاج في مستشفيات الضفة والداخل المحتل أو السفر للجارة مصر، بينما يشكو الآلاف من نقص الأدوية خاصّة أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة.
وبلغت خسائر قطاع غزة من حصاره المستمر منذ عام 2006 أكثر من 17 مليار$ بينما بلغت تقديرات اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار في غزة عام 2020م 1-1.5 مليار$.
وهدد الحصار وجائحة كورونا الأمن الغذائي لحوالي 70% من الأسر بغزة، فيما يعيش أكثر من 85% تحت خط الفقر، فيما أكثر من 350 ألف عامل مُعطل عن العمل، حسب إحصاءات رسمية من غزة.
وشكل حصار غزة محطّة للحوار في كل جولة عدوان طالبت فيها المقاومة برفعه برّاً وبحراً، لكن الاحتلال يواصل تنكّره لاتفاقيات التهدئة وآخرها عقب عدوان 2014م رافضاً تنفيذ ما وقع عليه.
حصار شامل
مع ميلاد مشهد سياسي جديد في الإقليم بعد فوز “بايدن” رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وآفاق الانتخابات الفلسطينية المقبلة في زمن التطبيع العربي، يعود حصار غزة للواجهة، فهل آن أوان رحيله أم سيبقى مستمرا للحظة الأخيرة من استقرار المشهد السياسي.
خارطة جديدة بانتظار الإقليم، وغزة على ضعفها وأزماتها جزء إلزامي في المشهد الذي يتفاءل كثيرون معه بعودة الحياة إلى طبيعتها بعد 14 عاما من الحصار والانقسام.
الحديث عن عودة المفاوضات مستقبلاً بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” لن يتم إلا بوحدة غزة والضفة المحتلة في موقف سياسي قد تنتجه انتخابات تشريعية مرتقبة.
ويؤكد المحلل السياسي د. مشير عامر، أن ملف حصار غزة لا يزال يراوح مكانه وأن فوز الرئيس الأمريكي “بايدن” وآفاق عودة التسوية لن يغير في الوقت القريب من ملف حصار غزة.
الدعم الأمريكي سواء من خلال إدارة “بايدن” أو من قبله “ترمب” لـ”إسرائيل” شأن استراتيجيًّ يقوم على التحالف بينهما سياسيًّا واقتصاديًّا، واستمرار الحصار كان ولا يزال مصلحة إسرائيلية بالدرجة الأولى في الصراع مع الشعب الفلسطيني.
ويضيف المحلل عامر لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “إدارة البيت الأبيض تتحدث وفق المصلحة الإسرائيلية، وإن وقع تخفيف قريب سيكون ضعيفا، لن يغير الواقع؛ لأن المشهد مرتبط بتمسك غزة بالمقاومة، وأي زوال للحصار معناه نجاح خيار المقاومة”.
وكانت مؤسسة “بيتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان أصدرت تقريرا قبل أيام بعنون “نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد”، في إشارة للعنصرية والتمييز الذي تمارسه “إسرائيل” تجاه سكان وأراض الفلسطينيين وغزة.
يقول د. جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة حصار غزة: إن معاناة قطاع غزة الإنسانية مستمرة منذ 14 عاماً، وإن الاحتلال لم يجر أي تخفيف أو إزالة حقيقية لمعالم الحصار المتواصل.
ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الحل لعودة الحياة إلى طبيعتها هو رفع الحصار بشكل كامل لأنه مخالف للقانون الدولي والإنساني واتفاقية جنيف الرابعة والإعلان العالمي لمبادئ حقوق الإنسان، الأمم المتحدة والمؤسسات الدولة أقرت مراراً بضرورة رفعه”.
وشلّ حصار قطاع غزة المتواصل أشكال الحياة الاقتصادية والتجارية كافة، ونال من المشهد الإنساني عامة خلال فترات العدوان الإسرائيلي المتكرر وإغلاق المعابر الحدودية.
وأغلق الحصار 80% من المصانع منذ بدايته الحصار، وتراجع مُعدل الإنتاج في المصانع العاملة إلى 20%، بسبب الحصار، ومنع دخول المواد الخام، وتقييد حركة الاستيراد والتصدير، فيما تدهور الوضع الاقتصادي لعمال المياومة وأصحاب المحال التجارية والورش.
ويشير د. الخضري أن قطاع غزة كان يصدر قبل بدء الحصار 200 شاحنة للعالم الخارجي محملة ببضائع تجارية وزراعية ومنتجات عديدة كمخرجات تصدير من قطاعات الصناعة والزراعية التي عمل بها عشرات آلاف العمال والحرفيين.
وتوقفت في سنوات الحصار مشاريع عربية ودولية زادت قيمتها عن 500 مليون$ في كل عام، وقد تقلصت تقلصا شبه كامل، ما أدى لتوقف عجلة التنمية والاقتصاد وبلوغ مؤشر البطالة أكثر من 70%.
وأدى إغلاق معابر غزة ومنافذها مع العالم “البريّة والبحرية والجوية” إلى توقف حركة الاستيراد والتصدير، بينما منحت “إسرائيل” نفسها حق منع إدخال عشرات المواد اللازمة للصناعة والزراعية بذرائع واهية.
وكانت السلطة الفلسطينية قد وقعت قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م اتفاقية لإنشاء ممر آمن يربط غزة بالضفة، لكنه توقف بعد عدة سنوات وفقدت غزة تواصلها مع هذا الجزء المهم من الوطن.
ويوضح الخضري أن قطاع غزة لم يعد يصدر أكثر من 10-15 شاحنة للخارج يوميًّا، وأن حرمانه من حرية الحركة والتجارة على المعابر البرية، ومنعه من إنشاء منفذ بحري، وتدمير مطاره الجوي راكم من أزماته الإنسانية والاقتصادية.
استراتيجيات الحصار
المقايضة السياسية تبدو واضحة في ملف الحصار، وأي حراك في حصار غزة لن يكون بغير ثمن سياسي، أما تحسن علاقات إدارة “بايدن” بالسلطة الفلسطينية، التي يرافقها الآن عودة الدعم وإعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، فلن يزيل حصار غزة.
لا تزال مشاهد قوافل المتضامنين مع حصار غزة من أنحاء العالم عالقة في الذاكرة، فقوافلهم البحرية أو البريّة كانت تنتهي مراراً بالمصادرة والاعتقال على يد بحرية الاحتلال، وقد دفع بعضهم حياته ثمناً لذلك في سفينة مرمرة التركية عام 2009م.
الناس في قطاع غزة تعلّموا بالتجربة والمعاناة ما تمارسه “إسرائيل” من استراتيجيتين في ملف الحصار والإغلاق: الإغلاق التام الذي يوصد كافة الأبواب والمنافذ، كآلية حصار شاملة.
أما الاستراتيجية الثانية، فهي الإغلاق المتنفّس، حتى يبقى الإنسان على قيد الحياة ولا يموت، يرافق ذلك التخفيف عن السكان أو التشديد جزئيًّا وفق المصلحة السياسية والأمنية الإسرائيلية.
يقول المحلل عامر، إن التطبيع العربي مع الاحتلال زاد من غياب مطالبات رفع الحصار الذي غاب أيضاً عن اهتمام الإعلام الغربي والعربي، ونسي العالم هموم كورونا بغزة التي يحجب عنها الاحتلال العلاج والإمدادات الطبية.
وطوال 14 سنة، استدعى 2 مليون فلسطيني بغزة صموداً للتكيف مع الحصار الكامل أو التخفيف الجزئي بمنحنى متذبذب حسب تطورات مشهد السياسة والميدان؛ بينما انشغل العالم بملفات قفزت عن حصار غزة مثل أزمات سوريا واليمن وإيران.
ويؤكد المحلل العسكري اللواء يوسف شرقاوي لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن “إسرائيل” تواصل حصار غزة لسبب رئيسي؛ هو بقاء وتطور المقاومة، وأن نجاح الانتخابات الفلسطينية لن يزيل ملامح الحصار طالما صمدت المقاومة وتمسكت بسلاحها.
وفي ظل تغوّل الاحتلال على الضفة والقدس المحتلة وفق خطة الضمّ وتعزيز الاستيطان، تحملت غزة المحاصرة عبء الكثير من تفاصيل القضية الفلسطينية؛ مما دفع أهلها إلى التكافل الاجتماعي.
يرى الخبير في الشئون الإسرائيلية د. ناجي البطة، أن حصار غزة فاق ما تقوى عليه دول في الإقليم، وأن ملامحه ساهمت في تشكيل صورة يومية للمضايقات على الصُّعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “إن جرت انتخابات ربما يبقى الحصار، والموقف الدولي مرتبط بعودة رئاسة السلطة لممارسة كامل صلاحياتها بالاتفاق معهم”.
ولا تزال غزة المثقلة بهموم الفقر والبطالة وأزمات الرواتب، تترقب زوال حصارها الذي زاد عن 14 عاماً، تغيرت فيه أنظمة وسياسات في الإقليم، ولم تتغير فيها جريمة الحصار كجريمة حرب تخنق أكثر من 2 مليون إنسان، والعالم يشاهد بصمت.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

27 شهيدًا و85 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 27 شهيدًا، و85 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في الأقصى
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أدى عشرات آلاف الفلسطينيين صلاة الجمعة، في المسجد الأقصى المبارك وباحاته، وسط تشديدات وإجراءات مكثفة فرضتها...

الاحتلال يواصل عدوانه على طولكرم لليوم الـ103
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة طولكرم ومخيميها لليوم الـ103 على التوالي، ولليوم الـ90 على مخيم...

1000 شهيد و6989 مصابًا في الضفة منذ 7 أكتوبر
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطي" استشهاد 1000 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر...

استطلاع: نتنياهو يحصل على 48 مقعدًا والمعارضة 62
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام كشف استطلاع رأي نشرته صحيفة معاريف، اليوم الجمعة، أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيحصل على 48 مقعدًا في...

الاحتلال يعترف بمقتل جنديين في اشتباكات رفح ويكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام نشرت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الجمعة، تفاصيل ثقيلة لخسائر صفوف جنوده خلال اشتباكات وقعت يوم أمس في...

اعتقال 4 فلسطينيين من الخليل
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، 4 فلسطينيين خلال اقتحامات متفرقة في مدينة الخليل جنوبي الضفة...