السبت 19/أكتوبر/2024

مقام النبي موسى في كل فلسطين

صلاح الدين العواودة

مشهد الحشود الفلسطينية التي تداعت الجمعة 1/1/2021 من أرجاء الوطن إلى مقام النبي موسى عليه السلام شرقي القدس، تحمل كثيراً من الإشارات والعبر، فضلا عن غيرة أبناء الشعب الفلسطيني على مقدساتهم وتراثهم وثقافتهم ووطنهم، فهذه الهبّة تحيي في نفوس ووعي كل فلسطيني، بل وكل عربي وكل مسلم، أهمية الرّباط في فلسطين كلها، فالعدو لا ينفذ إلينا إلا من الفراغات والفجوات والثغرات في جُدُرنا الجغرافية والثقافية، فلولا أنه وجد شبابا فارغين ثقافيًّا لما استطاع أن يسول لهم مثل هذا العمل، ولو لم يجد المقام خالياً لما استطاع هؤلاء أن ينفذوا إليه.

وهذا حال وطننا بأكمله فحيث لا توجد أنت سيملأ الفراغ العدو، فالمستوطنات كلها تقريبا أقيمت على الأراضي الفارغة، فرغم امتلاك الفلسطينيين لكل الأرض إلا أن المستوطنات بنيت على القمم الخالية من السكان بل من الأشجار أيضاً، وفي كثير من الحالات هب الفلسطينيون للدفاع عن أرضهم بوقفات الرباط فيها وزراعة الزيتون والأشجار والحراثة، ولكن الخطوة غالباً ما جاءت متأخرة.

منذ نشأة الحركة الصهيونية، بل منذ بدء التفكير بإنشائها بدأ الصهاينة بتجنيد كل إمكانياتهم المالية وعلاقاتهم السياسية، لإنشاء المستوطنات، وتحت الشعار “أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض”، -وإن لم تكن فلسطين يوماً بلا شعب – استوطن الصهاينة في كل جبل وكل سهلٍ وكل وادي، وفي الوقت الذي وجد المستوطنون كل الدعم المالي والعسكري والسياسي لمستوطناتهم تم حصار الفلسطيني والتضييق عليه كي لا يستطيع حماية أرضه بل ولا حتى فلاحتها والاستفادة منها، وكثير من أرض الريف الفلسطيني تركت فارغة كمراعٍ للأغنام دون استصلاح لا لسبب غير قلة حيلة أصحابها ومنعهم من البناء والسكن فيها حتى سوّلت للمستوطنين أنفسهم بأن يستولوا عليها غصباً.

ومن الموضوعية أن نقول إنّ الفلسطيني وحده لا يستطيع أن يسكن في كل جبل وكل سهل وكل وادي، لا سيما وهو ملاحقٌ ومحاصرٌ ومضيقٌ عليه من القريب قبل البعيد، بل ومن الفساد المعشعش في السلطات والمنظمات المسؤولة عنه وعن توفير أسباب الصمود والمقاومة له.

اليوم لم يكتف المستوطنون بكل ما استولوا عليه من فلسطين، بل يمدون أعينهم إلى بيوت الفلسطينيين ودور عبادتهم ومقدساتهم، تهويدا واستيطانا، وتوسعاً في القدس والخليل، وأرجاء الوطن الفلسطيني المسلوب، فالبيوت والمحال التجارية تتعرض للسطو، بين محاولات الترغيب للبيع بمبالغ فلكية ومحاولات الترهيب بالضرب والتكسير والتدمير والحصار والتحرش، وسد أبوب الرزق عن أصحابها، وهو ما يجسد معنى الرباط لكل فلسطيني باقٍ على أرض فلسطين، كما أن المستوطنين لم يكتفوا بالاستيطان المنظم والممنهج، عبر مؤسسات الاحتلال وحكومته فانطلقوا يشنون حملات استيطان شرسة ووحشية وخارج إطار الاستيطان الرسمي للكيان، يحتلون الأرض ويهاجمون أهلها بالاعتداء والضرب والإحراق والتخريب تحت مسميات شتى مثل فتية التلال وشارة الثمن (التسعيرة).

ويزيد الأمر خطورة اليوم ما نشهده من تهافت على التعاون العلني الوقح والفج من بعض الأنظمة العربية مع المستوطنين، فبعد أن كانوا يرتكبون خيانتهم سرًّا بشراء العقارات الفلسطينية، بمسميات عربية لصالح المستوطنين، نجدهم اليوم يستضيفون المستوطنين على أراضيهم ويوقعون الاتفاقيات معهم في احتفاليات وقحة، لشراء منتجات المستوطنات، التي استحى الأوروبيون من شرائها، دعما للاستيطان والمستوطنين، فبدلا من دعم الفلسطينيين وتعزيز صمودهم كما يتطلب دينهم ولغتهم، يدعمون المستوطنين عينك عينك وبكل وقاحة ، وهنا تظهر أهمية الرباط وأهمية التواجد والبقاء في كل بقعة من الوطن المقدس، فكل جبل وكل صخرة وكل وادي وكل شجرة، وكل دكان ٍ وكل غرفة هي بقعة مقدسة في هذا الوطن وهي أرض رباط لمن رابط فيها، ولا يدرك أهمية الرباط هذه ولا قدسيتها أحدٌ كالفلسطيني الذي حرم منها، فقد يضيّق الاحتلال والمتعاونون معه على الفلسطيني بكل السبل ليترك وطنه، لكن هذا يجب ألا يزيد الفلسطيني إلا إصرارا وثباتاً وتمسكاً بوطنه، فأنت أيها الفلسطيني على ثغرةٍ من ثغرات الوطن فلا يُؤتينّ من قبلك!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

أبو زهري: شمال غزة يتعرص لإبادة كاملة

أبو زهري: شمال غزة يتعرص لإبادة كاملة

إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام أكد القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري أن بشاعة الجريمة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في شمال غزة هي أكبر من أن...