الخميس 01/مايو/2025

مالِك والحرية !

د. أسامة الأشقر

كان شابّاً يتوقّد حماسةً من أسرة نبيلة تنحدر من تلال بلدة صور باهر بين القدس وبيت لحم.

كانت حماسته التي تنشّأ بها تتوقّد على نار سريعة بين أسنان الجرافات التي تقتطع من بلدته لتضمها إلى غول المستوطنات، وبين هجمات المستوطنين واقتحاماتهم للأقصى، وبين أصوات الحزانى على تغييب الأنباء في غياهب سجون الاحتلال، وبين رقع الدماء التي تأبى الحجارة الغاضبة أن تزول عن قشرتها…

كانت نفسه غاضبة مشتاقة، مندفعة حساسة

وكانت عينه مفتوحة على فوهات مشاهد الوجع اليومي

وكانت أذناه تصغيان بحسرة إلى كلمات الموجوعين وآهاتهم العميقة

وكلما دخل إلى الأقصى الغريب غاص في أسراره المكتومة، وكأنه يسمع همس الحجارة القديمة تدفعه لفعل شيء ما، فقد كانت حجارة الأقصى تعرفه قديماً منذ أن اعتكف في الأقصى وهو في السادسة من عمره، وهو يلعب في ساحاته بجلبابه الأبيض الصغير، ويتسور حيطان منازل البلدة القديمة ناحية باب المطهرة ليدخل المسجد مزهوّاً بانتصاره!

اعتقلوه في رأس السنة الميلادية 2001 لحيازة سلاح صغير هو للحماية أقرب منه للهجوم، وأنه يخطط لهجوم ما مع رفيقيه!

ومع ذلك فلم يكن الحكم يتناسب مع تلك “الجريمة” فحكموا عليه بـ 19 عاماً من شبابه الحيّ، وانتزعوه من عروسه التي احتضنت في أحشائها نطفة ابنته التي غدت عروساً “لينة” زاهرة بعد انقضاء مدة أسره!

“لينة” التي عاشت بين جديها وأعمامها وعماتها، والتي لم تعرف أباها إلا من وراء القضبان، فتعلّقت به أشد التعلّق، وتحققت في أنها ضحية المحتل البغيض وابنة أسير ماجد، واعترفت بقدَرها، وتعايشت معه بقناعة ورضا كما فعل والدها بصبره واحتسابه في كل عيد وفي كل مناسبة تمر على أسرته دون أن يكون جزءاً منها !

مالك ناجح بكيرات ذاك الفتى المقدسي ابن الشيخ المقدسي الجليل وابن المرأة الداعية الصالحة الصابرة، يخرج للشمس بعينيه المضيئتين، ويتنفّس حريّة، كان يتمنى لو كانت حرية مقرونة بالتحرر!


وهو مستعد الآن لحريته بشهادة ماجستير في الإدارة نالها في السجن، وشهادات أخرى في معارف شرعية يحتاجها كل مسلم!

كل حجارات القدس تستقبله بلهفة، وتضمّه بوجع، وتفرح له بِهمّ، وتحنو عليه بكرامة، وترفعه بفخر!

وإن لم ترتفع له الرايات في استقباله، أو تحتشد له الجموع التي تحبه – لأن المحتل أراد أن يحرمه من فرحة تلك اللحظة – فإن كل فضاء مقدسي جميل يمتد في أفق مبارك مفتوح لا يعرف الحدود… يسلّم عليه !

فسلامٌ عليك يا مالك !

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات