الجمعة 27/سبتمبر/2024

أطفال متلازمة سوء امتصاص السكر بغزة.. كورونا تفاقم المأساة

أطفال متلازمة سوء امتصاص السكر بغزة.. كورونا تفاقم المأساة

في الأيام العادية تعجز عائلات الأطفال المصابين بمتلازمة “سوء امتصاص السكر” عن توفير الحليب الضروري لاستمرار حياة أبنائهم، ولكن مع حلول جائحة “كورونا” أضحى توفير الحليب حلماً بعيد المنال.

ويعاني مرضى متلازمة “سوء امتصاص السكر” من صعوبة في امتصاص سكر “جلوكوز وجلاكتوز” من جميع أنواع الطعام والحليب، لذا يضطرون لتناول حليب خاص وأطعمة محددة، وإلا تدهورت حالتهم الصحية وتعرضوا للموت.

ويحصل الأطفال الرضع والبالغون على الحليب الخاص بمرض متلازمة سوء امتصاص السكر من وزارة الصحة، لكن الكمية المخصصة لهم لا تكفي، وجائحة كورونا حالت دون تمكن المتبرعين والمتضامنين مع معاناتهم من إرسال الحليب لقطاع غزة.

وخلال حصار غزة لاقت قضية الأطفال المرضى تعاطفاً وتضامناً من فلسطينيين بالضفة والداخل المحتل نجحوا في إرسال الحليب للأطفال عشرات المرات، لكن جائحة كورونا والتشديد على المعابر والتنقل منعهم من إرسال الحليب مع أي مسافر أو جهة إنسانية.

3 ضحايا ومريضيحاول السيد كمال زعرب (35 عاما) من مدينة خان يونس التكيّف مع معاناة متلازمة سوء امتصاص السكر التي اختطفت 3 من أطفاله، وأبقت له طفلة مريضة. 

يقول زعرب لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “قتل هذا المرض 3 من أطفالي بسبب تدهور حالتهم الصحية، وعجزنا عن توفير الحليب بانتظام؛ وهم عاطف (6 أشهر)، ويحيى (شهر واحد)، وأحمد (3 أشهر)، والآن سلوى (6 سنوات) حالتهم الصحية مهددة بالموت”.

وكان زعرب تفاجأ مع ميلاد طفله الأول بأعراض مرضية لازمته من يومه الأول مثل الإسهال والجفاف قبل أن يبدأ في تلقي العلاج داخل مستشفيات قطاع غزة وخارجها ليكتشف الأطباء مرض طفله الأول الذي توفي به ولحق به اثنان من أشقائه.

ويضيف: “طفلتي الرابعة سلوى ظهر معها المرض نفسه، وكانت في أشهرها الأولى تحتاج 10 علب حليب، وعندما تعالجت في مستشفى المقاصد بالقدس أكدوا ضرورة تناولها طعاما خاليا من المواد الحافظة وغير مثلج”.

وتتعثر خطوات زعرب كل شهر وهو يحاول توفير علبة الحليب التي لم تصل بانتظام أو كمية كافية متجشماً عناء توفير طعام خاص مثل الفواكه والأسماك الطازجة وهي تكبر عاماً بعد عام.

ويتابع: “هناك مشكلة دائمة في توفير الحليب، تلقيت قبل أيام علبتين فقط في حين أحتاج 6 شهرياً، ولا أستطيع تعويضها بأطعمة عادية. كان أهل الخير يسمعون بمشكلتي ويرسلون الحليب من الضفة والداخل المحتل لكن جائحة كورونا تمنعهم الآن”.

وتعد وزارة الصحة في رام الله الجهة الوحيدة التي تصرف حليب مرضى متلازمة سوء امتصاص السكر من نوع (GALACTOMIN 19 FORMULA)، في حين يبلغ ثمن العبوة من السوق 500 شيكل، ولا تتوفر دائمًا.

نزيل المشفى الدائم

تمضي والدة الطفل المريض خضر الشقرا (3 سنوات) معظم نصف العام بشكل متقطع في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس؛ فنقص الحليب يصيب طفلها بإعياء شديد، ويجبرها على إدخاله للمستشفى تحت المراقبة الطبيّة.

تقول والدة الشقرا لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “خضر عمره 3 سنوات، وظهرت مشكلته ونزل وزنه من الأسابيع الأولى لميلاده، وفي مستشفى المقاصد شخصوا حالته الصحية، وأصبح بحاجة لـ 10 علب حليب شهرياً”.

وتختلف حالة الشقرا عن بقية المصابين بمتلازمة سوء امتصاص السكر في عجز جسده عن امتصاص السكر كافة في حين يعاني بقية المرضى من سوء امتصاص الكربوهيدرات حيث لا يستطيع تناول معظم أنواع الطعام.

وتتابع: “يحتاج حالياً 14 علبة حليب، والمشفى يوفر 4 فقط، وعندما نفقد الحليب نكون في المستشفى على المحلول الدائم، وقد أدى مرضه لضمور كليته بعد نزيف حاد والكلية الثانية بها ضعف شديد”.

وناشدت والدة الشقرا مع بقية أهالي المرضى مراراً أهل الخير والمؤسسات الإنسانية، ولقيت مناشداتهم استجابة من فلسطينيين بالضفة والداخل المحتل أرسلوا لهم الحليب مع المسافرين لكن جائحة كورونا قطعت خيط الأمل الوحيد مع حالة الإغلاق شبه الكامل.

ويتلقى الأطفال المرضى العلاج في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس، ويواصلون المراجعة الشهرية في مستشفى “الرنتيسي” بمدينة غزة لكن نقص الحليب يشكل أزمة متكررة، في حين يعجزون عن شرائه من السوق حيث تبلغ ثمن العبوة 500 شيكل.

ويؤكد حاتم ضهير، طبيب الأطفال بمستشفى ناصر، أن حليب مرضى متلازمة سوء امتصاص السكر هو حليب خاص لا تصرفه سوى الوزارة، وانقطاعه عن المرضى يهدد حياتهم بالموت.

ويضيف لمراسلنا: “ظهرت حالتان لطفلة وطفل في مشفى ناصر الذي يعالج 6 قبلهم. الحليب صعب توفيره من الخارج وغالي الثمن، وعدم تناوله يهدد مناعتهم، ويتسبب بتأخر في نمو العقل والأعصاب والجسم”.

ويشير إلى أن المرضى يضطرون للتعايش مع مرضهم طوال الحياة مستعينين بالحليب الخاص وأطعمة خالية من سكر الجلوكوز والجلاكتوز وإلا تدهورت حالتهم الصحيّة.

كابوس مستمر

منذ 8 أشهر يعاني محمود دغمش (28 عاما) كابوسا دائما عنوانه رحلة توفير الحليب لطفلته فاطمة الزهراء التي ولدت وهي تعاني من متلازمة سوء امتصاص السكر. 

طرق دغمش جميع الأبواب محاولاً توفير الحليب قبل أن ينضم لبقية أهالي المرضى الذين يحصلون على كمية غير كاملة من الحليب ويجرون اتصالات دائمة مع المؤسسات والمتبرعين لتوفير الحليب.

يقول دغمش لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “عندما ينفد الحليب أفكر كيف سأوفره مجدداً، وتبدأ طفلتي في مرحلة إسهال وجفاف وإعياء شديد، وأظل أنا في كابوس مستمر”.

واكتشف دغمش مرض ابنته بعد 20 يوما من علاجها في المستشفى؛ حيث سبقها في المرض ذاته طفل لشقيقه بلغ الآن 12 عاماً ولا يزال يعاني من متلازمة سوء امتصاص السكر. 

ويتابع: “كمية الحليب المناسبة لها الآن 8 علب. أحصل على 6 فقط من المستشفى ولا تكفينا كل شهر، ولا يوجد وسيلة أخرى لتوفيره؛ فغزة محاصرة، ولا أحد يستطيع إرساله من خارجها”. 

ويطمئن الأطباء دغمش أن طفلته قد تتحسن حالتها عندما تكبر لكن الضروري الآن تناولها الحليب بانتظام وكفاية، لكن جائحة كورونا أغلقت أبواب الأمل في الحصول على عبوات الحليب من خارج غزة.

في آخر مرة زار فيها دغمش صيدلية الحلو المركزية طلبوا منه 480 شيكل ثمناً للعلبة التي تصل بحجز مسبق؛ الأمر الذي وضعه في حيرة دائمة وقلق مستمر.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات