الخميس 27/يونيو/2024

القانون الدولي يتضامن مع اللاجئين الفلسطينيين

القانون الدولي يتضامن مع اللاجئين الفلسطينيين

أدى قيام الكيان الصهيوني سنة 1948 على نحو 77% من أرض فلسطين التاريخية إلى أزمة إنسانية قلّ نظيرها في التاريخ البشري؛ وتمثلت أهم فصولها في طرد نحو 57% من مجموع الشعب الفلسطيني، وتحويل نحو 800 ألف فلسطيني إلى لاجئين.

واللجوء حالة إنسانية تستدعي تدخل الدول والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات التي تُعين اللاجئ على تحمل ظروف اللجوء ومقاومتها؛ ممّا دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إنشاء وكالة الأونروا في 1949/12/8 بموجب القرار رقم 302. بدورها، بيّنت قواعد القانونين الدولي والإنساني المركز القانوني للاجئ الفلسطيني، ونظّمت قوانين الحماية التي يتمتع بها، ولكن المشكلة تكمن في عدم تفعيلها بالقدر الذي يحفظ للاجئ حقّه.

وإذا كانت مشكلة اللاجئين قديمة، فإن العمل الدولي لصالح اللاجئين لم يبدأ إلا مع نهاية الحرب العالمية الأولى. وأكسب القانون الدولي العام في القرن العشرين الصفة القانونية للجوء، ورتّب عليه آثاراً، وفرض على أعضاء الأسرة الدولية التقيد بعدة واجبات تجاه اللاجئين. وعلى هذا الصعيد كان تبنّي بروتوكول 1967، الذي أزال التحديدين الجغرافي والزمني عن معاهدة 1951، والتي تعدّ أول اتفاقية دولية تُعنى بحلّ مشكلة اللاجئين.

واتفاقية عام 1951 تُعدّ من أهم الوثائق الدولية التي أبرمت لصالح اللاجئين، والتي تُحدد فيها المركز القانوني للاجئ، وتُبين، بوضوح، من هو اللاجئ، ونوع الحماية القانونية التي يتمتع بها، وغير ذلك من المساعدات والحقوق الاجتماعية التي يجب أن يحصل عليها. وتضمن الاتفاقية حرية العقيدة والتنقل، والتعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل. وتحدد الاتفاقية، بقدر متساو، التزامات اللاجئ تجاه الحكومات المضيفة. وتنص على عدم جواز إعادة اللاجئ إلى بلد يُخشى فيه من التعرض للاضطهاد.

وتقع مسؤولية حماية اللاجئين على عاتق الحكومات المضيفة، بصفة أساسية. وتُعدّ الدول الموقعة على اتفاقية 1951، ملزمة بتنفيذ أحكامها. وتحتفظ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بـ”التزام رقابي” على هذه العملية.

يختلف اللاجئون الفلسطينيون عن باقي اللاجئين كونهم أصبحوا لاجئين نتيجة لقرار اتخذته الأمم المتحدة، لذلك تمّ استثناء اللاجئين الفلسطينيين من اتفاقية 1951، ومن نطاق عمل مفوضية اللاجئين، في خطوة كان يجب أن تمنح رعاية خاصة للاجئين الفلسطينيين، وحررت الدول المضيفة لهم من المسؤولية المباشرة تجاههم.

ومن أجل حصول اللاجئين الفلسطينيين على الحماية أو المساعدة المستمرة في حال توقف الأمم المتحدة عن تقديم المساعدة لهم، تضمنت معاهدة 1951 ما يلي: “إذا ما توقفت لأي سبب مثل هذه الحماية أو المساعدة ودون أن يكون وضع هؤلاء الأشخاص قد سوّي نهائياً وفقاً لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالموضوع فإنهم يستفيدون حتماً من أحكام هذه الاتفاقية”. ونتيجة لذلك، فإن اللاجئين الفلسطينيين مشمولون حكماً بإطار اتفاقية 1951 إذا توقفت الأونروا عن تقديم الحماية أو المساعدة لهم.

ويستمد اللاجئ الفلسطيني الحماية أيضاً من مصادر أخرى كالقانون الدولي الإنساني، ومعاهدة جينيف الرابعة، التي وقّع عليها الكيان الصهيوني ولكنه رفض تنفيذها؛ حيث تنص إحدى موادها على أنه “يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين، أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه”.

وبغض النظر عن موقف الكيان الصهيوني، فإنه من المتعارف عليه في القانون الدولي أن قيام دولة ما بأعمال غير مشروعة، كطرد شعب من أرضه ورفض إعادته، يرتب المسؤولية الدولية عليها، ويفرض عليها إصلاح هذا الضرر؛ وبالتالي، فإن جرائم الاحتلال الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني جرائم دولية تستوجب المساءلة والمحاسبة.

وتبنت جامعة الدول العربية بروتوكول كزابلانكا (الدار البيضاء) في 11/9/1965، الذي وفّر للفلسطينيين مجموعة من الحقوق لا توفرها معاهدة 1951، حيث تضمن في المادة الثانية منه أحكاماً شبيهة بتلك الواردة في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقة بحقّ العودة والمغادرة، كما يضمن للاجئين حرية التحرك في الدول المنضمّة إلى جامعة الدول العربية، إلا أن الدول العربية لم تبادر إلى تعديل قوانينها بما يتلاءم مع البروتوكول المذكور.

وعلى الرغم من أهمية الدور الذي تقوم به الأونروا في سبيل مساعدة اللاجئ الفلسطيني، غير أنه يؤخذ عليها التعريف الضيق الذي اعتمدته لتعريف هذا اللاجئ، لأنه استثنى الكثير من اللاجئين الفلسطينيين المحتاجين إلى المساعدة، خصوصاً أولئك المقيمين في غير مناطق عملها الخمس، علماً أن هناك نازحين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، ونازحين نتيجة حرب 1967. لكن الوكالة الدولية لجأت أحياناً، وبشكل استثنائي، إلى توسيع صلاحياتها من خلال إرسال بعثات إلى دول واقعة خارج نطاق عملها، غير أن هذا الأمر كان مؤقتاً ومحدوداً.

وتعريف اللاجئ بمفهوم الأونروا يختلف عن الواقع؛ إذ اعتبرت أن اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة ما بين 1/6/1946 و15/5/1951، وفقد بيته ومورد رزقه نتيجة حرب 1948. ويجب الملاحظة أيضاً أن تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني يقتصر فقط على اللاجئين المستحقين لخدماتها. ولكن لغايات العودة والتعويض المنصوص عليها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، فإن عبارة “اللاجئ الفلسطيني” تستخدم بمفهوم أوسع من تعريف الأونروا للاجئ الفلسطيني، ولم يحدد فترة زمنية، وكان شاملاً لكل اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا ديارهم وممتلكاتهم، وليس فقط المسجلين.

عدد الفلسطينيين وتوزيعهم الجغرافي:
بناء على التقديرات السكانية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في منتصف سنة 2020، هناك نحو 13.5 مليون فلسطيني في العالم، منهم نحو 5.1 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة والضفة الغربية (بما فيها شرقي القدس)، ونحو 1.6 مليون فلسطيني في أراضي 1948، وما يقارب من ستة ملايين في الدول العربية، وأكثر من 727 ألف في الدول الأجنبية. وقد وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين نحو 8.7 مليون مع نهاية سنة 2018، من بينهم 7.94 مليون لاجئ و760475 مهجّراً داخلياً، وهذا العدد يُشكل نحو ثلثي عدد الفلسطينيين في العالم (نحو 67%)، وهو رقم يختلف عن إحصائيات وكالة الأونروا.

حماية اللاجئين الفلسطينيين دولياً:
الحماية الدولية للاجئين تعني توفير السلامة الجسدية والأمن، والأمن المادي، والحماية القانونية، بما يشمل احترام حقوقهم وحرياتهم الأساسية، وحقهم في العدالة، والوضع القانوني… وبحسب القرارات الدولية، يحقّ للاجئين الفلسطينيين نفس الحماية المتاحة للاجئين الآخرين.

ومن أجل توفير الحماية اللازمة للنازحين الفلسطينيين داخل وطنهم، وللاجئين الفلسطينيين الذين شُرّدوا عام 1948، وتسهيل إيجاد حلول دائمة لهم وعودتهم إلى ديارهم، تمّ تشكيل لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 1948، وفقاً للقرار 194، وكذلك تمّ إنشاء وكالة الأونروا من أجل تقديم المساعدة الإنسانية الأساسية وخدمات الإغاثة للاجئين. ونتيجة لفشل لجنة التوفيق في تحقيق أهدافها، ومنها إعادة اللاجئين إلى ديارهم، لم يَعُد هناك أي وكالة دولية فاعلة لصالح اللاجئين، وتمثيل مصالحهم، وحماية حقوقهم.

وأسهمت سياسات معظم الدول العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين وممارساتها، إلى حدّ كبير، بإيجاد فجوات في حمايتهم، وحُرِم اللاجئون من الكثير حقوقهم الأساسية مثل الحقّ في العمل والسفر، والتملك… بحجة حماية حقّ العودة، على الرغم من مصادقة غالبية هذه الدول على الاتفاقيات الدولية التي يفترض أن تضمن حقوق الإنسان الأساسية لكافة الأفراد.

حقّ العودة:
حقّ العودة إلى فلسطين، بل إلى القرية والبيت الذي هُجّر منه الفلسطيني، بطبيعة الحال، الحلّ المفضل لهذا اللاجئ، وهو حقّ كفلته القوانين الدولية، وحقّ تمسك به على أنه حقّ جماعي، مرتبط في الهوية التي فقدها، وانتماؤه إلى الوطن الذي حرم منه. وهذا الحقّ ينطبق على كل فلسطيني، وعلى ذراريهم، مهما بلغ عددها، وأماكن تواجدها، ومكان ولادتها، وظروفها.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكيان الصهيوني قد أعلن التزامه بإعادة اللاجئين إلى ديارهم بموجب قرار التقسيم رقم 181 الذي كفل حقّ السكان بمغادرة ديارهم والعودة إليها متى شاؤوا، لكن ما لبث أن تنصل من هذا الالتزام.

وتنص المادة الثالثة عشرة من الإعلان العام لحقوق وواجبات الإنسان على أن “لكل شخص الحق في حرية الحركة والعيش داخل حدود أية دولة… ولكل شخص الحقّ في العودة إلى بلده”، وتمّ التأكيد على هذا الحقّ في المادة الثانية عشرة من قانون “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”. وفي إعلان القاهرة حول حماية اللاجئين والمشردين في العالم العربي، الذي أقر في سنة 1992، تمّ التأكيد على حقّ الأفراد بالمغادرة والعودة إلى الوطن، وعلى حقّ الفلسطينيين بالعودة إلى فلسطين.

وتنص الفقرة 11 من القرار 194، الذي أقر في كانون الأول/ ديسمبر 1948، على “وجوب السماح للفلسطينيين الراغبين في العودة إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم بالعودة في أقرب وقت عملي يسمح بذلك…”. واكتسب هذا القرار قوة الإجماع الدولي الذي حظي به من الدول كافة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي المقابل، طرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عدة قرارات صادرة عنها، خيار إعادة التوطين كبديل عملي عن تطبيق حقّ العودة، غير أنها اشترطت عدم المساس بالخيار المعطى للاجئين بالعودة إلى ديارهم كما هو وارد في القرار رقم 194.

ويتميز القرار 3236، الصادر في 22/11/1974، الذي يُعدّ من أهم قرارات الأمم المتحدة فيما يخصّ حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين، عن القرار 194، بأنه وصف حقّ عودتهم إلى ديارهم، وأملاكهم التي اقتلعوا منها، بأنه حقّ غير قابل للتصرف، أي أنه غير قابل للتنازل أو وضع حدّ له.

حقّ التعويض:
لم يقتصر القرار 194 على التأكيد على حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين فقط، وإنما تضمن أيضاً التأكيد على حقّ التعويض للذين يقررون عدم العودة، حيث أكد على “وجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة عن كل فقدان أو مصاب بضرر يصيب الممتلكات ويتعين بمقتضى مبادئ القانون الدولي على الحكومات والسلطات المسئولة التعويض عنه”، وهو ما يعرف بالمسؤولية الدولية.

وهو ما كان أكد عليه إعلان لاهاي رقم 4 لسنة 1907 في الجزء الأول من مسودة القرار الذي تبنّته لجنة القانون الدولي المتعلق بمسؤوليات الدول ما مفاده أن “أي خطأ دولي ترتكبه دولة ما يوجب عليها المسؤولية الدولية”. وأكده إعلان المبادئ حول تعويض اللاجئين في المؤتمر 65 الذي انعقد في القاهرة سنة 1992، حيث دعا إلى تسهيل هذا الأمر على الأشخاص الذين أجبروا على ترك منازلهم في وطنهم وغير القادرين على العودة.

تقرير المصير:
تنص الفقرة 2 من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على: “إنماء العلاقات الودية بين الأمم المتحدة على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها [حقّ] تقرير مصيرها”. وأكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625 الصادر في 24/10/1970 على ذلك، حيث نصّ على أنه “وبحكم مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، المكرس في ميثاق الأمم المتحدة، فإن لجميع الشعوب الحقّ في أن تقرر بحرية، ودون أي تدخل خارجي، مركزها السياسي، وأن تسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى كل الدول واجب احترام هذا الحق وفقاً لأحكام الميثاق”.

وأعادت الجمعية العامة التأكيد على مبدأ تقرير المصير في البند الخامس من القرار 2649 الصادر في 30/11/1970؛ حيث ينص على “أن الأسرة الدولية تعبّر عن قلقها من استمرار الاحتلال الأجنبي وحرمان الشعوب من حقّ تقرير مصيرها، ولا سيّما شعبي فلسطين وجنوب إفريقيا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات