جدلية المقاومة والمصالحة

أظهرت التطورات والأحداث في الساحة الفلسطينية في العقود الأخيرة بأن هناك طريقتان للوصول للمصالحة والوحدة الوطنية ، أو يمكن القول دافعين لها ، الأول : القناعات الفكرية المبنية على مبادىء ضرورة الوحدة الوطنية كقيمة وطنية عليا لشعب يتمتع بكل مقومات الوحدة والانسجام الديني والقومي والعرقي والإثني … ، وزيادة على ذلك فهو يخضع للاحتلال وتشقّه المواقف السياسية المدعومة بالجغرافيا والمصالح الضيقة الى شقين ،فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة .
أما الثاني فهو توازن القوى بحيث يتحرك أحد الأطراف أو كليهما نتيجة حسابات المصالح المبنية على توازن القوى على الأرض ، وتؤثر المبادىء هنا بشكل محدود وثانوي . فمن لاحظ من الأطراف ان المصالحة تخدم مصالحه ” الضيقة ” دعا اليها وتحرك باتجاهها ، وقد يقدم بعض التنازلات من أجلها ، بمعنى استخدام تكتيكي لخدمة أهداف استراتيجية وسياسية كبيرة في أحسن الأحوال ، و”استراتيجيات شخصية ” في أسوئها وهو ما يبدو سائدا في الساحة الفلسطينية .
يتمسك من يتحرك باتجاه المصالحة بأسباب فكرية وقيمية في كل الأحوال ويسخّر من أجلها كل موارده وينتهز كل فرصة مواتية لتقديمها لأنه يعتقد أنها قيمة عليا ومصلحة وطنية كبرى ، وقد تكون مقدمة ضرورية طبيعية لمواجهة الاحتلال والتحديات ، أما من يعتقد أنها تكتيك سياسي فيتقلب وفق التطورات المحلية والدولية ، كتغير الادارة الأمريكية على سبيل المثال بين ديموقراطي وجمهوري ، وحكومة الاحتلال بين ما يسمى يمين ويسار في اسرائيل .
الوضع الطبيعي ان تكون المصالحة والوحدة الوطنية مقدمة ضرورية لمواجهة الاحتلال وتعزيز المقاومة ودعم صمود الشعب وتحقيق التحرر الوطني وحق الشعب في تقرير مصيره . أما ما يبدو متوفراً حالياً بعد فشل كل جهود المصالحة والوحدة الوطنية في السنوات الأخيرة فهو عكس ذلك تماماً ، أي المقاومة أولاً للوصول الى المصالحة .
ان معادلة المقاومة أولا ثم المصالحة تعني ضرورة الاعتماد أيضاً على موازين القوى وليس المبادىء والقيم وحدها لتحقيق المصالحة ، وهذا مبني على القناعة بأنه يمكن رغم الصعوبة النسبية تعزيز المقاومة رغم الانقسام ، إضافة الى جعل المصالحة والانقسام هدفاً آخر مُهماً من أهداف المقاومة الى جانب مواجهة وإسقاط الاحتلال ، لأنه عندما يدرك أنصار وأتباع مدرسة الواقعية السياسية وموازين القوى أن مصلحتهم في التفاهم مع المقاومة فسيضطرون للمصالحة كما اضطروا للتحرك باتجاهها عندما خدمتهم في مرحلة من المراحل .
أما الفرضية الأخيرة في هذا المقال فهي أنه من الممكن تعزيز المقاومة بدون وحدة وطنية ، ولكنه لا يمكن تحقيق التحرر والأهداف الوطنية الكبرى بدونها . وكل هذه الفرضيات بحاجة الى تأسيس ومنهجة وقد يكون ذلك في مقال آخر .
وتلخيصاً يمكن القول :
1. بعد أن لم يؤتي مسار المصالحة الأخير ثماره المرجوة وقد يكون انتهى فعلياً بالإعلان الاحتفالي لحسين الشيخ بالعودة الى العلاقة الأمنية مع الاحتلال .
2.ما سبق يعزز القول بأنه لا بد من تعزيز المقاومة لفرض المصالحة والوحدة الوطنية وهي شرط من شروط تحقيق التحرر الوطني وحق تقرير المصير ، فالمقاومة هي الطريق شبه الوحيد لتحقيق المصالحة حالياً .
3. لقد ظهر أن التيار السائد في فتح والسلطة ينظر للمصالحة من منظور واقعي سياسي ضيق مبني على توازن القوى وليس على المبادىء والقيم الوطنية ، وبالتالي فعلى قوى المصالحة من كافة الأطراف والجهات وعلى رأسها تيار المقاومة وحماس امتلاك المزيد من أوراق الضغط لفرض المصالحة الوطنية ، وعدم انتظار فرصة ترامبية أخرى لأنها قد لا تأتي إلا بعد فترة زمنية طويلة ، وقد لا تأتي أصلاً ، فالمبادرة للمصالحة هي مهمة
من ينظر اليها كقيمة ومبدأ أكثر منها مصلحة مبنية على توازن القوى .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أونروا تدعو لتضافر الجهود لمنع كارثة إنسانية غير مسبوقة بغزة
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام طالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بتضافر الجهود الدولية لمنع "كارثة إنسانية غير مسبوقة" في...

استشهاد المعتقل الإداري محيي الدين نجم من جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد المعتقل الإداري، محيي الدين فهمي سعيد نجم (60 عاماً) من جنين، في مستشفى (سوروكا) الإسرائيليّ، ليضاف إلى سجل...

توثيق 25 ألف انتهاك ضدّ المحتوى الفلسطيني على منصّات التواصل في 2024
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز صدى سوشال الفلسطيني، 25 ألف حالة انتهاك للمحتوى الرقمي الفلسطيني في العام 2024 على المنصات الرقمية...

40 شهيدًا و125 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 40 شهيدا، و125 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

إيهود باراك يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى وإسرائيل من نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك هجومه على نتنياهو لما قال إنه بسبب سوء إدارته للحرب، في ظل تزايد خسائر...

الأورومتوسطي: خطة الاحتلال بشأن المساعدات “خدعة إنسانية” لتكريس الحصار والتجويع في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الخطة الإسرائيلية المتداولة حاليًا بشأن المساعدات الإنسانية في قطاع غزة...

حماس تشيد بالضربات المباركة من اليمن
المركز الفلسطيني للإعلام أشادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالضربات المباركة التي تنفّذها “أنصار الله” والجيش اليمني في عمق الكيان الصهيوني....