السبت 03/مايو/2025

التطبيع السوداني – الإسرائيلي وأثره على القضية الفلسطينية

التطبيع السوداني – الإسرائيلي وأثره على القضية الفلسطينية

ينشر المركز الفلسطيني للإعلام، ملخصا لتقدير استراتيجي بعنوان “التطبيع السوداني – الإسرائيلي وأثره على القضية الفلسطينية”، كما ينشر التقدير كاملا كما ورد:

التقدير من انتاج مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.


ملخص:

كانت القضية الفلسطينية أحد الخطوط الرئيسية في السياسة الخارجية السودانية، ولم تحظَ بوضع الأولوية التي كانت تُعطَى لدول الجوار وللعلاقات العربية والدولية بشكل عام، وتحديداً مع الولايات المتحدة، والصين، والدول الخليجية؛ إلا أن سياسة الإسناد التي اتبعتها الحكومات السودانية المتعاقبة، جعلت السودان يشارك في محطات مهمة في تاريخ الثورة الفلسطينية، وكان ذلك من خلال دول أخرى ولا سيّما مصر. وفي فترات مختلفة كان السودان يبادر ببعض المواقف تحت بند الدفاع عن النفس، نظراً للاستهدافات الإسرائيلية المتكررة للسيادة السودانية، ودعمها العالي للحركات المسلحة في جنوب السودان وغربه.

الأزمة الاقتصادية الطاحنة في السودان، والعقوبات الأمريكية القاسية، جعلت النظام السياسي الجديد الهش يسعى مضطراً للخروج منها عبر بوابة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ومع ذلك، يواجه مسار التطبيع عقبات كبيرة بسبب المعارضة الشعبية الواسعة وحتى من داخل المكوِّن المدني في الحكم الانتقالي، كما أن المؤسسات الدستورية لم تكتمل في السودان؛ وهو ما يجعل التطبيع جزئياً، وخاضعاً للتدرج بناء على استجابة النظام السوداني للشروط الأمريكية الإسرائيلية.

لقراءة التقدير كاملا يرجى النقر هنا

أولاً: موقع السودان في القضية الفلسطينية:

يمكن توصيف موقع السودان في خريطة القضية الفلسطينية أنها ساحة إسناد خارجي، وعادةً ما تكون مساندتها من خلال دولة أخرى وسيطة بسبب الفاصل الجغرافي البري عن فلسطين والمتمثل في مصر، والفاصل البحري للمياه الإقليمية المصرية عن الساحل الفلسطيني الجنوبي على البحر الأحمر. وقد تنوّع هذا الإسناد من الإسناد السياسي، والدبلوماسي، إلى الإسناد العسكري، والإسناد الأمني، فيما يعدّ الإسناد الماليّ محدوداً بسبب الفقر الاقتصادي؛ وهناك مجالات إسناد أخرى مهمة، تمثّلت في الإسناد التعليمي؛ من خلال منح فرص التعليم الجامعي وفوق الجامعي لمئات الفلسطينيين سنوياً في حقب مختلفة، وهناك إسناد المأوى حيث استقبلت السودان موجات بشرية فلسطينية صغيرة عسكرية ومدنية في فترات مختلفة.

ودخلت السودان خطّ الإسناد المباشر دون وسيط عبر منظومة التأهيل والتدريب للمقاومة الفلسطينية، وعبر تهريب السلاح لها بحراً وبراً عبر عصابات محلية قبلية في مراحل مختلفة من عمر السودان بعد حرب 1967.

ثانياً: أطراف العلاقة الفلسطينية مع السودان:

فتح السودان أبوابه للأطراف الفلسطينية بتمثيل رسمي بمستويات مختلفة، فقد اعترف بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها بعد اتفاقية أوسلو، إذ توجد سفارة فلسطينية قديمة في السودان، كما سمح للمقاومة الفلسطينية أن تفتح مكاتب لها عبر واجهات إعلامية أو شعبية أو مؤسسات بحثية، وفق ضوابط متغيرة لا تستند إلى فلسفة واحدة نظراً للضغوط التي تمارس على السودان ومدى الاستجابة لها، فقد أغلقت هذه المكاتب مراراً بشكل نهائي أو جزئي، وانتعشت هذه العلاقة في بعض المراحل وتطورت إلى دعم سياسي، وعسكري، بينما ساءت جداً في مراحل أخرى ولا سيّما في الأربعة أعوام الأخيرة من عمر نظام الإنقاذ، برئاسة المشير عمر حسن البشير.

ثالثاً: موقف نظام الإنقاذ من التطبيع:

بقي السودان مصنّفاً ضمن الدول المحسوبة على محور المقاومة طوال حكم الإنقاذ، ورفض التطبيع علناً في محطات عديدة من عمر الإنقاذ، ومع ذلك فقد أخذ ملف التطبيع يُطرح من البعض في السنوات الأخيرة من عمر نظام البشير. وسواء تعلَّق رفض النظام لذلك بأسباب مبدئية أم سياسية، فإن التقديرات كانت تشير إلى أنه لا فائدة ترجى من التطبيع، وأنه سيتحول إلى عبء كبير لن يحتمله السودان الذي يعاني من استنزاف أمني واقتصادي كبير، خصوصاً أن الاستراتيجية الإسرائيلية تصنّف السودان عدواً استراتيجياً بسبب موقعه الجغرافي وعلاقته بمصر، وأن السلوك الإسرائيلي يمتاز بالعداء الشديد من خلال دعم حركات التمرد، وتحريض اللوبي اليهودي الأمريكي الدائم على السودان.

رابعاً: موقع السودان في الاستراتيجية الإسرائيلية:

منذ بداية تشكيل الاستراتيجية الإسرائيلية في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion، أصبح السودان محل استهداف إسرائيلي نظراً لكونه في العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وكان الاتجاه دائماً صوب تفكيك العلاقة مع مصر، ودعم الحروب الأهلية، وتمزيق السودان إلى دول وأقاليم متنازعة، وجعل السودان بؤرة توتر وقلق مصري دائم، وإضعاف السودان ومنعه من التحول إلى دولة مؤثرة أو مركزية أو محورية في محيطها الإفريقي.

بعد تطور العلاقة المصرية الإسرائيلية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تغيّرت الاستراتيجية الإسرائيلية مؤقتاً نحو جعل السودان منطقة جذب مصرية جنوبية، تتجه إليها حركة الهجرة والعمل إذا تعرضت مصر لأي انهيار سياسي أو كارثة عامة لمنع الاتجاه صوب الشرق، كما هو حاصل في أكثر التجارب التاريخية السابقة، كما يتاح للسودان أيضاً أن يكون قادراً على امتصاص حركة النزوح والهجرة في حال انهيار الدولة الإثيوبية ذات الكثافة السكانية العالية؛ حيث استسهل الإثيوبيون الهجرة إلى “إسرائيل” الأقرب إليهم من أوروبا والأقل كلفة في الهجرة غير الشرعية، ويمكنهم الادعاء أنهم يهود فلاشا Falash Mura. وهناك سبب ثالث يفترض أن السودان قادر على استيعاب الحركات الإفريقية، الموصوفة بالتطرف القادمة من وسط إفريقيا وغربها، والتي تمتاز بمرونة الحركة، وسرعة الانتقال، وسهولة الاختراق من جهات معادية لـ”إسرائيل” ومصر الحليفة لها، لا سيّما أن هذه الحركات تتحرك في الصحراء، والخلاء الفسيح، وفق منظومة حماية قَبَلية قوية بعيداً عن نفوذ الدول الإفريقية فيها.

وهذه الاستراتيجية الجديدة ما تزال محل نقاش متقدم، وهناك ربط لهذه الاستراتيجية يشترط بأن يتحول السودان إلى مركز ثقل استراتيجي أمريكي؛ من خلال إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية استراتيجية في شرق السودان على البحر الأحمر، تهدف للتدخل السريع في إفريقيا والشرق الأوسط.

خامساً: مبررات التطبيع لدى السودان:

تتسم السياسة السودانية الانتقالية بعد انهيار نظام الرئيس عمر البشير بالسيولة الشديدة وتنازع أطراف الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني، وتعدد منابر التأثير والتفكير لدى المكون المدني وكثرة الخلافات داخله، لأنه كان ائتلافاً أفقياً عريضاً اتفق على هدف مشترك واحد وهو إسقاط النظام وهو ما تمّ بدرجة كبيرة. وهذا ما جعل السياسة السودانية هشة جداً تبحث عن الدعم من محيطها الإقليمي والدولي عبر الفرقاء.

وأكبر التحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية هي:
1. تحدي الاقتصاد وتراجع قدرة الدولة على توفير احتياجات الشعب الأساسية والضروريات، من الوقود والدقيق والدواء والخدمات الأساسية.
2. تحدي العقوبات الأمريكية، بمستوياتها التنفيذية والتشريعية، وما ترتب عليها من عزلة دولية واقتصادية وانهيار اقتصادي.
3. تحدي السلام واستقرار النظام الأهلي، ووقف نزيف الحروب الأهلية، وكثرة الحركات المسلحة وكثرة ارتباطاتها ومرجعياتها الخارجية.
4. تحدي وحدة السودان وإبقائه بعيداً عن شبح التمزيق وانفصال الأقاليم، واحتلال الجيران لبعض أجزاء السودان.
5. تحدي بقاء المؤسسة العسكرية وتماسكها، وعدم السماح بتفكيكها واستبدالها.
6. تحدي المصالحة واستيعاب قوى النظام السابق والإسلاميين، الذين شاركوا في الثورة السودانية، وإشراكهم في التحول السياسي.

التحديات التي تواجه المرحلة الانتقالية وشدة الخلاف بين المُكونين المدني والعسكري فيها وعدم قدرة أحد الطرفين على حسمها، وتردد الدول الإقليمية والكبرى في الانحياز لطرف على حساب الآخر، وسوء العلاقات مع الكونجرس الأمريكي Congress، جعلت العلاقة مع “إسرائيل” مدخلاً لتطوير العلاقة الإيجابية مع الإدارة الأمريكية وتسريع منظومتها البطيئة، وتمهيد العلاقة مع مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وترويض اللوبي اليهودي الأمريكي المعادي للسودان في هذه المؤسسات، بغرض رفع العقوبات الأمريكية عن السودان وجدولة الديون والعودة إلى منظومة الاقتصاد العالمي.

يبدو أن المكوِّن العسكري وجزءاً من المكوِّن المدني سعيا للوصول إلى المدخل الإسرائيلي، وتمكّن المكون العسكري من الوصول أولاً بمبادرة سودانية عسكرية عبر البوابة الأوغندية وبعيداً عن الأطراف المتدخلة في الشأن السوداني. وفُتحت العلاقة أولاً مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومنها إلى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد نحو أربعة أشهر من المفاوضات والتفاهمات على أسس العلاقة ومحاورها، جرى لقاء علني بين الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu في أوغندا أوائل شباط/ فبراير 2020، ولم تكن الحكومة السودانية برئاسة عبد الله حمدوك على اطلاع على هذا اللقاء قبل تسريب الإعلان عنه من المصادر الإسرائيلية، وهو الأمر الذي أحدث صدمة في شركاء الوثيقة الدستورية، الحاكمين للمرحلة الانتقالية.

سادساً: مواقف الأطراف السودانية من إعلان التطبيع:

بدَت المؤسسة العسكرية السودانية موحدة في موقفها المؤيد من لقاء البرهان – نتنياهو، لا سيّما أنها قامت بالترويج له في سياق مصلحة ملحّة لا خيار آخر فيها، فيما بدَت الأطراف المكونة لقوى إعلان الحرية والتغيير في تباين واسع؛ إذ أعلنت الأحزاب البعثية، والناصرية، وحزب الأمة السوداني، والحزب الشيوعي، إضافة للأحزاب الإسلامية رفضهم لهذا اللقاء وتداعياته، فيما دعمته أحزاب وحركات أخرى، وأيدته معظم الحركات السودانية المسلحة التي كان معظمها منفتحاً في العلاقة مع “إسرائيل” سابقاً، ومع أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يبدو متفهّماً لهذه العلاقة وكان يسعى لاستخدامها سابقاً، إلا أن القوى المعارضة داخل الحرية والتغيير دفعته للحياد في هذه القضية إعلامياً أمام الشارع السوداني، فيما كان يؤيد ذلك بوضوح في لقاءاته مع الإدارة الأمريكية التي أظهرت له هذا الموقف في تصريحات عديدة لوزير خارجيتها مايك بومبيو Mike Pompeo، ثم استقر الأمر لديه ولدى القوى المؤيدة له على تأييد خطوات التطبيع والمشاركة فيها.

سابعاً: مستويات التطبيع القادمة:

يشكل اللقاء العلني بين البرهان ونتنياهو حالة تطبيع سياسي واضحة اخترقت حالة الرفض والمقاطعة السابقة، وشكلت فاصلاً بين المقاطعة والتطبيع، وكسرت حاجز المقاطعة بشكل جريء، وفرضت السؤال التالي: كيف ستتطور هذه العلاقة؟

الجانب العسكري السوداني يتحرك بميزان لا يكترث للجانب السياسي كثيراً فيه، إذ إنه يعرف أن هذا الملف في جانبه السياسي ليس من صلاحياته ولا من صلاحيات الحكومة الانتقالية، وقد تعاملوا معه بمنظار التحديات الاستراتيجية ومقدار التعامل معها، ورهَنوا تطوير العلاقة مع “إسرائيل”، بمقدار النجاح في الالتزام بما تعهدت به “إسرائيل” من تطوير العلاقات السودانية الأمريكية، ورفع العقوبات عن السودان، والالتزام الأمريكي بعدم دعم مشروعات تفكيك الدولة والجيش؛ ويرى الجانب العسكري أن المستوى التنسيقي العالي بين الطرفين على مستوى الأجهزة الاستخبارية المختصة والقيادات الأولى في الملفات المحددة سيكو

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

مظاهرات مليونية في اليمن تضامنًا مع غزة

صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر مئات الآلاف من اليمنيين، الجمعة، في 14 محافظة بينها العاصمة صنعاء، دعما لقطاع غزة في ظل استمرار الإبادة...