سيكولوجية الرِّدّة … تأويل السقوط السياسي !

يحدثنا العارفون أن هؤلاء القوم لم يكونوا على تلك الصورة التي ظهروا بها من الفجور في العلاقة الحميمة مع العدوّ المستحكِم العداوة، فما سرّ هذا التحول الصادم الذي يتجاوز مفهوم الانحراف إلى الردة الانعكاسية بتحويل العدو الأصيل إلى صديق حميم، وتحويل الصديق الوليّ إلى عدو متربّص؟

التفسير الأسهل هو في ادعاء وقوعهم في العلاقة الآثمة قديماً، وأنهم كانوا يسترون فضيحتهم بادعاء الشرف وإثبات عكس الاتهام خوفاً من المجتمع العربي المحيط بهم، ثم لمّا وقع الأكثرون في الخطيئة وشاعت الفاحشة أظهروا حقيقة ما هم عليه، وانكشفوا بغلظة ووقاحة وحمق.

والتفسير الأعمق يتعلق بانتفاء شعور السيادة عنهم، ووصولهم إلى مرحلة الخضوع الكامل الأركان والجوارح للحامي المخلّص، جَرْياً وراء غريزة البقاء والدفاع عن المكان المألوف وامتيازاته التاريخية المتجددة، مما يعني أن ثمة تقييماً عميقاً لهم يتعلق بشعورهم بالزوال عقب انتفاضات الشعوب وثوراتها على حكّامها المتسلطين عليها وعلى خيراتها وتمييزهم لأنفسهم وعائلاتهم عن مجتمعاتهم التي تعاني من المضائق دائماً أو شعورهم بخطر التهديد الوجودي من عدوّ قويّ كبير قريب منهم وإحساسهم بالصغر المتناهي والعجز عن القدرة على المواجهة أو الاستعداد لها أو التلويح بها.

ومن الواضح أن هؤلاء تعرضوا لصدمة عنيفة اخترقت عقولهم ومشاعرهم فمزّقت شخصياتهم بشدة وأدت إلى تحولات عميقة في ردود الأفعال بعد عجزهم عن مواجهة الأمر باتزانٍ أو التكيف معه.

والملفت أن شعور الصدمة وردة الفعل المتمرد الناتج عنها قد تجاوز المدى الزماني المحدود للتأثر، وتحوّل إلى سلوك دائم غيّر نمط الشخصية وخدّر استجاباتها الطبيعية وخلق بيئة جديدة، لاسيما بعد انضمام اضطرابات أخرى إلى هذا الشعور الصادم مثل نوبات الذعر المتكررة وحالة الاكتئاب الناتج عن القناعة بالعجز وحالة القلق متنوع المداخل والمسالك وحالة الهشاشة الداخلية وقصور المحيط النفسي عن الشعور بالأمان والاختلال الوظيفي عن التركيز .

الخطير أن هذه السيكولوجية المَرَضية تنتهي عادة بقرارات ذاتية أو خارجية يمكن وصفها بالانتحارية أو العدمية نظراً لشدة الانعكاسات المرتدة عنها وشدة الاغتراب الداخلي فيها.