بأمعائه الخاوية يتحدى الأسير الأخرس الاحتلال

خوض الأسرى في سجون الاحتلال إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، هو الأبرز من بين صور النضال المشروعة التي تلجأ إليها الحركة الأسيرة خلف القضبان لانتزاع الحقوق الأساسية الخاصة بالفرد أو الجماعة، لكنه الصورة الأكثر قسوة وصعوبة، ولم يلجأ إليه الأسرى ترفًا، بل رغمًا عنهم، بعد فشل الخطوات النضالية الأخرى الأقل ألمًا؛ فالحركة الأسيرة استطاعت بالإضرابات عن الطعام انتزاع جزء من حقوقها المسلوبة، وفرض وجودها، ما ساعدها على تنظيم صفوفها وترتيب أوضاعها الداخلية وتطوير ذاتها جماعة وأفرادًا، والارتقاء بدورها وفعلها النضالي، وتحسين أوضاعها المعيشية والحياتية.
فهذا الأسير ماهر الأخرس من جنين يتحدى الاحتلال ويواصل اضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الـ77 على التوالي، رفضا لاعتقاله الإداري، وسط ظروف صحية غاية في الخطورة، تتضاعف مع مرور الوقت، وقد تضطر الحركة الاسيرة لاتخاذ خطوات تصعيدية جماعية تخرج عن سيطرة إدارة السجون، كما فعلت قبل ذلك حين قرر ما يقارب 70 أسيرًا من عدة سجون الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، بعد فشل المفاوضات بين الأسرى وإدارة سجون الاحتلال في تلبية مطالب الأسير نهار السعدي المضرب عن الطعام؛ احتجاجًا على استمرار عزله.
وفي محاولة الالتفاف على إضراب الاسير الاخرس فقد أصدرت المحكمة العليا للاحتلال حكما بتجميد اعتقاله الاداري بدلا من الافراج عنه لتقدم سنه ومرضه، وهو موقوف اداري دون تهمة، لكن الاحتلال لا يعرف للإنسانية طريقا، فالأسير الاخرس قد سئم الاعتقال لذا يعرف طرق وأساليب الاحتلال الخداعة، حيث تعرض للاعتقال من قبل قوات الاحتلال عدة مرات أول مرة كان في عام 1989 واستمر اعتقاله في حينه لمدة سبعة أشهر، والمرة الثانية عام 2004 لمدة عامين، ثم أُعيد اعتقاله عام 2009، وبقي معتقلاً إدارياً لمدة 16 شهراً، ومجدداً اُعتقل عام 2018 واستمر اعتقاله لمدة 11 شهراً.
الأمر لا يتوقف عند الاسير الاخرس، وانما يخص كل الاسرى، فهم ماضون في ثباتهم ماضون في إضرابهم عن الطعام حتى إحقاق الحق وانتزاعه ونيل الحرية، ومن واجب كلٍّ منا مساندة كفاحهم ومؤازرتهم في محنتهم؛ فقد أُفرج عن بعضهم في صفقة “وفاء الأحرار” وعاود الاحتلال أسرهم من جديد، وهذا مدعاة لراعي الاتفاق أن يتابع ملفهم ونصرتهم.
فسلطات الاحتلال هي المسئول الأول عن أي مكروه يمسهم (لا سمح الله) بتماطلها وتعسفها، والاستنكار والشجب لم يعودا يجديان نفعًا؛ فيجب تعدي ذلك ببذل كل الجهود والضغط على المحتل، والعمل على أكثر من صعيد، بالاعتصامات والمسيرات الجماهيرية، واستنهاض كل ضمير حي، وحث وسائل الإعلام بشتى أنواعها على نشر مأساتهم، واللجوء إلى المؤسسات الدولية والحقوقية؛ حتى ننقذهم؛ فالموت أضحى يهدد حياتهم ونال منهم الإضراب، ولا ننسَ أن الأسر كما يؤثر في الأسير يؤثر في أهله وذويه؛ فيضاعف من آلامهم ويؤرق حالهم، ويزيد من معاناتهم ألم البعد والفراق والحرمان من الزيارة، عدا المعاناة النفسية للأسير وأهله.
الأسير طرق كل الأبواب، وجعل معركة الأمعاء الخاوية سبيلًا لنيل الحرية حين أُوصدت أمامه كل الطرق والأبواب، وكان من المفترض أن يغلق ملف الأسرى منذ توقيع اتفاق (أوسلو)، وعدم إطلاق سراحهم جميعًا إحدى نقاط الضعف في اتفاق (أوسلو)، خصوصًا أن في سجون الاحتلال حاليًّا عشرات أسروا قبل ذلك الاتفاق، وهم ممن يطلق عليهم وصف “عمداء الأسرى”، أو الذين أمضوا من مدة محكومياتهم ما يقرب من عشرين عامًا ولا يزالون في الأسر. وغني عن الإعادة هنا أن سلطات الاحتلال خلال مسيرة تعاملها مع ملف الأسرى لم تكن تلتزم بالتفاهمات المتعلقة بإطلاق سراحهم، وكانت تتراجع في أحيان كثيرة عن الإفراج عنهم في اللحظات الأخيرة، هذا كله يظهر الطابع الاستغلالي المراوغ الذي تتعامل به سلطات الاحتلال مع هذا الملف الإنساني البالغ الحساسية عند الفلسطينيين جميعًا.
هذا لا يبرئنا جميعًا من المسؤولية، وعلينا مناشدة كل المؤسسات التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان وكل الضمائر الحية أن تبذل قصارى جهدها؛ لإنقاذهم من شبح الموت الذي أصبح يهدد حياتهم في أي لحظة.
الأسرى أبطال الحرية يضربون وهم يعلمون أن الاحتلال لا يتوانى عن النيل من عزائمهم بأية وسيلة؛ حتى يثنيهم عن مواصلة الإضراب باستعماله شتى الطرق؛ لأنه يعرف تمامًا أنهم أصحاب حق وقضية عادلة، لذا يصبرون على الجوع حتى الموت؛ فقد سبق أن حرمت مصلحة السجون الأسرى المضربين عن الطعام والعلاج، ونكلت بهم عقابًا لهم على الإضراب، وحرمتهم الزيارة، والفسحة التي تعرف بـ”الفورة” عقابًا نفسيًّا، وهذا قطعًا منافٍ لكل المواثيق الدولية التي تعنى بحق الأسير في الاحتجاج بشتى الوسائل المتاحة.
فمع ظلمة السجن وظُلم السجان، والبطش والتنكيل والحرمان من الحقوق والبعد عن الأهل، سيظل الأمل يحدو الأسرى إلى غد مشرق، يضيئون ظلمة السجن بشمعة أمل الحرية وانتصار قضيتهم وقضية شعبهم، مهما طال الليل وقسا السجان.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال هدم 600 منزلاً في جنين ويوسع عمليات تجريف المخيم
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام يواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 106 أيام عدوانه على مدينة جنين ومخيمها، مع توسيع عمليات التجريف والتدمير داخل...

حماس: الخطة الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع المساعدات تمثل خرقاً للقانون الدولي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس، رفضها الشديد تحويل المساعدات إلى أداة ابتزاز سياسي أو إخضاعها لشروط الاحتلال،...

أوتشا: الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات تتناقض مع المبادي الإنسانية
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمم المتحدة زعماء العالم إلى توفير الغذاء للمدنيين في قطاع غزة، في ظل دخول "الحصار الشامل" الذي تفرضه...

سلطات الاحتلال تهدم قرية خلة الضبع في مسافر يطا
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، قرية خلة الضبع بمسافر يطا جنوب الخليل، في واحدة من أوسع عمليات...

الاحتلال يفرج عن 10 أسرى من قطاع غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، عدد من أسرى قطاع غزة، والذي وصلوا إلى المستشفى في حالة صحية منهكة....

العفو الدولية تطالب بخطوات جادة لوقف جرائم إسرائيل في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام دعت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار، جميع الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها الاتحاد...

كتائب القسام تعلن عن كمين مركب لقوة هندسة صهيونية شرق خانيونس
المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الاثنين، تنفيذ كمين مركب لقوة هندسة صهيونية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح...