الكويت في عهد الصباح.. مواقف مشرفة تجاه فلسطين

رحلَ أمير الإنسانية.. الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح عن عمر ناهز 91 عامًا. خبرٌ وقع في نفوس الفلسطينيين كالصاعقة سيما وأن للأمير الراحل مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية، وليس آخرها ثبات بلاده على رفضها القاطع للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

دعمٌ لا متناهي من الكويت تجاه القضية الفلسطينية، رغم تعكر شديد في العلاقة بين الفلسطينيين والكويت عام 1991م، إثر تأييد الرئيس الراحل ياسر عرفات غزو العراق للبلد الخليجي.

وفي عام 2013، أعيد افتتاح سفارة لفلسطين في العاصمة الكويت، ومنذ ذلك الحين تشهد القضية الفلسطينية مواقف مشرفة من الدولة هناك.

ففي عام 1948 كانت الكويت من أولى الدول التي فتحت أبوابها أمام الفلسطينيين الباحثين عن عمل، وبحلول عام 1991 كان الفلسطينيون الأكثر بين القوى العاملة في الكويت.

وفي موقف آخر، أوفد الأمير الكويتي الراحل وزير خارجيته صباح خالد الصباح إلى رام الله إبان العدوان الإسرائيلي على غزة؛ لتشكيل “اللجنة الفلسطينية الكويتية العليا المشتركة”.

وكان للكويت بصمات واضحة في دعم الفلسطينيين في قطاع غزة، لاسيما إعادة الإعمار بعد العدوانات الإسرائيلية المدمرة على غزة عام 2008، 2012، 2014.

وفي الأمم المتحدة، لطالما انحازت الكويت إلى الحق الفلسطيني، حيث قال مندوبها ذات مرة: “إن دولة الكويت تعهدت قبل أن تتسلم مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن مطلع العام 2018 ببذل كل المساعي والجهود لدعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب والمسلمين، وأن هذا التعهد يأتي انطلاقًا من التزام الكويت في حمل هموم وتطلعات الشعب الفلسطيني”.

مرزوق الغانم
وكان للكويت دعمٌ سياسي غير مسبوق، تمثل بشكل لافت بظهور رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وهاجم مرة وفد الكنيست الإسرائيلي، في المؤتمر الـ137 للاتحاد البرلماني الدولي، في أكتوبر 2018، بروسيا.

موقف الغانم ذلك لاقى ترحيبًا من الأمير الكويتي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأجبر حينها الوفد الإسرائيلي على الانسحاب، حين خاطبه بقوة: “اخرجوا من القاعة إن كان لديكم ذرة كرامة.. يا محتلين يا قتلة الأطفال”.

وفي صيف 2017، قال الغانم أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي حول الأوضاع بالقدس في الرباط: “من المؤسف أن يكون في الصف العربي والإسلامي من يسعى إلى إشاعة روح الانهزام فيما يتعلق بالفلسطينيين”.

وقال: “أسأل المُخذلين والمتخاذلين، هل لأننا عجزنا عن نصرة شعبنا الفلسطيني بالسلاح نتخلى عن كافة أنواع النصرة؟ هل تريدون منا أن نتخلى عن التضامن معهم والتفاعل مع قضيتهم؟ هل تطلبون منا أن نتخلى عن كل رصيدنا الوجداني والعاطفي تجاههم؟”.

ومضى يقول: “أنا هنا لن أنتقي كلماتي؛ من يريد أن يستسلم فليذهب إلى الجحيم، فليذهب فحسب.. لكننا لن نسمح له أن يثبط عزائمنا وأن يوهن نفوسنا وأن يسوّق استسلامنا”.

وليس ختامًا لمواقف الغانم، حين أمسك قبل أيام بنسخة من “إعلان ترمب” وألقاها في سلة المهملات، أثناء كلمته أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي بعمّان، قائلاً: إن تلك الصفقة “ولدت ميتة، ومكانها مزبلة التاريخ”.

مجلس الأمة الكويتي ذاته دعا حكومة بلاده إلى مقاطعة أعمال مؤتمر المنامة في يونيو الماضي، تمهيداً لـ”صفقة القرن”، في حين ردت الحكومة بتأكيد تمسكها بثوابتها، وأنها لا تقبل إلا بما يرضي الفلسطينيين.

يُشار إلى أن مواقف رئيس مجلس الأمة لم تكن نابعةً من ذاته فقط، بل “تجسيدٌ لسياسة أمير البلاد ومن سبقه في إمارتها، وأنها ستكون آخر من يُطبّع علاقته مع الاحتلال”، كما قال الغانم خلال لقاءٍ صحفي.

مناسبات ومواقف
وشعبيًّا، تُحيي جمعيات كويتية مناسبات فلسطينية كيوم الأسير ويوم الأرض واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، كما تشكلت لجان تختص بالقضية الفلسطينية داخل جهات رسمية وجمعيات من مثل لجنة فلسطين في مجلس الأمة، ولجنة فلسطين في جمعية المحامين، ولجنة فلسطين في الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وغيرها.

وعلى الصعيد التعليمي، استقبلت الكويت في إبريل 2017، 180 مدرسًا حين زار وفدٌ من وزارة التعليم الكويتية رام الله، وقالت رئيسة الوفد آنذاك: “إن للمعلم الفلسطيني في ذاكرتنا صدى كبيرًا وجميلًا، ونحن من تتلمذ على أيدي معلمين فلسطينيين أثبتوا وجودهم في الكويت، ومن خلال هذا الصدى بدأنا بهذه الانطلاقة”.

تجاريًّا، لم يكن الحال أقلّ حظًّا من مثيلتها السياسية؛ فقد قفز مؤشر الصادرات الفلسطينية إلى الكويت من 850 ألف دولار عام 2007، إلى نحو 5 أضعاف في غضون 9 أعوامٍ فقط، وذلك بحسب تصريحٍ للسفير الفلسطيني بالكويت رامي طهبوب.

وعلى صعيد تبرعاتها لوكالة الغوث، قال تقرير لـ”أونروا”: لطالما كانت الكويت مانحًا مهمًّا، فمنذ 2013، بلغ إجمالي تبرعاتهم للوكالة ما مجموعه 65 مليون دولار حتى صيف 2019.

يُشار إلى أن الكثير من السياسيين ورجال الأعمال والمثقفين الكويتيين عدّوا أن “إبعاد الفلسطينيين إبّان حرب الخليج كان خسارة للكويت”، داعين إلى تبرئتهم وإنصافهم من الظلم الذي تعرضوا له ودعوا آنذاك إلى تسهيل استقدامهم إلى البلاد مجددًا للاستفادة من خبراتهم.

الموقف من التطبيع

وبعد توقيع اتفاق العار في الولايات المتحدة الأمريكية بين “إسرائيل” من جهة، والإمارات والبحرين من جهة أخرى، صدرت مواقف رسمية وشعبية وأهلية تندد بالتطبيع مع الاحتلال، في حين دعت قوى سياسية لقانون يجرم التطبيع.

كما أن الكويت تعرضت لضعوطات شديدة من الإدارة الأمريكية لإبرام اتفاق مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن الرفض الشديد سيد الموقف.

كما تقدم عدد من أعضاء مجلس الأمة -منهم رئيسه مرزوق الغانم- بطلب للتعجيل بقيام المجلس ولجانه ببتّ القوانين المقترحة المقدمة بشأن “مقاطعة إسرائيل، وحظر التعامل أو التطبيع مع الكيان الصهيوني”؛ لإقرارها قبل نهاية دور الانعقاد الحالي في نوفمبر/تشرين الآخِر المقبل.

وكان 41 نائبا (من أصل 50) وقعوا خلال جلسة بيانا أكدوا فيه موقف الكويت الثابت لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وشددوا على أن الكويتيين لن يقبلوا أي تراجع عن التزام حكومة بلادهم بقضية العرب والمسلمين الأولى.

ومضى البيان فأكد أن الشعب الكويتي سيبقى يشد على يد القيادة السياسية في موقفها “الشجاع والثابت” تجاه القضية الفلسطينية على مر السنين، مشيرا إلى أن جرائم الاحتلال لا يمكن نزعها من نفوس أبناء الكويتيين.

كما تسابقت قوى سياسية وطلابية كويتية مختلفة إلى إصدار بيانات استنكار، وتنظيم فعاليات ومهرجانات افتراضية عدة، رفضت جميعها التطبيع، وأكدت دعم الموقف الكويتي المساند للقضية الفلسطينية.

ولعل من آخر مواقف الكويت ويوم رحيل أميرها صباح الأحمد، هو الإعلان عن رفض تسلم رئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية بعد اعتذار فلسطين وقطر عنها، بسبب التطبيع ومواقف الجامعة الأخيرة.