الخميس 27/يونيو/2024

الاغتيال.. نهج الاحتلال المتواصل لتصفية الرموز الوطنية

الاغتيال.. نهج الاحتلال المتواصل لتصفية الرموز الوطنية

المبررات كلها جاهزة والإمكانات بكاملها مسخّرة لدى جهازي “الموساد” و”الشاباك” لإزاحة القيادات الوطنية من واجهة الصراع منذ عشرات السنين.

وتمارس أجهزة الاحتلال الأمنية أسلوب التصفية الجسدية وأشكال الاغتيالات للقيادات الفلسطينية من قبل نكبة فلسطين عام 1948م وحتى يومنا هذا.

وبدأت العصابات الصهيونية مسلسل الاغتيالات قبيل النكبة؛ لكنها واصلت العمل بنهج منظم في قتل رموز العمل الوطني من رجال منظمة التحرير الفلسطينية وقادة المقاومة والفصائل بذرائع أمنية.

ونجح الاحتلال في قتل قادة وعلماء فلسطينيين وعرب في عشرات الجرائم داخل فلسطين وخارجها، مبرراً بقاءهم على قيد الحياة بالخطر المستمر على أمنه ومشروعه الصهيوني.

وفشل الاحتلال في محاولات عدّة؛ أهمها جريمة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الأردنية عمّان عام 1997م، وحاول مرارا اغتيال محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، وإسماعيل هنية، ود. محمود الزهار، القادة في حركة حماس خلال حروب غزة الثلاثة.

أهداف الاغتيال

النظرية الأمنية الصهيونية التي اعتادت قديماً نقل ساحة الصراع لميدان خصومها، وظفت نهج التصفية والاغتيال دائما وبأبعاد تاريخية ودينية متطرّفة.

يفخر الاحتلال بممارسة دور الشرطي الاستباقي الذي يزيل العقبات على قاعدة “الغاية تبرر الوسيلة”، مطلقاً يد الموساد في ساحات الدول لتصفية رموز العمل الوطني.

ويؤكد المحلل السياسي ناجي البطّة، أن أمن الاحتلال يركّز على اغتيال القيادات التي تملك “كاريزما” مؤثرة التفت حولها الجماهير أو أبناء فصيل وطني.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “اغتيال قادة فتح أبو إياد وأبو جهاد وقادة حماس الرنتيسي وياسين، ومن الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، وآخرين، كان لدورهم الوطني وتأثر جمهور كبير بهم”.

ظمأ “الموساد” لا يزال متقداً لمواصلة دوره في التصفية تطويعاً لمشهد سياسي أو أمني يخدم برنامج الاحتلال العسكري في كل مرحلة من عمر القضية.

أما جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك” فنافذة الفرص في ملف الاغتيالات أمامه أكثر اتساعاً، وهو يلاحق بالقتل قيادات ونشطاء يعملون تحت أعينهم، ويسلّط خلفهم إمكاناته التكنولوجية والأمنية.

ويقول محمد لافي، الخبير في الشئون الأمنية، إن أسلوب التصفية والاستهداف المباشر جزء من أدوات أجهزة المخابرات في العالم، وظهر في صراعات أمريكا وروسيا.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الموساد أخطر من استخدم التصفية والاغتيالات، ويكرره، لأنه يضمن عدم المحاكمة والملاحقة القانونية إذا كانت الجريمة نظيفة من الخيوط”.

ذرائع أمنية

لا تحتاج فرق التصفية إلى حقنة تشجيع، فلديها إستراتيجية عمل وخطة بانتظار ساعة الصفر فقط لانتقاء شخصية وطنية أدرجتها من قبل على قائمة التصفية.

ويضع الاحتلال كل من يؤثّر على أمنه تحت طائلة الاغتيال، ويمارس أحياناً عمليات تضليل إعلامية تنشر أخبارًا كاذبة قبل تنفيذ الاغتيال، وليس بالضرورة أن يكون قائداً، دوماً بل قد يكون ناشطا أو مثقفا، لكنه منزعج من وجوده.

ويعيد المحلل البطة نهج الاغتيالات إلى وحدة “كيدون”، والتي تعني بالعبرية “الخنجر” في التاريخ والتراث اليهودي حين قتل أحد قادة اليهود زملاءه ونفسه بالخنجر حتى لا يقعوا في يد الرومان قرب صخرة تسمى “متسادا” بجوار البحر الميت، حسب الأسطورة.

وتنقسم أنواع الاغتيالات إلى؛ اغتيالات خارجية بيد “الموساد”، وداخلية بيد “الشاباك”، تجري خلالها أجهزة أمن الاحتلال محاكمة صورية يكون فيها الهدف متهماً، ويحكم عليه بالإعدام.

وتعدّ “إسرائيل” والمملكة المتحدة الدولتان الوحيدتان اللتان تملكان قانوناً عرفياً للاغتيال، وتمرّ عملية الاغتيال للقادة في أروقة أمن الاحتلال بسلسلة إجراءات تبدأ من أجهزته المتخصصة، وتنتهي بموافقة رأس الهرم في رئاسة حكومته. 

ويتابع المحلل البطة: “ينال المحكوم عليه في قائمة x رقما على ورقة كوتشينة، ويبقى اختيار توقيت التنفيذ، وهذا معمول به عقب عملية ميونخ في عهد جولدمائير لتصفية القادة الفلسطينيين”.

وظهرت قائمة “X” بعد عملية المقاومة الفلسطينية في “ميونخ”  عام 1972م والتي نفذ بعدها الموساد سلسلة اغتيالات طالت قيادات ورموزا وطنية فلسطينية.

ومع تطور قدرات المقاومة، ووقوع “الموساد والشاباك” في سلسلة أخطاء ضمن خطط اعترتها ثغرات أمنية، طوّر الاحتلال من أساليبه باتباع الاغتيال المعنوي.

ويرى المحلل لافي، أن اغتيال الرموز الوطنية تبعه ظهور قادة آخرين بقوة وأعداد، فلجأ للاغتيال المعنوي بشكل متراكم ومتصاعد من خلال تشويه الشخصيات والتشهير بها، واستخدام التضليل لإسقاط دورهم من وعي الجمهور. 

ورغم تفوّق الاحتلال في القدرات الأمنية؛ إلا أنه سجل فشلاً ذريعاً في جرائم اغتيال، أبرزها محاولة اغتيال خالد مشعل عام 1997م والتي تحدث عنها المعلق العسكري الإسرائيلي “يوآب ليمور” قبل سنوات بالقول: “مشعل يدين بحياته لثلاثة عوامل هي؛ الحظ، والإجراءات المهملة، وعدم احتراف رجال الموساد”.

وأشار “ليمور” أن نتائج الفشل أجبرت “إسرائيل” على دفع الثمن؛ بإطلاق سراح الشيخ ياسين وعشرات الأسرى الآخرين، وأشعلت أزمة دبلوماسية مع كندا التي استخدم القاتلان جوازي سفر تابعين لها، وأضرت بالعلاقات مع الأردن.

اغتيال القادة

سجل الاغتيالات الإسرائيلية دسم بجرائم غيّبت شخصيات وطنية مؤثرة في تاريخ الصراع، شملت قادة مقاومة وسياسيين فلسطينيين، ووصلت لريشة فنان الكاريكاتير ناجي العلي، وقلم غسان كنفاني، وقطعة شوكولاه وصلت لفم وديع حداد.

واندلع عدوان غزة عام 2012م عقب جريمة اغتيال قائد المقاومة أحمد الجعبري، ولعل حادثة اغتياله تؤكد أن الاحتلال يبدو منزعجاً في زمن تطور قدرات المقاومة من القادة العسكريين على وجه الخصوص.

وشهدت السنوات الأولى من انتفاضة الأقصى تصفية قيادات وطنية وشخصيات مقاومة بارزة أهمهم أبو علي مصطفى، وأحمد ياسين، والرنتيسي، وجمال منصور، وجمال سليم، ومحاولات فاشلة ضد محمد الضيف وإسماعيل هنية ومحمود الزهار.

ويقول المحلل لافي؛ إن القيادي في حماس حسن يوسف تعرض للاستهداف مراراً، والآن يتعرض لتشويه، لذا يحاول الاحتلال إبقاءه داخل السجن أكثر من وجوده حرًّا في الضفة.

ويضيف: “العنف المباشر نال كل قائد مخلص للوطن بدءًا من الكمالين وأبو يوسف النجار، وياسين والشقاقي والرنتيسي وقادة المقاومة كلهم”.

ومع تضرر قوة الردع الإسرائيلية، لجأ الاحتلال لأساليب أخرى في الاغتيالات مثل الأسلحة المشرّكة، واستخدام الجماعات المتطرّفة، ووكلاء آخرين تلافياً للقتل الصريح الذي يعقبه رد من المقاومة. 

ويستفيد الاحتلال من حالة الانقسام وحصار غزة وتناقضات المشهد السياسي، في التحضير للنيل من رمزية القادة الفلسطينيين، ويمارس تضليلاً يسبق جريمة اغتيال مباشرة أو غير مباشرة لتغييب القيادات عن المشهد.

فشل أمني

عام 1997م ابتلع قادة “الموساد” نصل الهزيمة حين فشل رجالهم في اغتيال خالد مشعل، وأشعلت الحادثة توتراً دبلوماسياً بين الأردن و”إسرائيل” التي تجاوزت المحظور في عمّان.

وتعدّ محاولة اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس حلقة فشل لجهاز “الموساد” حين أسعفت اليقظة المبكرة لحراسه بكشف الجريمة. 

وكان “الموساد” استخدم 10 عناصر في الأردن لتصفية خالد مشعل الحامل للجنسية الأردنية والمقيم وقتها هناك، وحاول أحدهم حقنه بمادة سامة، لكن السلطات الأردنية أمسكت اثنين من رجال الموساد المتورطين بعد تنبّه السائق المرافق لمشعل.

وطلب ملك الأردن الراحل الملك الحسين بن طلال من رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” المصل المضاد للمادة السامة التي حقن بها خالد مشعل، فرفض نتنياهو بدايةً حتى تدخل الرئيس الأمريكي “كلينتون” ورضخ نتنياهو لضغوط كلينتون في النهاية وسلم المصل المضاد.

أطلقت السلطات الأردنية فيما بعد سراح عملاء الموساد مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين المحكوم بالسجن مدى الحياة في السجون الإسرائيلية.

يقول المحلل البطة؛ إن محاولة اغتيال مشعل كانت محاولة فاشلة لتصفية رمز وطني حظي بالتفاف وقبول جماهيري وعربي.

ويضيف: “مشعل كان وقتها قائدا له تأثير كبير ومدرج في قائمة التصفية، لذا استخدموا كامل إمكاناتهم لتنفيذ الجريمة في الأردن لكنهم فشلوا”.

مهمة مشعل القيادية في حينها كرئيس لمكتب حماس السياسي، ومحبة الجمهور الفلسطيني والأردني له، أزعج أمن الاحتلال الذي لم تمر سوى عدة سنوات على توقيعه اتفاقية وادي عربا مع الأردن عام 1994م. 

ويلفت المحلل البطّة إلى أن “الموساد والشابك” لا يقفل فاتورة الحساب مع القادة الفلسطينيين إذا وقع في محاولات فاشلة، بل يعيد الكرّة مع الشخصيات ذاتها، حتى لو انتهى دورهم في فترة زمنية سابقة، وهو ما يضع رجلا مثل مشعل وقادة سابقين في دائرة الخطر.

ويشير المحلل لافي إلى أن الاحتلال حاول تحييد دور مشعل المؤثّر، وكانت رسالة من الموساد بملاحقة وتصفية كل قائد مهما كان موقعه ومكان تواجده، لكن الأردن سجل موقفاً قويّاً ضد الجريمة.

سمات مشعل القيادية، ودبلوماسيته الهادئة التي منحته مهمة رئيس مكتب حماس السياسي حين كان شابّاً، كان دافعاً أساسياً خلف محاولة اغتياله؛ لأن الاحتلال اعتاد تصفية القادة والعلماء في مراحل ظهورهم الأولى.

ويخشى الاحتلال تداعيات أي عملية اغتيال ينفذها “الموساد” تلافياً لأي أزمة دبلوماسية مثل ما وقع في محاولة اغتيال مشعل الذي يتمتع بقبول شعبي وعربي مستمر، أو تحسبّاً لرد من المقاومة مثل ما جرى عقب اغتيال الجعبري؛ لكن شهوته في القتل لا تزال تشكل نهجاً أصيلاً في فصول الصراع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات