الخميس 01/مايو/2025

الأقصى.. المسارات المحتملة في ضوء صفقة ترامب وإجراءات الاحتلال

الأقصى.. المسارات المحتملة في ضوء صفقة ترامب وإجراءات الاحتلال

جاء قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ليتوج التحول إلى تبني موقف اليمين الصهيوني من القدس ومقدساتها، ولتنص صفقة القرن على الرعاية الصهيونية وتقسيم الأقصى باعتبارهما الحل النهائي فيه، وقد منح ذلك غطاءً لعدوانٍ صهيوني واسع على الأقصى، يمس صلاحيات ترميمه وإدارته، ويحصر دور الأوقاف في إدارة الحضور الإسلامي في المسجد، ويفرض الصلوات اليهودية العلنية فيه، ويحاول قضم زاويته الجنوبية الغربية إلى جانب باب الرحمة وساحته الشرقية.

في المقابل، كان الفعل الشعبي المقدسي والفلسطيني القوة المركزية التي أبطأت هذا العدوان وأوقفته أحياناً وفرضت عليه تراجعات أحياناً أخرى، بموازاة تراجع عربي رسمي واسع وتراجع أردني أمام كل تقدم صهيوني على الأرض، بعد أن حصل على الغطاء الأمريكي. وأمام توظيف جائحة كورونا لضرب إرادة الفعل الشعبي، هناك أربعة احتمالات متعلقة بالأقصى اليوم تتراوح على الترتيب بين التراجع النسبي، والمراوحة في المكان، والتراجع الشامل، والمواجهة الشاملة.
 
أولاً: تبدل الموقف الأمريكي وصولاً إلى صفقة القرن:

شكل قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إليها علامة فارقة وتبدلاً تاريخياً في الغطاء السياسي للاحتلال الصهيوني للمدينة، وقد وصل هذا الموقف اليوم ذروة تبنيه لموقف اليمين الصهيوني مع إعلان صفقة القرن التي منحت المحتل غطاء يحاول استثماره لفرض واقعٍ جديدٍ في الأقصى، لكنه يصطدم بفعل شعبي ويحاول ضربه وتقويض مسيرته.

شهد الموقف الأمريكي من القدس تحولاً تاريخياً تدريجياً، من التزام موقف متحفظ على ضمها صهيونياً، وهو الموقف الذي ورثته عن بريطانيا، الراعي الاستعماري السابق للمشروع الصهيوني، إلى تبني موقف اليمين الصهيوني من القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، بل والتقدم عليه في بعض الأحيان.

أعلن الكيان الصهيوني القدس عاصمةً له على لسان ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion في 13/12/1949، وفي 23/1/1950 أكد الكنيست على ذلك بقانون تأسيس مقر الحكومة الصهيونية في القدس. لم تعترف الولايات المتحدة بهذه الخطوة، ولم تنقل سفارتها من “تل أبيب” إلى غربي القدس، بل حافظت على مسافة عنها على الرغم من الغطاء الإجمالي الذي منحته للمشروع الصهيوني، وهذا ما ظهر واضحاً في موقفها التصويتي الذي سمح بتمرير قرارات مجلس الأمن 237، و242، و252، و271، و425، و478، وهو موقف كان مشروع التقسيم بقرار الأمم المتحدة 181 لسنة 1947 قد أفصح عنه حين اقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين مع مصير مختلف للقدس يضعها تحت نظامٍ خاص بإدارة الأمم المتحدة، وهو امتداد لخط السياسات البريطانية الذي أسسه مشروع لجنة بيل Peel Commission لتقسيم فلسطين لسنة 1937، الذي اقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين مع بقاء القدس وبيت لحم تحت انتداب بريطاني دائم.

شهد الموقف الأمريكي بعد ذلك تحولاً تدريجياً بدأت أولى محطاته سنة 1995 بقرار الكونجرس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، تبعه تحول تدريجي في خطاب الخارجية الأمريكية باعتبار مصطلح “جبل المعبد Temple Mount”، كمصطلح أساس للإشارة إلى المسجد الأقصى المبارك، وهو ما تجلى في تقرير الحريات الدينية الصادر عن الخارجية الأمريكية في 2010 مع نقد “حرمان السلطات الإسرائيلية لغير المسلمين من ممارسة حريتهم الدينية فيه”، وتأكد ذلك في تفاهمات جون كيري John Kerry التي أعلنها من عمّان، والتي ذكر فيها المصطلح 8 مرات قدّم المعبد على الحرم في 5 منها، واختلق خلالها وزير الخارجية جون كيري معادلة “المسلمين هم من يصلون على جبل المعبد، وغير المسلمين يزورون”، بما يجعل الزيارة حقاً لغير المسلمين ليس متوقفاً على إرادة الهيئة الإسلامية المسؤولة عن الأقصى.

توجت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump التحول الأمريكي تجاه القدس بقرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني في 6/12/2017، ونقل سفارتها إلى القدس في 14/5/2018، ثم أكملت تحول الموقف من المسجد الأقصى المبارك بمشاركة سفيرها ديفيد فريدمان David Friedman، ومبعوث إدارتها إلى عملية السلام جيسون جرينبلات Jason Greenblatt، والزعيم الجمهوري البارز في مجلس الشيوخ ليندزي غراهام Lindsey Graham في افتتاح حفرية في سلوان في 30/6/2019، وقد عدَّ فريدمان تلك الحفرية في سلوان “إرثاً أمريكياً” [11]، وصولاً إلى نص صفقة القرن الذي أعلن في 28/1/2020 باسم “السلام من أجل الازدهار Peace to Prosperity”، وتضمن صفحاتٍ من الخطاب التوراتي تجاه القدس، وتبنى موقف اليمين الصهيوني تجاه المسجد الأقصى عبر نقطتين:

1. اعتبار الكيان الصهيوني الراعي الحصري للمقدسات وللمسجد الأقصى المبارك: “دولة “إسرائيل” تستحق التقدير على رعايتها الأماكن الدينية للجميع”، وبأن “هذه الممارسة يجب أن تستمر”، دونما إشارة إلى الأوقاف أو الأردن أو ذكر لأي هيئة أخرى، ما يجعل وجود ومصير تلك الهيئات منوطاً بالإرادة الإسرائيلية بنظر تلك الصفقة.

2. تبني تقسيم الأقصى باعتباره الحل النهائي المقبول، والتأكيد على تمكين غير المسلمين من أداء شعائرهم كاملة في الأقصى: “الناس من كل دين يجب أن يسمح لهم بالصلاة في جبل المعبد/ حرم الشريف، بطريقة تحترم تماماً دينهم، آخذين في الاعتبار أوقات الصلوات ومواعيد الأعياد لكل دين، والعوامل الدينية الأخرى كذلك”، والجملة الأخيرة تبقي الباب مفتوحاً لمزيد من التوسع الصهيوني تحت بند مراعاة “العوامل الدينية الأخرى”.

استهلكت بلورة صفقة القرن ومحاولة طرحها معظم وقت الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزادت الأزمة السياسية الإسرائيلية الداخلية من طول تلك الفترة 18 شهراً، حتى اضطر ترامب إلى طرحها على رئيس حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية وزعيم المعارضة معاً، لعله يقنعهما بالتوحد على أساسها بعد الانتخابات، وكاد أن يخفق في ذلك، وزاد تعقيد أزمة كورونا والاحتجاجات ضده من ضبابية المشهد، ما اضطره إلى خفض الدفع لتنفيذها، ومحاولة التفرغ للانتخابات لحسم مصير ولايته الثانية، ويبدو أن هذا العنصر سيكون ذا أثرٍ محوري على مصير صفقة القرن التي تشكل مزيجاً من الرؤية الجمهورية يمينية ورؤية شخصية لترامب وعائلته، ويصعب الحفاظ عليها كرؤية استراتيجية أمريكية لإدارة الصراع.

ثانياً: التوظيف الإسرائيلي لتبدل الموقف الأمريكي:

جاء قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للصهاينة ليعزز مساراً متصاعداً لليمين القومي – الديني الصهيوني، وَضَعَ بناء الهيكل في محل الأقصى وعلى كامل مساحته، في قلب أهداف الكيان الصهيوني، بعد أن كان في هامشها؛ وليدفع قدماً أجندةً كانت ماضية لتقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً وصولاً للاستيلاء عليه. وقد حاولت الحكومة الإسرائيلية الاستفادة من الغطاء الأمريكي على جبهة باب الرحمة في شباط/ فبراير 2019، لكنها اصطدمت بردّ شعبي أجبرها على التراجع. كما حاولت العمل على جبهة نزع صلاحيات الترميم من الأوقاف، إذ بدأت عملية ترميم طويلة للسور الجنوبي الغربي في كانون الثاني/ يناير 2019 وهي ما تزال مستمرة حتى اليوم، وتتحدث تقارير عن نفاذها إلى التسوية الجنوبية الغربية عبر فتحات صنعتها في السور خلال الترميمات. ركز المحتل اهتمامه بعدها على محاولة فرض سمو التعريف اليهودي للمسجد على تعريفه الإسلامي بتكريس الأعياد اليهودية كمناسبات اقتحام حتى وإن تقاطعت مع مناسبات إسلامية، وهذا ما حصل في اقتحام 28 رمضان الذي وافق الأحد 2/6/2019، ثم اقتحام يوم الأضحى في 11/8/2019، والذي شارك فيه مكتب نتنياهو شخصياً بنشر خبر كاذب بأن نتنياهو قرر منع الاقتحام، ليسحبه بعد انفضاض حشد المصلين، ويمكّن للمقتحمين دخول الأقصى تحت عدوان القوات الخاصة.

في أيلول/ سبتمبر 2019 باتت الأولوية هي لفرض الصلوات اليهودية في الأقصى، وشهدت تلك الفترة اقتحامات وصلوات جماعية، لكن الرد الشعبي جاء بعد شهور في حملة الفجر العظيم بين كانون الأول/ ديسمبر 2019 وحتى آذار/ مارس 2020. ثم جاءت جائحة كورونا ليستثمرها المحتل لإطالة أمد إغلاق المسجد الأقصى 69 يوماً خلال الفترة 22/3-31/5/2020، وهي أطول فترة إغلاقٍ للأقصى منذ الحروب الصليبية، كشفت عنه غطاءه الشعبي، واستغلها الاحتلال لفرض وقائع لم يتمكن منها طوال 52 عاماً، فأغلق جميع أبواب الأقصى باستثناء بابين، وعزل إدارة الأوقاف القائمة في المدرسة المنجكية إذ بقي باب المجلس الذي يفصلها عن الأقصى مغلقاً، وباتت شرطته تلعب دور الأصيل الذي يسمح أو يمنع دخول موظفي الأوقاف بحسب مواقع عملهم ومواعيدها فقط بناء على قائمة سربت إليه من داخل الأوقاف. وقد فرض إغلاق الأقصى بعد ثلاثة أيامٍ من إعلان نتنياهو إجراءات طوارئ، وبعد أيامٍ من فرض مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تحديد عدد المصلين في دور العبادة بعشرين شخصاً، وجاء فتح الأقصى بعد أيام من موافقة المجلس نفسه على فتح دور العبادة ورفع القيود العددية عن المساحات المفتوحة، في مسارٍ استخدمه الاحتلال لتأكيد سيادته على الأقصى. وظهرت تسريبات عن اتفاق سري بين الخارجية الأردنية ونظيرتها الإسرائيلية، تتكشف إن صحت عن خسارةٍ أكبر وأعمق.

خلال فتح الأقصى، حرص الاحتلال على فرض صورة التساوي و”الفتح المتزامن” تطبيقاً لسياسة جديدة بدأت من أروقة محكمة الاحتلال العليا، وبنت عليها شرطة الاحتلال تعهداً بفتح الأقصى للمقتحمين بمجرد فتحه للمسلمين. وبمجرد فتح الأقصى بدأت شرطة الاحتلال تفرض مجموعة من الممارسات المستجدة: فباتت تخلي مسار المقتحمين من كل المصلين قبل الاقتحام، وعادت لتفتح جبهة تفريغ مصلى باب الرحمة باعتقال المداومين على الصلاة فيه، وإبعادهم عن الأقصى وضربهم. وبدأت جماعات الهيكل تعمل على تعزيز نفوذها مستكشفة اتجاهات عدة تشمل المطالبة بفتح الأقصى أمامها السبت، وصولاً لتكريسه يوماً حصرياً للصهاينة في الأقصى، ومحاولة تكريس حضورها في الجهة الغربية من الأقصى عند درج البائكة الغربي لقبة الصخرة، ويبدو أنها تستهدف الاستيلاء على باب السلسلة وإلحاقه بباب المغاربة.

إذا ما وضعت هذه التطورات في مسارات عامة تستقرئ أهدافها، فيمكن القول إن الحكومة الصهيونية وجماعات الهيكل يعملون على إعادة تعريف الأقصى باعتباره مقدساً مشتركاً بين المسلمين واليهود عبر المسارات الأربعة التالية:

1. تحديد مهام وصلاحيات الأوقاف الإسلامية في القدس باعتبارها تدير “الوجود الإسلامي في الأقصى” ولا تدير الأقصى بذاته باعتباره مقدساً إسلامياً، وذلك بموازاة هيئة أخرى تتولى إدارة حضور غير المسلمين فيه.

2. تمكين الصهاينة من أداء كامل الطقوس في المسجد الأقصى المبارك.

3. إعادة إغلاق باب الرحمة، واستعادة مسار التقسيم المكاني.

4. توسيع نطاق الحضور الصهيوني في يوم السبت زمانياً، وبالسيطرة على باب السلسلة ومحيطه والتسوية الجنوبية الغربية مكانياً.

في البعد الشخصي لصانع القرار الصهيوني ينبغي ألا يُغفل تطلع نتنياهو إلى تسجيل إنجازٍ دائمٍ باسمه، بعد أن أصبح أطول رؤساء الوزراء حكماً في تاريخ الكيان، وبعد التحديات الانتخابية والقضائية التي تهدد استمراريته. وقد جاء تحديده لموعد 1/7/2020 تاريخاً لفرض الضم مدفوعاً أساساً بهذا الدافع؛ ويشكل تغيير الوقائع في الأقصى وفرض الوجود اليهودي الدائم فيه إغراء تاريخياً مشابهاً، قد يكون تتويجاً لخطوة الضم إن فُرضت، أو تعويضاً عنها إن أعيقت، وهو ما يجعل خط العدوان على المسجد الأقصى خطاً مستمراً في الحالتين مع احتمالية تعززه في الثانية، ولعل المؤثر النسبي عليه اليوم هو استقرار الوضع السياسي الإسرائيلي الداخلي.

ثالثاً: تراجع الموقف الأردني وتخلخل الموقف العربي:

في مقابل تبدل الموقف الأمريكي نحو تبني عدوان اليمين الصهيوني المتصاعد على الأقصى، وقف الأردن أمام معضلة وادي عربة التي منح نصها الكيان الصهيوني موقع الأصيل الذي يحترم الدور الأردني ويضمنه، والتي جعلت الدور الأردني الحالي في الأقصى مؤقتاً؛ إذ أقرت الحاجة إلى إعادة تعريفه في أي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، اليوم الخميس، أن 91% من سكان القطاع يعانون من "أزمة غذائية"...