هارون هاشم رشيد.. شاعر فلسطين الكبير يرحل غريبًا عنها

لا تزال قصيدته الشهيرة “عائدون عائدون إننا لعائدون” يتردد صداها في أرجاء الوطن مع كل طفل لا يزال يحمل علم فلسطين، فهو من أرخ القضية الفلسطينية بأشعاره وقصائده ودواوينه العريقة والعميقة.
شاهد على القضية
هارون هاشم رشيد الشاعر الكبير ابن حي الزيتون في مدينة غزة، حيث ولد فيه عام 1927، وظل يحفظ في وجدانه أبوابها الكنعانية القديمة، ومسجد الشمعة القديم في البلدة القديمة، حيث تفجرت روح المقاومة ضد الانتداب البريطاني، ومن ثم الاحتلال الصهيوني.
كان الشاعر الراحل منذ البداية شاهدا على الأحداث، ومؤرخا لها عبر التطورات المتتالية التي مرت على فلسطين، ورأى بأم عينيه الأطفال الذين يبتلعهم البحر الهائج حين كانت تنقلهم مراكب اللجوء إلى شاطئ غزة بعد أن اقتلعهم اليهود من مدنهم وقراهم وبياراتهم.
أما هارون رشيد فقد أبحر بشعره في رحلة لم تتوقف طيلة حياته، وعلى صفحة البحر الفلسطيني نسج عذابات اليتم والقهر والتشرد بكل جوارحه، لكنه ربان ماهر يسبح في قصائد الرقة والحنين حيث نجد النوارس البيضاء، ومفردات الأمل من المستقبل، وأناشيد الغضب والكفاح، حيث يعبر عن نبض الأجيال التي لم تنسها عواصف الغربة أشجار بلادها الخضراء التي يعد هارون هاشم رشيد إحدى هذه الأشجار وارفة الظلال، ورغم أنه يعيش بعيدا عن الوطن، لكن السنديانة التي تحط عليها النسور بجناحيها، قبل أن تحط الرحال في فلسطين.
22 ديوانًا
أصدر هارون هاشم رشيد أكثر من 22 ديوانا شعريّا بدأها عام 1954، وشعره مملوء بالرومانسية الوطنية التي تغنت بها الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج، لما فيها من قدرة رائعة على استنهاض المشاعر والهمم، ومقت للغزاة، وعشق للحرية والحياة بشرف وكرامة، إضافة إلى عدد من المسرحيات الشعرية التي مزجت بين المتعة الفنية والقيمة الفكرية الوطنية الملتزمة.
بدأ هارون هاشم رشيد كتابة الشعر مبكرا، لكن ديوانه الأول (مع الغرباء) صدر عام 1954م، والذي تضمن قصيدة بعنوان (قصة) روى فيها مشاهداته هو وأمه إخوته الصغار لنسف بيوت حدث في غزة حيث كان عمره أحد عشر عاما، هذا الحدث الذي أثر في توجهه الفكري والسياسي، وقال في القصيدة:
قصة قد حدثت بالأمس
من عشرين عاما
حدثت في قريتي الخضراء
في أرض السلام
وآخر هذه القصيدة مقطع
لن ينام الثأر في صدري
وإن طال مداه
لا ولن يهدأ في قلبي
وفي روحي صداه
صوت أمي لم يزل
في مسمع الدنيا صداه
وأبي ما زال في قلبي
وفي روحي صداه
إن تقدم ثابت الخطو
إلى الخير تقدم
وتعلم كيف تروي غلة الدم
بنيران ودم
هذه القصيدة التي تغنيها فادية كامل، وهذا هو شعاره الذي لم يتغير وأحد ثوابته التي حافظ عليها طوال حياته.
هذا الديوان قدم له الدكتور عبد المنعم خفاجي، وفيه شيء أساسي للأديب والشاعر والإنسان والدبلوماسي الكويتي، عبد الله الأنصاري.
وآخر دواوينه الشعرية – ديوان (قصائد فلسطينية) صدر في عام 2002 بمناسبة اختيار عمان عاصمة للثقافة العربية.
وكانت أشعار الراحل رشيد مرتبطة ارتباطا حميما بالتراث، ويعد أن القصيدة إذا لم تلتزم، أو تقطع في إطار ما أخذه من هذا التراث، فإنما هي تنبَتُّ، وتصبح شيئا منبتا، لكنه كتب الشعر على نظام التفعيلة، أما الشيء الوحيد الذي ابتعد عنه في هذه المدارس الحديثة فهو محاولة الإيغال في الرمز أو الألغاز بحيث إنك تقرأ شيئا ولا تعرف ماذا تقرأ، إنه شاعر أحب أن يكون صادقا فيما يكتب، معبرا بصدق عن اللحظة التي يعيشها، حريصا كل الحرص على أن يكون ذلك الخيط الرفيع بينه وبين المتلقي موجودا، يعبر عن ذاته وهمه وهموم الآخرين.
وقد تأثر شاعرنا هارون هاشم رشيد بالشعراء الذين سبقوه على الساحة الشعرية في فلسطين منهم إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، عبد الخالق مطلق ، فمثلما أخذ أو تشبع أو دخل حسه الداخلي أبو تمام والمتنبي وامرؤ القيس، كذلك كان إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود، وحتى شعراء المهجر اللبنانيين وربطته علاقات حميمة مع عمر أبو ريشة ونزار قباني ومحمود حسن إسماعيل وأحمد رامي، كل هؤلاء كان بينه وبينهم علاقات وطيدة وحب كبير، كان يتأثر ويؤثر بقدر ما يستطيع، لم يكن يعيش في برج عاجي لا بالنسبة لقضيته ولا بالنسبة للشعر والشعراء الموجودين.
والملفت في شعر هارون هاشم رشيد أنه شعر تاريخي تحريضي يرفع راية الكفاح والأمل منذ اللحظة الأولى، لتفتح التجربة في ريعان الشباب وحتى اليوم، فيما كان يدعو له، إن كل إنسان يريد أن يؤرخ للقضية الفلسطينية ومراحلها ومآسيها يستطيع أن يجد كل ذلك في قصائده، فهو إنسان فلسطيني عاش بدايات الهجمة الصهيونية، وشاء الله أن يكون أحد المتطوعين لمساعدة اللاجئين الذين يأتون عبر المراكب، كان المركب يقف بعيدا وتذهب زوارق صغيرة لتأتي بالأطفال والنساء والرجال، ولسوء الحظ كان البحر هائجا فتنقلب الزوارق، ويذهب إليهم مع رفاقه ليحملونهم على أكتافهم إلى أماكن اللجوء التي كانت في ذلك الوقت المساجد والمدارس، ثم في الخيام، لقد بدأ يحتك مباشرة بهؤلاء الناس، ويرى المأساة بعينه كيف أن هذه الأسرة كانت تعيش في بيارتها وبيتها ومعاهدها ومدارسها وكرومها تتقلص حياتها لتكون في خيمة صغيرة، وكان من الأوائل الذين دقوا أول وتد من أوتاد هذه الخيام، وكانت أول قصيدة كتبها بعد عام 1948تتعلق بالخيمة:
أخي مهما ادلهم الليل
سوف نطالع الفجرا
ومهما هدنا الفقر
غدا سنحطم الفقرا
أخي والخيمة السوداء
قد أمست لنا قبرا
غداً سنحيلها روضا
ونبني فوقها قصرا
غدا يوم انطلاق الشعب
يوم الوثبة الكبرى
فلسطين التي ذهبت
سترجع مرة أخرى
ونعت وزارة الثقافة الفلسطينية، الشاعر الوطني الكبير هارون هاشم رشيد، الذي وافته المنية اليوم في مغتربه في كندا عن عمر ناهز (93 عاماً) قضاها مناضلاً ومكافحاً ومثقفاً كبيراً.
وقالت الوزارة إن رحيل الشاعر الكبير هارون هاشم رشيد، خسارة للثقافة الوطنية الفلسطينية والعربية، وتخسر فلسطين رمزاً من رموزها الإبداعية وعلماً من أعلامها النضالية الكفاحية، الذي كرس حياته وعمره من أجل الحرية والخلاص والعودة.
وكانت وزارة الثقافة الفلسطينية، اختارته شخصية العام الثقافية في العام 2014 تقديراً لدوره الفاعل والكبير في سبيل إعلاء قضية شعبنا الفلسطيني الثقافية والسياسية.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

القسام يبث تسجيلا لأسير إسرائيلي بعد نجاته من قصف قبل أسابيع
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، تسجيلا مصورا لأسير إسرائيلي قال فيه، إنه يحمل الرقم 24، وإنه...

مستوطنون يحتجزون 3 صحفيين في رام الله
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلاماحتجز مستوطنون، اليوم السبت، ثلاثة صحفيين وناشطا في قرية المغير شمال شرق رام الله، فيما اعتقلت قوات الاحتلال...

362 عملاً مقاوماً في الضفة والقدس خلال إبريل
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامتواصلت أعمال المقاومة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه خلال شهر إبريل/نيسان...

المجاعة تتفشى بمستويات كارثية والأورومتوسطي يوثق ارتفاعًا حادًا في معدلات الوفاة الطبيعية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ارتفاعًا حادًّا في معدلات الوفاة الطبيعية بين البالغين من سكان قطاع غزة، إلى...

مستشفى الكويت برفح: المخزون الطبي لدينا يكفي لأسبوع واحد فقط
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذّر مستشفى الكويت التخصصي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، اليوم السبت، من توقف عملياته معلنا أن المخزون الطبي لديه "يكفي...

77 شهيدا و275 جريحا في غزة خلال 48 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 77 شهيدا، و275 جريحا وذلك خلال 48 الساعة الماضية...

ألبانيزي: تجويع الفلسطينيين عار على الضمير العالمي
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام استنكرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي مواصلة الاحتلال...