الخميس 27/يونيو/2024

نيويورك تايمز: هل دقت ساعة الحقيقة بشأن سد النهضة؟

نيويورك تايمز: هل دقت ساعة الحقيقة بشأن سد النهضة؟

قالت صحيفة نيويورك تايمز (The New York Times): إن اللحظة -التي طالما خشيها المصريون وانتظرها الإثيوبيون بشغف لعقد من الزمن- قد حلت أخيرا بعد أن أظهرت صور أقمار اصطناعية هذا الأسبوع بدء تدفق المياه في خزان سد النهضة الإثيوبي الذي يعد الأضخم من نوعه في القارة الأفريقية.

وتأمل إثيوبيا أن يضاعف هذا السد الكبير -الذي يبلغ ارتفاعه ضعف ارتفاع تمثال الحرية- إنتاجها من الطاقة الكهربائية، وأن يعزز اقتصادها ووحدة شعبها في وقت تتسم الانقسامات الداخلية بالعنف.

وسارع وزير الري سيليشي بقلي إلى تهدئة المخاوف المصرية -بعد بث صور الأقمار الاصطناعية- من خلال التأكيد أن امتلاء الخزان نتج عن فيضانات موسمية طبيعية خلال موسم الأمطار.

ونفى المسؤول الإثيوبي أن يكون ملء السد قد بدأ فعليا، مؤكدا أن البداية الرسمية للملء ستكون بعد قرار المهندسين إغلاق بوابات السد، وهو ما لم يحدث بعد.

تطمينات إثيوبية
ورغم تلك التطمينات الإثيوبية، أثار مشهد صور تدفق المياه إلى خزان السد الذعر في مصر (دولة المصب)، والتي تعتمد على مياه النيل لتوفير 90% من حاجياتها المائية.

فمنذ عقد من الزمن، فاوضت القاهرة أديس أبابا بشأن كيفية ملء السد وتشغيله، وانتهت آخر محاولة في هذا المسلسل الطويل من المشاورات الاثنين الماضي دون نتائج حاسمة، لكن بعد بث صور الأقمار الاصطناعية وتقارير إخبارية من إثيوبيا، غدت التكهنات حقيقة، وأن ملء خزان السد قد بدأ فعليا.

ولعل ما زاد مخاوف القاهرة بهذا الصدد إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في مناسبات عدة على أن بلاده ستغلق أبواب السد بحلول نهاية يوليو/تموز الجاري، وقال خلال أحد تصريحاته مؤخرا: “إذا لم تملأ إثيوبيا السد، فهذا يعني أنها وافقت على هدم السد”.

وتؤكد الصحيفة الأميركية أن مصر لا تواجه في الواقع أي تهديد آني لأمنها المائي، حيث إنه حتى لو شرعت إثيوبيا في تعبئة السد كما هو مخطط له هذا الشهر، فلن يؤدي ذلك سوى لملء عُشر الخزان، ما يعني أن خطر التسبب في جفاف أو ندرة المياه ضئيل بالنظر لوجود احتياطيات وافرة من المياه بسد أسوان المصري.

لكن البلدين منقسمان حول قضايا رئيسة متجذرة في التاريخ أو مرتبطة بالثروة والشعور بالفخر الوطني، وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على خلافهما بشأن السيطرة على مياه النيل، وفق ما عبرت عنه نيويورك تايمز.

وتريد مصر ضمانات ملزمة قانونًا بأن إثيوبيا ستلتزم في حال حدوث فترات جفاف مطولة بوقف أو تخفيف وتيرة ملء السد، وأن يكون لها رأي في تطوير أديس أبابا لأي سدود أخرى على النيل مستقبلا.

في المقابل، ترفض إثيوبيا المطالب المصرية، وتعدّها انتهاكا لسيادتها، وتؤكد أن على القاهرة أن تقبل بأمر واقع جديد؛ وهو أن هيمنتها على النيل لقرون طويلة قد انتهت.

ورغم تفاصيله التقنية، فإن خلاف البلدين بشأن ملء سد النهضة سياسي أيضا؛ حيث يرى رئيس الوزراء الإثيوبي “الإصلاحي” الذي وصل السلطة عام 2018 أن مشروع السد “يوفر للإثيوبيين شيئا يمكن أن يتّحدوا حوله”، كما يرى المحلل السياسي الإثيوبي يعقوب أتيتو.

ويزداد هذا المطلب إلحاحا خاصة في سياق حالة العنف والانقسام التي شهدتها البلاد مؤخرا على خلفية المطالبات بتحسين وضعية قومية الأورومو -وهي أكبر قومية في البلاد- وما تسبب فيه مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا من أعمال قتل وعنف دموي.

شرعية السيسي
في المقابل، يطرح ملف سد النهضة لرئيس مصر عبد الفتاح السيسي عدة مخاطر برغم تأكيدات مسؤولين أمنيين في القاهرة بأنهم لا يتوقعون أي مظاهرات حاشدة في حال فشل الرئيس في التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا.

ويمكن لشرعية السيسي أن تتضرر كثيرا إذا فشل في إدارة الأزمة مع أديس أبابا، في وقت يواجه فيه تهديدات إقليمية أخرى خاصة في ليبيا المجاورة.

أما السودان، العالق جغرافيا بين الطرفين، فهو لا يخفي أنه سيستفيد من الكهرباء الرخيصة التي سينتجها السد، لكنه قلق من أن يتسبب أي تسرب مفاجئ للمياه في إلحاق الضرر بسده الأصغر حجما “الروصيرص” الحدودي مع إثيوبيا.

ويستبعد دبلوماسيين غربيون -في إطار تعثر مسار التفاوض وإصرار كل طرف على موقفه- أن تنفذ مصر تهديداتها “المبطنة” بالقيام بعمل عسكري ضد إثيوبيا، رغم أن القاهرة لم تستبعد هذا الخيار، مؤكدين أن التركيز الآن على التوصل لصفقة سياسية تنهي الخلاف.

ومن المتوقع أن يدعو الاتحاد الأفريقي، برئاسة جنوب إفريقيا، الأسبوع المقبل، إلى اجتماع طارئ لمناقشة الأزمة، على أمل أن تسفر دَفعة أخيرة لمسار التفاوض عن تبديد الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا.

المصدر : نيويورك تايمز

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات