الإثنين 05/مايو/2025

ضم الأغوار.. إسرائيل تتحكم بطعام الفلسطيني وشرابه

ضم الأغوار.. إسرائيل تتحكم بطعام الفلسطيني وشرابه

مبكّراً تنبهت “إسرائيل” لأهمية الأغوار الاقتصادية والسياسية، ووضعت حكومتها في خمسينات القرن الماضي خطةً لاحتلالها، وبعد عدوان 1967م ظهر مخطط “ألون” لاحتلالها وسرقة مواردها.

بقيت الأغوار سلّة فلسطين الغذائية ذات المياه الجوفية العذبة والصالحة للزراعة صيف شتاء مطمعاً للاستيطان، فأقام الاحتلال فوقها أكثر من 32 مستوطنة، وحول كثيرا منها لمناطق عسكرية منعاً لمستقبل دولة فلسطينية.

تحويل الأغوار للسيادة الكاملة الإسرائيلية، هو تحكم جديد وكامل بالأمن الغذائي للفلسطينيين في الضفة المحتلة، ومناطق أخرى يعتمدون على زراعة وسلع غذائية توفرها الأغوار.

المهم إسرائيلياً في سيادة الغذاء، هو السيطرة المتدرجة على مصادر المياه الجوفية وحوض نهر الأردن الذي يعد أهم مورد مائي فلسطيني لن يجد الفلسطيني هناك ماءً ليشربه أو يسقى زراعته وماشيته إلا بموافقة إسرائيلية.

وتشير إحصاءات رسمية أن “إسرائيل” تفرض كامل سيادتها على 88% من مساحة الأغوار بقوة الجيش وتعزيز الاستيطان، الذي طال 27 قرية فلسطينية يتعرض سكانها للاحتلال من 1967 ثم للتهجير.

السيادة على الغذاء
تبلغ مساحة الأغوار 720 ألف دونم، تمتد الأغوار جغرافيا من بلدة بيسان جنوبا حتى صفد شمالًا، ومن عين جدي حتى النقب جنوبا، ومن منتصف نهر الأردن حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية غربًا.

أما مساحة الأراضي الزراعية فهي 280 ألف دونم، وهي 38.8% من المساحة الكلية للأغوار يسيطر المستوطنون على 27 ألف دونم من الأراضي الزراعية فيها.

وتقول د. رزان زعيتر المنسق العام للمنظمة العربية لحماية الطبيعة ورئيسة الشبكة العربية للسيادة على الغذاء، إن معظم مساحة الأغوار أضحت محتلة، وخطة ضمها ترمي لتهجير سكان 50 ألف دونم من الفلسطينيين من أصل 720 ألف دونم معظمها تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة.

وتضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “تسعى خطة الضم للهيمنة على الموارد الطبيعية، وأهمها الحوض الشرقي، وهو أكبر مصدر للمياه الجوفية بالضفة، ولخنق الأمن الغذائي للضفة بالكامل”.

وتقدّر الخبيرة زعيتر ربح 35 مستوطنة بالأغوار بقرابة 10 مليار $ بينما، تحمل خطة ضم الأغوار فصل الأردن عن فلسطين بشكل كامل وإلغاء أي تواصل مستقبلي.

ويبلغ عدد سكان الأغوار أكثر من 65 ألف نسمة، 10 آلاف فقط تحت السيطرة الإسرائيلية الجزئية، مهددين الآن بهيمنة الاحتلال الكاملة وخطر التهجير. 

وكان وزير البيئة الإسرائيلي أكد مؤخراً أن الضم سيشمل أكثر من 60% من جنين والمناطق المحيطة بها، وتشمل مرحلة الضمّ الأولى 30% من الضفة.

زبون لدى الاحتلال
وتعد الأغوار سلّة فلسطين الغذائية، وهي تنتج 100% من حاجة الضفة من التمور، و100% من حاجته من الموز، و60% من الخضار ترد للضفة من الأغوار، إضافة لكثير من السلع الغذائية؛ ما سيجعل الفلسطيني زبونا مشتريا من الاحتلال بعد الضم.

وتتابع الخبيرة زعيتر: “انتقال السيادة الكاملة في الغذاء لإسرائيل يزيد عبء المستهلك الفلسطيني، ويصبح طعامه تحت رحمة الاحتلال”.

ولم تنجح السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق باريس الاقتصادي 1994م من تعديل الاتفاق لاحقاً أو الاستفادة من إيجابياته التي قابلها لوبي صهيوني بتعزيز الهيمنة الاقتصادية وضرب الأمن الغذائي لصالحه.

وترى الخبيرة زعيتر، أن مناطق الأغوار بحاجة للتطوير، ويعاني بعضها من التهميش الزراعي وحرائق مفتعلة تمتد من الأغوار الفلسطينية إلى الأغوار الأردنية، وتهاجم الخنازير البريّة التي يطلقها الاحتلال بشكل مفتعل محاصيل المزارعين.

ويحتاج المزارع بالأغوار الفلسطينية والأردنية عامةً إلى دعم تسويق منتجاته، وإنعاش البنية الزراعية في منطقة من أخصب الأراضي الزراعية بالمطلق.

ويؤكد عارف دراغمة، الناشط في مجال حقوق الإنسان بالأغوار، إن خطّة الضم المرتقبة لم تنعكس بشكل جديد على تطورات الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني، فعمليات هدم المنشآت والتدريبات العسكرية والاعتداء على المزارعين لم تتوقف.

ويلخّص أهداف الاحتلال الأساسية في الأغوار بثلاث كلمات؛ “أرض-مياه-حدود”، وقد حاصر الاحتلال الفلسطيني بواسطة انتشار واسع ومتدرج للمستوطنين والتسبب في تصحّر الأرض وفق سياسة متكاملة من مؤسسات إسرائيلية.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “ما يجري قديم جداً هنا، المستوطنات ارتفعت لـ36 مستوطنة وبؤرة، ومعسكرات تدريب الجيش في ازدياد مع مرور الزمن، صفقة القرن هي وضع اللمسات الأخيرة على الأغوار وسجنها خلف بوابات إسرائيلية”.

ويتابع: “خلال سنتين أقاموا 4 مستوطنات جديدة تضم كل مستوطنة 400-500 بقرة تهدد مربي المواشي، فيما حرقت تدريبات الجيش ومناوراته العسكرية آلاف الدونمات، وقضت على الرعي والزراعة فيها على طول 70 ألف دونم معظمها تحت السيطرة العسكرية”.

تحكم اقتصادي وسياسي
قسّم اتفاق “أوسلو” الأغوار لمناطق تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، 85 كلم بنسبة 7.4% من مساحتها، ومناطق مشتركة بين السلطة وإسرائيل 50 كلم بنسبة 4.3%، ومناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة ومساحتها 1155 كلم، وتشكل الغالبية العظمى من منطقة الأغوار (بنسبة 88.3%) حسب إحصاءات متداولة.

اتفاق وادي عربة لم ينصف الأردن ولا الأغوار، بل أدى لجفاف مجرى ومياه نهر الأردن المهم للأغوار الشرقية والغربية وفق تحكم إسرائيلي كامل، وهذه قضية ذات بعد سياسي بامتياز.

وتقول زعيتر إن الأحواض المائية على ضفتي الأغوار متشابهة بالكامل بنفس الارتفاع والمياه العذبة التي نجحت فيها أنواع كثيرة من الزراعة والمحاصيل، وواصلت “إسرائيل” سرقة المياه من الجانب الأردني.

ويمنع الاحتلال وفق الخبيرة زعيتر الفلسطينيين في الأغوار من امتلاك آبار مياه جديدة أو تجديدها، ويلعب الممولون الأجانب دوراً سلبياً في تهميش دعم المزارع الفلسطيني هناك.

في السنوات الأخيرة نقل الاحتلال مناورات جيشه من النقب إلى الأغوار بهدف إرهاب السكان، وتخريب أراضيهم، وقطع خطوط المياه، ودمر قطاع الرعي والماشية في تطورات يومية دأبت على نقلها وسائل الإعلام.

وتسيطر سلطات الاحتلال على 400 ألف دونم بدعوى استخدامها مناطق عسكرية مغلقة، أي ما نسبته 55.5% من المساحة الكلية للأغوار، أنشأت فيها 90 موقعًا عسكريا منذ احتلال 1967.

ويؤكد أحمد الحيلة، الباحث الفلسطيني، أن ضمّ الأغوار له بعد سياسي لأي دولة فلسطينية مستقبلية تتمتع بموارد اقتصادية تدعم استمرارها وسكانها، وأن أي مشروع دولة سيكون ضيق المساحة، كثيف السكان، مما يضعفها.

ويلفت الحيلة إلى أهمية البحر الميت معلما سياحيا وموردا اقتصاديا للاستثمار، وهذا مصدر دخل مفترض مستقبلاً تحوّل لخزينة الاحتلال، بينما ينتهي مستقبل المياه وأكبر حوض مائي فلسطيني.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “مستحيل تقوم دولة فلسطينية بدون الأغوار، لأنها تفقد موارد مهمة، وتفتقد للتواصل الجغرافي، ويحرم الفلسطيني من حركة مع جوار طبيعي عربي وهو الأردن، إلا بإذن “إسرائيل” ولذلك عبء اقتصادي وسياسي ونفسي”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات