الخميس 08/مايو/2025

أزمة التعليم في الضفة الغربية في زمن الكورونا

ثامر سباعنه

المقدمة:

مع أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2019، تم تحديد فيروس كورونا المستجد، والمعروف أيضاً باسم كوفيد-19 أو Coronavirus COVID-19، للمرة الأولى في مدينة ووهان التابعة لإقليم خوبي في الصين، وبداية من 11/2/2020، اصطلحت منظمة الصحة العالمية على تسمية النسخة الجديدة من هذا الفيروس باسم كوفيد-19، وعرفته بوصفه مرضاً معدياً، ومنذ ذلك الحين، بدأ المرض في التفشي بسرعة في العديد من دول العالم.

وحتى 19/6/2020، أحصت منظمة الصحة العالمية إصابة أكثر من 8 ملايين و600 ألف حالة؛ أغلبها في الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وروسيا والهند والمملكة المتحدة وإسبانيا والبيرو وإيطاليا وتشيلي وإيران، فيما سجلت أكثر من 450 ألف حالة وفاة.

سارعت السلطة الفلسطينية للتعامل مع انتشار الكورونا، فأعلنت سلسلة قرارات من بينها إعلان حالة الطوارئ في مناطق السلطة الفلسطينية، كما أصدرت الحكومة الفلسطينية قراراً بإغلاق المؤسسات التعليمية في الضفة الغربية، وشمل القرار المدارس الحكومية والخاصة، بالإضافة للجامعات والمعاهد.

ومنذ الإعلان عن إغلاق المؤسسات التعليمية، سارع البعض للحث على العمل ضمن برنامج التعليم عن بعد واستخدام التكنولوجيا والإنترنت في التعليم، وبالفعل ظهرت مجموعة من المبادرات الشخصية.

كيف أدارت السلطة الفلسطينية موضوع التعليم في ظلّ الكورونا؟

هل تملك السلطة الإمكانيات لإيجاد بدائل في العملية التعليمية؟

نبذة تاريخية:

منذ نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو سنة 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، كان استلام مسؤوليات التعليم في الأراضي الفلسطينية من أول الأعمال التي قامت بها السلطة، فتسلمت السلطة وزارة التربية والتعليم وبذلت الجهود للنهوض بالتعليم الفلسطيني، وبدأت ببناء المدارس وترميم القديم منها، بالإضافة إلى تعيين الكوادر التعليمية والمعلمين، وتطوير ومتابعة المناهج بشكل دوري، بالإضافة إلى فتح مديريات التربية والتعليم في أكثر من منطقة.

إن نسبة التعليم المدرسي في فلسطين مرتفعة، إذ تبلغ نحو 78% لدى كلا الجنسين، ولكن هذا لا ينفي وجود مشاكل التسرب من المدارس وعمالة الأطفال. وقد بلغت نسبة الطلبة الملتحقين بالمدارس الحكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 73%، أما الباقي فموزعون على مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA) بنسبة 24%، والمدارس الخاصة بنسبة 6%.

يوضح الجدول التالي أعداد المدارس منذ استلام السلطة الفلسطينية للتعليم سنة 1993 وحتى سنة 2018:

أعداد المدارس منذ استلام السلطة الفلسطينية للتعليم سنة 1993 وحتى سنة 2018
العام الدراسيعدد المدارس
1994/19951474
1995/19961470
1996/19971532
2000/20011835
2001/20021918
2003/20042109
2009/20102577
2010/20112652
2015/20162914
2016/20172963
2017/20182998

أي أن هناك ارتفاعاً في عدد المدارس منذ استلام السلطة الفلسطينية للتعليم وحتى سنة 2018 بلغ 1524 مدرسة، وهذا رقم كبير يشير إلى اهتمام السلطة بالتعليم على الرغم مما تعانيه من معيقات وضعف اقتصادي.

كما أولت السلطة الفلسطينية أهمية للتعليم العالي، إذ أنشأت جامعات ومعاهد جديدة، بالإضافة إلى فتح كليات وتخصصات جديدة.

إحصائيات:

وفقاً لإحصائيات وزارة التربية والتعليم وجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني بلغ عدد الطلبة في المدارس للعام الدراسي 2018/2019، نحو مليون و282 ألف طالباً وطالبة، وبلغ عدد المعلمين 57458 معلماً ومعلمة.

فيما بلغ عدد الجامعات والكليات الجامعية وكليات المجتمع المتوسطة في فلسطين في العام الدراسي 2018/2019؛ 50 (33 في الضفة الغربية، و17 في قطاع غزة)، بالإضافة إلى جامعتين للتعليم المفتوح: جامعة القدس المفتوحة ولها 17 فرعاً في الضفة الغربية، و5 فروع في قطاع غزة، والجامعة العربية المفتوحة في رام الله.

وبلغ عدد خريجي هذه الجامعات والكليات 46 ألف خريج وخريجة وذلك للعام الدراسي 2017/2018.

وتفيد بيانات الإحصاء الفلسطيني بأن أكثر من ثلث الأسر الفلسطينية لديها جهاز حاسوب، وأن نحو 65% منها لديها قدرة على استخدام الإنترنت في المنزل، عدا عن الإنترنت في الهواتف الخلوية، وأن أكثر من 80% من الأفراد يمتلكون المهارات الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

مشكلات التعليم في فلسطين:

على الرغم من إدراك السلطة الفلسطينية قيمة وأهمية التعليم في فلسطين، إلا أن هناك مجموعة من الإشكالات التي يعاني منها قطاع التعليم في فلسطين، نذكر منها:

• اكتظاظ الغرف الصفية، ويعود ذلك لحاجة العديد من المناطق الفلسطينية لبناء مدارس جديدة، والأمر طبعاً يعود لعدم توفر الدعم المالي لبناء المدارس.

• ارتفاع في أعداد الطلبة الخريجين في تخصصات محددة مع قلة التوظيف، وبالتالي بطالة في السوق الفلسطيني.

• قلة الإقبال على التعليم المهني.

• مشاكل التعليم في القدس من حيث المنهاج والسيطرة على المدارس هناك.

• انخفاض رواتب المعلمين.

• فقدان الدافعية للتعلّم لدى الطلبة.

التعليم في زمن الكورونا:

في 5/3/2020، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن تسجيل أول 7 حالات إصابة بفيروس كورونا في فلسطين، تم تسجيلها في مدينة بيت لحم، وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني، وفي خطاب متلفز، ألقاه بالنيابة عنه رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتية، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ في فلسطين، مدة 30 يوماً قابلة للتجديد.

تعاملت الجهات الرسمية الفلسطينية مع هذه الأزمة بمنهج وقائي، حيث أدركت أن الفلسطينيين إذا وصلوا لمرحلة الإصابة والعلاج، فلن يكون بمقدورهم التعامل مع هذه الأزمة؛ لعدم توفر الإمكانيات اللازمة، وتم تجديد الطوارئ مجدداً لمدة 30 يوم في 3/4/2020، بعد أن ارتفع عدد المصابين لـ 161 مصاب وحالة وفاة واحدة. ووصل عدد الحالات في الضفة الغربية حتى 18/6/2020 إلى أكثر من 750 حالة.

ومع إغلاق المدارس والجامعات الفلسطينية وتوقف العملية التعليمية، بدأت المؤسسات التعليمية بالبحث عن بديل عن التعليم النظامي، وبرزت هنا فكرة التعليم عن بعد واستخدام التكنولوجيا في التعليم. وبالفعل بادر مجموعة من المعلمين في استخدام البرامج الإلكترونية المختلفة للتعليم وللوصول إلى الطلبة، ومع توقع طول فترة الطوارئ، وإغلاق المؤسسات التعليمية، بدأت وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي بالبحث عن بديل عن التعليم النظامي، واستخدام التعليم عن بعد، وصدرت مجموعة قرارات وتوجهات لمديريات التربية والتعليم والجامعات لإدارة موضوع التعليم عن بعد.

لا يوجد تعريف واحد حول التعليم عن بعد يمكن أن يشمل التعريف مصطلح التعليم عبر الإنترنت بإستخدام جهاز كمبيوتر شخصي أو مصطلح التعليم الإلكتروني. فهو بصفة عامة، تعليم يعتمد على الاتصال بالإنترنت، وتتم التفاعلات عبر المنتديات، وتقسم الدورات التعليمية إلى وحدات تحتوي على الفيديوهات والمواد المقروءة التي توفر المعلومات التي تحتاجها لإكمال الواجبات. ومن المميزات التي يقدمها لك التعليم عن بعد هو توفير المسافة والوقت، ولا يشترط أن يكون معلمك متواجد معك في المكان نفسه.

لقد ظهرت فكرة التعليم عن بُعد في نهايات السبعينيات من القرن العشرين بواسطة الجامعات الأوروبية والأمريكية؛ حيث كانت ترسل البرنامج التعليمي للطلبة بواسطة البريد، وكانت تتمثل حينها بالكتب، وشرائط التسجيل، والفيديوهات؛ لتقدم شرحاً وافياً حول المناهج التعليمية، وكان الطلبة يندمجون مع هذا النمط التعليمي، ويلتزمون بما يوكل إليهم من فروض وواجبات، ولكن تشترط الجامعات على طلبتها القدوم إلى الحرم الجامعي في موعد الاختبارات النهائية.

التعليم عن بعد في الضفة الغربية:

يرى الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور، أن فلسفة الوزارة باعتماد التعلم عن بعد على أنه تعلم تفاعلي، لإدراكها لبعض المعطيات التي أكدت على التباين في مستوى ومردود هذا النوع من التعلم على الطلبة، لاعتبارات تقنية وخدمة الإنترنت، وعدم توفرها عند جميع الطلبة، وكذلك الفروق الفردية بينهم.

وعلى الرغم من تأكيد الخضور على الإشادة بمبادرات المعلمين لابتكار أساليب للتعليم عن بعد، لكن هذا النوع من التعلم على الرغم من أهميته كرافد بالعملية التعليمية لا يشكل بديلاً عن التعليم الوجاهي، ولن يخضع الطلبة فيه للتقييم حال عودتهم للمدارس.

اتخذ مجلس عمداء الجامعة العربية الأمريكية، دون الارتباط بأزمة كورونا أو أي أزمات أخرى، قراراً بالتحول جزئياً إلى التعليم الإلكتروني، وعلى هذا الأساس بدأت الجامعة بتجهيز بنية تحتية لتنفيذ القرار، ومع بدء أزمة تفشي فيروس كورونا، وما رافقها من إجراءات أبرزها تعطيل المؤسسات التعليمية، وجدت الجامعة نفسها مضطرة إلى التحول إلى هذا النوع من التعليم بنسبة 100%.

وقال نائب رئيس الجامعة لشؤون التخطيط والتطوير، الدكتور أحمد صالح، “كنا قد اتخذنا قراراً بإدخال التعليم الإلكتروني في برامج الجامعة بنسبة 20–30% من كامل البرامج التعليمية في الجامعة، وبدأنا تجهيز الكادر والبنى التحتية على هذه الأساس، والهدف كان استقطاب الطلاب من الخارج. مع تفجر أزمة كورونا، وجدنا أنفسنا مضطرين، ليس فقط في تسريع خططنا المقرة أصلاً، وإنما للتحول الى التعليم الإلكتروني بنسبة 100%”.

وضع مؤسس منصة التعليم عن بعد “I Teacher” عبد الله قدح، وبعد إعلان الحكومة الفلسطينية عن حالة الطوارئ وإغلاق المدارس، المنصة التعليمية تحت تصرف وزارة التربية والتعليم، وفتحها بشكل مجاني أمام الطلبة للاستفادة من المواد التعليمية، ويوضح قدح أن “I Teacher” أول منصة تعليم إلكتروني توفر المنهاج الفلسطيني من خلال فيديوهات مسجلة، عبر معلمين معتمدين من وزارة التربية والتعليم، وتشمل مواداً للمرحلة الثانوية ومدققة للمحتوى، وتحتوي على 8500 فيديو مسجل.

لكن برزت مجموعة من الملاحظات حول التعليم الفلسطيني في زمن الكورونا:

أولاً: تأخرت وزارة التربية والتعليم في التعامل مع حالة الطوارئ، وأدخلت المؤسسات التعليمية في حالة ترقب وبحث عن إجابات.

ثانياً: جل المبادرات للتعليم عن بعد كانت مبادرات ذاتية من المعلمين ودون تنسيق مع الوزارة أو مديريات التربية والتعليم.

ثالثاً: تركت وزارة التعليم العالي للجامعات والكليات حرية التصرف، وتركت للمؤسسات التعليمية اتخاذ القرارات المتعلقة بالفصل الدراسي، وهذا أوجد حالة إرباك سواء لطلاب الجامعات أم للمؤسسات التعليمية.

رابعاً: اظهر التعليم عن بعد ضعفاً تعاني منه العملية التعليمية في الضفة الغربية، فقد برزت قلة الخبرة لدى المعلمين، وضعف البنية التحتية المتعلقة بهذا الشكل من التعليم، بالإضافة إلى قلة إقبال الطلبة وخصوصاً طلبة المدارس،

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...