الرئيس عباس وأزمة المصداقية

بصراحة، فإن كاتب هذه السطور ليس مطمئناً إلى جدية إعلان الرئيس عباس أن منظمة التحرير ودولة فلسطين أصبحتا في حلٍّ من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وذلك في كلمته التي ألقاها مساء الثلاثاء 19 أيار/ مايو 2020. وأضاف فيها أن على سلطة الاحتلال ابتداء من الآن أن تتحمل جميع المسؤوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال.
وبغض النظر عن أن هذا التصريح يصبُّ في الاتجاه الصحيح في التعامل مع الاحتلال، وفي التعامل مع النتائج المترتبة على كارثة اتفاق أوسلو ومسار التسوية وما انبنى عليه من استحقاقات؛ فإن التجربة مع عباس طوال السنوات الماضية تشير إلى أنه يقدم خطاباً سياسياً يفتقر للمصداقية عندما يتعلق الأمر بمواجهة الاحتلال، وأن الجميع بمن فيهم القوى الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وحتى العرب والأمريكان والإسرائيليين، لم يعودوا يأخذونه مأخذ الجد.
في السنوات الخمس الماضية صدرت قرارات عن المؤسسات التشريعية “الرسمية” الفلسطينية (المجلس المركزي والمجلس الوطني) التي يُهيمن عليها عباس وحركة فتح بوقف التنسيق الأمني، وتعليق الاعتراف بـ”إسرائيل”، ووقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي. وهذه القرارات كانت تحال إلى قيادة المنظمة وعلى رأسها عباس الذي يقوم بوضعها في “الثلاجة”. وحتى عندما اتخذ قراراً في 25 تموز/ يوليو 2019 بتشكيل لجنة لتنفيذ القرار، فإنها لم تفعل شيئاً.
أما وقف التنسيق الأمني، فقد تكرر الإعلان عن وقفه نحو ستين مرة، بحسب بعض الباحثين، بحيث أصبح خبراً ممجوجاً مستهلكاً عندما يصدر عن قيادة السلطة. وحتى بعد الإعلان الأخير لعباس، فإن الجهات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بحسب موقع “والا”، تقول بأنه لم يطرأ تغيير على التنسيق، وأنه من المبكر جداً الحكم على كيفية تنفيذه على الأرض.
إن أي جهة جادة في مواجهة الاحتلال لأرضها تعطي أولوية قصوى لاستجماع أوراق قوتها، وتستدعي كل ما لديها من إمكانات في معركة المواجهة والتحرير، فكيف إذا كانت هذه القوة الغاشمة هي المشروع الصهيوني المدعوم من قوى كبرى، والمعزز بلوبيات صهيونية وأدوات نفوذ كبيرة في العالم الغربي؟
ولذلك، فعندما يأتي عباس ومعه قيادة السلطة والمنظمة، فيقومون بمجموعة إجراءات ويتبنون عدداً من السياسات لا تصبُّ إلا في إضعاف الوضع الفلسطيني وزيادته وهناً على وهن، فإن هذه القيادة لا توصف فقط بعدم الجدية، وإنما بالفشل في تحمل المسؤولية، وبأنها سبب أساس في الحالة البئيسة التي وصل إليها الوضع الفلسطيني.
فكيف يفسَّر عباس إصراره وإصرار قيادة فتح على الهيمنة على منظمة التحرير الفلسطينية، وإفراغها من محتواها النضالي، ومن عملها المؤسسي، وتحويلها إلى دائرة من دوائر السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى إفراغها من جوهرها التمثيلي الحقيقي للشعب الفلسطيني وقواه الحيَّة الفاعلة على الأرض؟
وكيف يفسر إصراره على استمرار العقوبات على قطاع غزة؟
وكيف يفسر إصراره على عدم دعوة الإطار القيادي الموحد للشعب الفلسطيني، وتعطيل قدرته على الانعقاد والعمل؟
وكيف يفسر حلّه للمجلس التشريعي للسلطة؟ وتشكيله حكومة فتحاوية لقيادة السلطة؟
وكيف يفسر استخدامه للمال السياسي في محاولة إخضاع الفصائل الفلسطينية، وحرمان فصائل رئيسية من مخصصاتها من الصندوق القومي الفلسطيني؟
كيف يريد عباس من الآخرين أن يتعاملوا بجدية مع خطوته، باعتبارها تغيّراً في مسار عمله السياسي، بينما تركيبته العقلية والنفسية مبنية على ممارسة الإقصاء والهيمنة في الساحة الفلسطينية؛ وهو في الواقع يمارس سلوكاً لا تكون نتيجته سوى إطالة أمد الاحتلال وتوسعه. ثم يأتي حتى في هذا الخطاب الأخير ليؤكد الالتزام بحل الدولتين وما أسماه “محاربة الإرهاب”، وكأنه يطمئن الصهاينة والأمريكان والقوى الغربية بأنه لن يخرج من المربع الذي وضع نفسه فيه؛ خصوصاً أن العمل المقاوم المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي يدخل ضمن المفهوم الأمريكي الغربي للإرهاب.
إن الحد الأدنى لأخذ تصريحات عباس بالجدية اللازمة، ولأن تكسب بعض المصداقية، هو أن يبدأ فوراً بخطوات يملك تنفيذها مثل دعوة الإطار القيادي الموحد للانعقاد وممارسة صلاحياته على الأرض، والوقف الفعلي الحاسم للتنسيق الأمني مع الاحتلال، ووقف العقوبات على قطاع غزة. ثم البدء فوراً بالخطوات العملية المتعلقة بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل مجلس وطني جديد ومجلس مركزي جديد يستوعبان كافة القوى الفلسطينية، ويعبران عن أوزانها الحقيقية، والتوافق على برنامج وطني على أساس الثوابت.
ويندرج في هذا السياق، إعادة تعريف السلطة الفلسطينية على أساس التخلص من الاحتلال، وليس مجرد إدارة الحياة تحت الاحتلال، وتشكيل حكومة انتقالية للسلطة تعبر عن الوحدة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.
المصدر: موقع عربي21، 2020/5/24
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تهنّئ البابا ليو الرابع عشر لانتخابه رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية
المركز الفلسطيني للإعلام تقدّمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأصدق التهاني والتبريكات إلى البابا ليو الرابع عشر، بمناسبة انتخابه رئيسًا للكنيسة...

الحصاد المر لـ 580 يومًا من الإبادة الجماعية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نشر المكتب الإعلامي الحكومي ينشر تحديثاً لأهم إحصائيات حرب الإبادة الجماعية...

رامي عبده: خطة المساعدات الأميركية الإسرائيلية أداة قهر تمهد لاقتلاع السكان من أرضهم
المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، إن الخطة الأميركية‑الإسرائيلية التي تقضي بإسناد توزيع مساعدات محدودة...

قتلى وجرحى بتفجير القسام مبنى بقوة من لواء غولاني في رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قتل عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصيب آخرين في رفح، اليوم الخميس، وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فيما قالت كتائب...

شهيد وجرحى في سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن لبناني وجرح آخرون، في سلسلة غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على جنوبي لبنان، اليوم الخميس، على ما...

حصيلة الإبادة ترتفع إلى أكثر من 172 شهيدا وجريحا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، بأن مستشفيات القطاع استقبلت 106 شهداء، و367 جريحا وذلك خلال 24 الساعة الماضية...

الادعاء الروماني يحيل شكوى ضد جندي إسرائيلي إلى النيابة العسكرية
بوخارست - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مؤسسة “هند رجب” أن المدعي العام في رومانيا أحال الشكوى التي تقدمت بها المؤسسة ضد جندي إسرائيلي إلى مكتب...