مستقبل المشهد الدولي بعد الكورونا (كوفيد 19)

من بين مشكلات الدراسات المستقبلية في تطوير نماذجها في إطار الدراسات المستقبلية هو في كيفية إدراج المتغير “قليل الاحتمال عظيم التأثير Low Probability –High Impact” خصوصاً عندما يشكل هذا المتغير نقطة تحول في اتجاه Trend معين للظاهرة موضوع البحث أو نقطة تحول للاتجاه الأعظم Mega-Trend للظاهرة.
ويتم تقسيم هذا المتغير إلى ثلاثة انماط:
1. نموذج الأوزة السوداء Black Swan؛ وهو الحدث غير المتوقع نهائياً. وبالتالي ليس هناك خطط لمواجهته، وهو أمر لا ينطبق على فيروس كورونا الذي يتوفر قدر غير قليل من الدراسات العلمية التي تنبأت به. [1]
2. النموذج المتوقع بدون استعداد لمواجهته Known but unprepared for، [2] أي متوقع ولكن لا يوجد استعدادات مسبقة لمواجهته، وهو ما ينطبق على الكورونا.
3. نموذج المتوقع وهناك استعداد لمواجهته Known and prepared for. وهو ما لا ينطبق على الكورونا أيضاً.
وتتم دراسة هذا المتغير بمناهج متداولة في الدراسات المستقبلية وهي المنهج الإرشاديHeuristic أو المنهج الحتمي Deterministic أو المنهج الاحتمالي Probabilistic، ولكل منها خطواته المنهجية المحددة. [3] ولا يتسع المقام للدخول في تفاصيل هذه المناهج. [4]
مما سبق، نقول إن الكورونا كان متوقعاً لا من العلماء فحسب بل ومن السياسيين أيضاً، لكن الخطط للمواجهة لم تتم لأسباب تستحق من الباحثين التأمل والبحث فيها.
أولاً: النظام الدولي بين الاتجاهات الأعظم ونقاط تحوله:
بالعودة للتاريخ الإنساني يتبين أن “العقل الإنساني” عبر التطور التدريجي تمكن في خاتمة المطاف من استيعاب الصدمات الكبرى (وبائية، أم سياسية، أم اقتصادية، أم بيئية، أم غيرها)، وإعادة تكييف بُنياته بشكل يحافظ على أربعة “اتجاهات عظمى” لم تتوقف في التاريخ الإنساني على الرغم من كل نقاط التحول الكبرى والصغرى، ولم تثنها الصدمات أو نقاط التحول وتعرجات مسار الظواهر عن الاستمرار، وهي:
1. الحفاظ على الحياة الإنسانية: والدليل أن عدد سكان العالم لم يتوقف عن “اتجاه” التزايد في أي فترة من فترات التاريخ على الرغم من كل ما واجهته البشرية من “أعوام رمادة” أو حروب أو امراض أو غضب الطبيعة…إلخ.
2. التطور العلمي في مختلف مناحي الحياة: إذ تتراكم المعارف في مختلف العلوم والفنون وتجري غربلة النظريات والاكتشافات والإبقاء على بعضها أو تطوير البعض الآخر أو إحلال الجديد محل ما لم يعد مناسباً في الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة والأدب والفن…إلخ، ولم يتوقف هذا التطور والتراكم العلمي ولو للحظة واحدة على الرغم من كل التطورات المفاجئة وغير المفاجئة.
3. التواصل بين المجتمعات وتطوير أدوات هذا التواصل من خلال تنامي نشوء المدن (تجمعات سكانية أكثر تواصلاً)، وتقريب المسافات (بأداوت المواصلات من الخيل إلى الكونكورد)، بل وإلغاء المسافات (بالفضائيات وشبكات الإنترنت)، وتؤكد دراسات الأثنروبولوجيين التاريخية هذه المسألة بشكل كبير. [5]
4. العلاقة الجدلية بين الإنسان والإنسان (والمجتمع والمجتمع الآخر)، والعلاقة الجدلية بين الإنسان والطبيعة وما ورائهما، وتتمثل هذه الجدلية في علاقة مزدوجة تتمظهر بالصراع أحياناُ (بالحروب أو بالمظاهر الطبيعية السلبية من تلوث أو كوارث أو أوبئة وسواها)، وبالتصالح والانتفاع أحياناً أخرى (بالتعاون أو جني الثمرات على اختلاف أنواعها من الطبيعة).
بناء على ما سبق، فإن المشهد الدولي القادم بعد كورونا (كوفيد 19) قد يدخل الاتجاهات الأعظم سابقة الذكر في بعض التعرج أو التلكؤ، وقد يفرز مظاهر لم تألفها البشرية، لكني أميل إلى أنه لن يزحزح الاتجاهات الأعظم الأربعة عن مواصلة المسيرة، فلن تتوقف الزيادة السكانية (عند مقارنة عدد المواليد بعدد الوفيات حتى مع كورونا)، ولن يتوقف التراكم العلمي (فالعقل البشري قلق بطبيعته ولن يستقر أمام أي جديد، بل سيلاحقه للفهم والتكيف بل والتوظيف)، ولن تتراجع شبكات التواصل والاتصال بين الأفراد والمجتمعات، بل سيتم رتق أي فتق أصابها وعلى عجل، وأخيراً لن تتوقف ثنائية الصراع و”المماحكة” التاريخية بين الإنسان والإنسان وبينهما وبين الطبيعة وما ورائهما.
في ضوء ما سبق، سأولي بقية المقال للاعتناء بقسمات المشهد الدولي في ضوء الانكسارات العابرة لأحاول رصد المستقبل المباشر للمشهد الدولي (3 سنوات)، ورسم ملامحه العامة، على الرغم من أنه وصف لمشهد متحرك.
ثانياً: العلاقة بين إيقاع التغير والتحولات في المشهد الدولي وبين البعد البيولوجي الطبي:
إن الفترة الزمنية التي سيصل فيها العالم إلى عقار يلجم انتشار الفيروس، وبالتالي امتصاص آثار التكلفة البشرية والاقتصادية، مسالة متروك تقرير مدتها بيد المختبرات العلمية، فإذا رافق الفيروس العالم حتى سنة 2021 كما ترى بعض التقارير (تقرير الصحة العامة البريطاني)، [6] فإن التداعيات ستكون عميقة اقتصادياً وبشرياً، ولكن هناك مراكز علمية أكثر تفاؤلاً من هذه. [7]
ويبدو أن نتيجة الإحساس بالتداعيات الخطيرة على الجميع صرفت توجه الدول الكبرى باتجاه خبراء القطاع الصحي لمواجهة الأزمة، وهو ما قد يزيد من المنافسة بين هذه الدول من ناحية (خصوصاً شركات الأدوية، وما يترتب على ذلك من مكاسب تجارية وتعزيز القوة الناعمة للدولة)، لكنه قد يدفع باتجاه تكاتف الخبرات وتعاونها من خلال المشاركة في الاكتشافات ذات الصلة من ناحية أخرى. وهو الأمر الذي حثّ عليه عدد كبير من النخب العالمية، وتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد من 188 دولة، [8] والأرجح أن هذا التوجه ليس محصوراً في الأقطاب الدوليين فقط، خصوصاً أن الفيروس غير منحاز لأحد في حربه لا طبقياً ولا قومياً ولا دينياً…إلخ مما يجعله عدواً “للجميع” وهو ما يعزز، بقدر ما، المواجهة المشتركة، وهو ما تؤكده تقارير وتوقعات مسؤولي الصندوق الدولي من أن هناك علاقة ارتباط عكسي بين سرعة الوصول للعقار وبين عمق الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الناتجة عنه. [9] ولعل تبني أغلب البنوك المركزية لسياسات أكثر تيسيراً للسياسات النقدية يزيد من الحس التعاوني بين مختلف الدول دون أن ينفي بقاء قدر من التنافس أيضاً.
ثالثاً: التداعيات الاقتصادية والقدرة على التكيف مع ارتداداتها العكسية:
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

كتائب القسام تعلن عن كمين مركب لقوة هندسة صهيونية شرق خانيونس
المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الاثنين، تنفيذ كمين مركب لقوة هندسة صهيونية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح...

حماس تُثمن حصار اليمن الجوي على دولة لاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إعلان القوات المسلحة اليمنية فرضها حصاراً جوياً شاملاً على كيان الاحتلال...

القوات المسلحة اليمنية تُعلن فرض حصار جوي شامل على إسرائيل
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأحد، فرض حصار جوي على كيان الاحتلال الإسرائيلي، رداً على التصعيد...

حماس تثمن إعلان اليمن فرض حصار جوي على كيان الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمّنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إعلان القوات المسلحة اليمنية فرضها حصاراً جوياً شاملاً على العدو الصهيوني، رداً على...

منظمات أممية تعلن رفضها الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام رفضت منظمات أممية وغير حكومية، المشاركة في الخطة التي يستعد الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذها في قطاع غزة بخصوص توزيع...

الاتصالات تُحذر من انقطاع الخدمة جنوب ووسط قطاع غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، مساء اليوم السبت، أنها ستُنفذ أعمال صيانة اضطرارية على أحد المسارات الرئيسية في قطاع...

الدويري: عمليات القسام برفح تمثل فشلا إسرائيليا مزدوجا
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن عمليات كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)-...