خبير إيراني: الحصار فاقم أزمة كورونا وإجراءات السلامة قلّصت الإصابات

التعلم بالتجربة تعد إحدى أهم الطرق التي اعتمدتها البشرية لزيادة معارفها وتقوية مناعتها في مواجهة كل جديد وطارئ يباغت البشرية.
“المركز الفلسطيني للإعلام” قسم اللغة الفارسية حاول استطلاع أبرز ملامح التجربة الإيرانية في مواجهة فايروس كورونا المستجد عبر مقابلة مطولة مع اختصاصي الطب الوقائي والطب الاجتماعي الدكتور عبد الرحيم أفخم زاده الأستاذ المساعد في جامعة العلوم الطبية في كردستان، سنندج، بإيران.
زاده أوضح خلال المقابلة كيف تصرفت إيران مع الجائحة القاتلة منذ بداية الأزمة، وتحدث عن نقاط القوة والضعف التي اعترت التجربة الإيرانية في مواجهتها.
وتطرق إلى طرق الوقاية والحدّ من انتشار الفيروس، وعرّج على بروتوكولات العلاج المستخدمة مع الحالات التي قسمها تقسيماً علمياً وفقاً لمحددات عدّة.
وقدم الخبير الإيراني نصائح قيمة للدول التي لا تزال أزمة كورونا عندهم في بدايتها، داعياً إياهم إلى عدم التهاون، واستباق الجائحة بإجراءات صارمة ومدروسة بعناية.
نترككم الآن مع تفاصيل المقابلة المطولة..
1- كيف تقيُمون تطور انتشار كورونا في إيران، وهل يمكن القول إن إيران قد تجاوزت مرحلة الخطر؟
بداية يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ظروف العقوبات الأمريكية ضد إيران التي أدت إلى ضغوط لا تحتمل على الناس خاصة الفئات الفقيرة وقليلي الدخل والأقل سعةً أيضا وكذلك المناطق الغربية من البلاد، وأغلبيتهم من الأكراد والتي أسكن فيها، وأشاهد وأشعر بمعاناة الناس هناك عن قرب، وبحسب الإمكانيات الموجودة والقدرة الاقتصادية والبنى التحتية الصحية- الطبية.
تأخرت الحكومة الإيرانية أسبوعاً أو أسبوعين في التعامل مع الجائحة، والسياسة التي اتخذتها بداية اقتصرت على التشجيع على الحجر المنزلي الاختياري، ومن ثم بدأت سياسة التباعد الاجتماعي، والآن انتقلت إلى خطة التباعد الأجتماعي الذكي لكي تستطيع بعض المهن الخاصة من استئناف أعمالها مع مراعاة التدابير الصحية.
والهدف منها كسر دائرة العدوى والتقليل من عدد الناقلين، وبالتالي خفض حالات الابتلاء بالمرض.
وللحكم على مدى نجاح هذه السياسة لا بد من التوعية الكبيرة للمواطنين حتى تزيد الثقة فيؤدي إلى التعاون بين الناس والحكومة، وهذا ما ستحدده الأيام القادمة بشكل أوضح.
إن أحد التحديات الرئيسة هو اختلاف نموذج التعاطي مع الأزمة فيما بين المحافظات الإيرانية (31 محافظة)، وتعدد الآراء فيما بين المختصين.
يمكن تقسيم البلاد إلى ثلاث مجموعات؛ هي انتشار كبير وانتشار متوسط وانتشار منخفض، فنمو الوباء في البعض منها لديه وتيرة تنازلية، وبعضها تصاعدية، والأخرى حالتها ثابتة (plateau).
وبحسب آخر تقارير اللجنة العلمية لجائحة “كوفيد 19” في وزارة الصحة الإيرانية؛ تشير نتائج الفحوصات في المحافظات وحتى تاريخ 11 نيسان الجاري إلى وتيرة تنازلية في كل أرجاء البلاد خلال الأيام الأخيرة عمومًا.
أما في محافظات سمنان وخراسان الجنوبي وقم فهناك موجة خفيفة من الإصابات، وفي محافظة إيلام شهدنا عدم تناسب في المعطيات، بحيث يبدو أن موجة جديدة من الوباء قد بدأت هناك.
وأما في كردستان وأذربيجان الغربي ومحافظة فارس كانت هناك وتيرة تصاعدية في عدد الوفيات وعدد المصابين، وهناك أربع محافظات اجتازت أخيراً مرحلة الذروة من الوباء، أما المحافظات السبع الأخرى، فإن عدم التناسب في المعطيات لا يسمح لنا بتحليل دقيق حولها.
من المهم الإشارة إلى أنه حتى على مستوى المحافظة الواحدة يمكن أن نشهد نقاطًا عدّة من الذروة في جدول مؤشر الوباء، بالطبع يجب التنبيه إلى معامل قلة إحصاء الحالات والتسجيل المتأخر للمرضى.
في مناطق مثل محافظة كردستان التي أوجد فيها، فإن التصاعد الذي حدث خلال الأسبوع الأخير يمكن أن نرجع سببه إلى استئناف العمل في الدوائر الحكومية وبعض المهن الحرة، وذلك بعد انتهاء عطلة النوروز التي استمرت أسبوعين، وكذلك القيام باختبارات الكشف لعدد أكبر من الناس، لأنه لغاية عدة أيام مضت سواء في كردستان أو معظم المحافظات الإيرانية، كان المسح الصحي عن الوباء يتم على المرضى الموجودين في المستشفيات فقط بسبب النقص في معدات الكشف، ولكن لحسن الحظ في الوقت الراهن فإن هذا الاختبار يتم على عدد كبير من المرضى المشتبه بإصابتهم.
يجب أن لا ننسى أن الأرقام الإيجابية التي تسجل لعدد المرضى هي من ضمن الحالات التي يتم اختبارها، علماً أن معامل الخطأ في هذا النوع من الاختبارات كبير، ويوجد هناك حالات سلبية كاذبة بنسبة عالية جدا (50 إلى 70%).
في إيران، وبسبب عدم التشدد في التدابير المتخذة لمنع التجول في بداية عطلة النوروز، فإن عددا كبيرا من المواطنين قاموا برحلات داخلية، ولكن خلال أيام العطلة يبدو أن أغلبية الناس التزمت الحجر المنزلي، وهذا ما ساعد على خفض عدد المصابين.
في الوقت الراهن، ونظراً لانتهاء عطلة النوروز وبداية عمل الدوائر الحكومية، بدأ الفتح التدريجي للحجر المنزلي الطوعي، وأصبحت الأمور ضمن التقديرات والتخمينات، وإلى الآن لا يمكننا الجزم أن إيران اجتازت مرحلة الذروة والخطر، ولا يمكن وصف الوضع بأنه إيجابي أو سلبي، ويجب الانتظار لكي نرى الإحصاءات خلال الأيام والأسابيع القادمة لأي منحنى تتجه.
2 – بم تميز التعاطي الإيراني مع وباء كورونا ولماذا تصدرت إيران دول المنطقة في عدد الإصابات؟
من دون شك فإن قرارات السياسيين والمسؤولين في موضوع السلامة مؤثرة جدًّا، ويمكن أن تؤدي إلى إنقاذ أرواح أو موت ومرض آلاف وملايين البشر.
بعيداً عن الحديث في السياسة وبصورة علمية وبصفتي صاحب اختصاص في الإشراف على الصحة العامة وباحثا أكاديميا، أقدم تحليلًا بسيطًا عن موضوع وباء كورونا، ولعله يساهم في تبادل الخبرة مع الشعوب العربية في المنطقة وخاصة مع إخواني من فلسطين الذين يعانون الوباء ويقاومون في آن واحد.
في بداية ظهور الجائحة كان النقص في المعلومات حول هذا المرض الغريب والمستجد (Emerging disease)، والفوضى في الأنظمة والاضطراب العام وقلق الناس، سبباً رئيساً في تفشي المرض، لدرجة أن دولة عظمى مثل أمريكا والدول الأوروبية المتطورة مثل إيطاليا وإسبانيا تعرضوا للضياع والعجز في مواجهة فيروس كورونا.
وهناك كلام جديّ أيضًا بأن الصين قدمت إحصاءات غير حقيقية، ولأنني لست مختصًّا بهذا المجال، فلا يمكنني التأكيد على هذه الادعاءات أو نفيها.
ولكن استنتاجي الشخصي هو أن جمهورية الصين لم تقل كل الحقيقة حتى في مجال المواصفات العلمية للمرض.
إن ظروف الحظر الأمريكي على إيران وتعرضها لعدد من الأزمات في الأشهر الأخيرة، كل هذا جعل الأوضاع بالنسبة لإيران أصعب وأشد.
عمومًا فالمعلومات كانت قليلة حول هذا المرض المستجد، فقد قيل مثلاً إنه لا يتنقل عبر الهواء وينتقل فقط عن طريق الرذاذ الناتج عن العطاس والاتصال المباشر، أو أنه لا ينتقل عبر الحيوانات المنزلية، أو أن الأطفال لا يصابون به، في حين نجد أن التقارير التي نتجت عن الأبحاث الجديدة تقول عكس ذلك.
فقد شوهد أن الفيروس ينتقل عبر الهواء وكذلك عبر القطط المنزلية، وأيضًا يمكن أن يصيب الأطفال وحديثي الولادة، كما أنه كان يقال إن نسبة الموت بسببه هي أقل من الانفلونزا، ولكن عمليًّا ثبت أن الأمر ليس على هذا النحو.
بالطبع، إن مؤشر الموت لكل مرض يتم تحديده من خلال حساب عدد حالات الوفيات من ذلك المرض خلال مدة زمنية محددة.
فمثلاً يتم تقسيم العدد العام للمصابين بالمرض على عدد أيام السنة، وتتعرض النتائج لعوامل لا يمكن حسابها رقمياً فتتأثر النتيجة نقصاً وزيادة، مثل الحساسية المتدنية للأجهزة والنتائج السلبية الكاذبة للفحوصات، والنقص في وحدات الكشف وعدم القيام بالاختبار لجميع الحالات المشتبه بها أو التي كانت على تماس مع المرضى، وخوف الناس وتستّرهم، وعدم المراجعة للقيام بالاختبار، إضافة إلى أسباب غير موضوعية كذلك.
لهذا السبب فإن الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية عادة ما تتفاوت وبشكل ملحوظ أحياناً.
لذلك سأعتمد في هذه المقابلة على إحصاء المصابين والوفيات والمتعافين الذي تعلنه وزارة الصحة كحالات رسمية لكوفيد 19، واستنادا إلى ذلك أقدم آرائي التخصصية.
في بداية انتشار الوباء في إيران وللأسف لم يكن هناك إجماع على فرض حجر صحي على مدينة قم، وهذا ما أدى إلى صعوبة الأمر، ومن ثم بعد صدور التوصيات بالحجر الاختياري فإن نسبة مئوية ملحوظة من الناس لم توافق ولم تلتزم به في عطلة النوروز، حيث سافر الكثير من الإيرانيين بين المدن والمحافظات، وهذا أدى بحد ذاته إلى تفشي الفيروس وانتشار الوباء.
ساهمت سياسة الحكومة في التقليل من عدد المصابين والناقلين وذلك من خلال كسر سلسلة انتقال الفيروس، والتشجيع على الحجر المنزلي الاختياري بحده الأقصى، ومن ثم التباعد الاجتماعي، والآن التباعد الاجتماعي الذکي أيضًا.
وكذلك منع بعض المهن المليئة بالمخاطر والأقل ضرورة من مزاولة عملها، علماً بأن هذا الأمر لا يزال يشكل تحدياً كبيراً للبلد بحيث يتم التوافق بين احتياجات الناس المعيشية وقرار كسر سلسلة انتقال المرض، وهذا حقيقة يشكل تحديًا آخر بين السلطة والناس.
في النهاية اتخذ المسؤولون، ونظرا للظروف الاقتصادية والقيود والإمكانيات، قرارا بأقل التكاليف، لكن من الناحية العملية وبسبب المشاكل الاقتصادية عند الناس فإن الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي خفت وتيرته بسرعة، فاضطرت الناس المحتاجة ماديًّا للخروج من الحجر المنزلي من أجل تأمين معيشتها اليومية، بالرغم من أن المؤسسات الخيرية وغير الحكومية نظموا حملات لتقديم المساعدات بشكل ملحوظ، لكنها لا يمكن لها أن تلبي احتياجات الأعداد الضخمة من المحتاجين وأصحاب المهن من ذوي الدخل اليومي.
3 – نشاهد في الأيام الأخيرة انخفاضًا في الأعداد والأرقام الرسمية للمصابين والمتوفيْن ما هو السبب؟
لدى إيران نظام صحي وطبي منسجم ومنظم نوعًا ما، وبطاقم قدير جدًّا ومحترف مهنيًّا بحيث بذلوا جهودًا وضحّوا بأنفسهم خلال هذه الأيام، وعملوا بكل طاقاتهم، وبالرغم من النواقص والشكوى حتى هذا التاريخ فقد قدم أكثر من مائة من الأطباء والطواقم الطبية أرواحهم فداءً لإنقاذ أرواح أبناء وطنهم، وهذا بحد ذاته يُعدُّ رمزًا للتضحية والإيثار منقطع النظير.
يبدو أن محافظات كثيرة في البلاد في الأيام والأسابيع الأخيرة قد اجتازت الذروة الأولى من مقياس انتشار الوباء.
بالطبع وكما قلت لا يمكن إبداء الرأي بشكل حازم، وعدم الوضوح هو من خصائص هذه الأوبئة، لا سيما مع هكذا وباء مخيف عجزت عنه أكثر الدول تطورا وأكثرها تجهيزًا وتنظيمًا في أنظمة السلامة.
النقطة الأخرى أن خط مسار الوباء يدل على وجود أكثر من نقطة ذروة، وقد صرحت اللجنة العلمية للأوبئة في وزارة الصحة بما يلي بالنسبة لمسار الوباء في البلاد: “هناك أدلة قوية على أنه في كانون الآخِر وشباط 2020، كان هذا الوباء يتنقل في خمس مدن كبرى في البلاد بالحد الأدنى، وبالتأكيد في مدّة التعرف عليه كان مستوى الابتلاء به في أربع محافظات مرتفعًا بمعدلات ملحوظة، كما كان هناك تأخر لأسابيع عدّة في التعرف على هذا الوباء في البلاد علماً بأن هذا الأمر لم يكن منحصرًا في إيران فقط، وفي الوقت الراهن هناك محافظات كثيرة قد اجتازت
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...

صحة غزة: حصيلة حرب الإبادة ترتفع إلى 52,576 شهيدًا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أفادت زارة الصحة بقطاع غزة، بأن 32 شهيدًا منهم 9 انتشال، و119 إصابة وصلت مستشفيات القطاع خلال الـ24 ساعة الماضية....

مستوطنون يحرقون محاصيل قمح في سهل برقة بنابلس
نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام أحرق مستوطنون متطرفون، مساء اليوم الاثنين، على إحراق أراضٍ زراعية مزروعة بالقمح في سهل برقة شمال غرب مدينة نابلس...