في غزة المحاصرة.. عائدون من الحجر الصحّي يروون تجربتهم

الكلمات كلها لا تعبّر عن فرحة العائدين من مراكز الحجر الصحي في قطاع غزة الذين أتت نتائج فحصهم الطبّي بفيروس كورونا سلبية قبل أن يودعوا 3 أسابيع متواصلة من القلق.

وغادر عشرات المواطنين القابعين في الحجر الصحي بقطاع غزة مواقعهم -أمس- بعد أن أنهوا 3 أسابيع وعادوا إلى منازلهم بعد توصية وزارة الصحة بضرورة بقائهم في منازلهم أسبوعاً إضافيًّا.
 
وعاش المحجورون في قطاع غزة حياةً خاصّة امتدحوا فيها أداء الأجهزة الأمنية ووزارة الصحة ومؤسسات المجتمع المدني التي سهّلت لهم مهمة المكوث لأكثر من 21 يوماً خشية أن يكون أحدهم مصابا بفيروس كورونا.

وسجّل قطاع غزة أقل عدد إصابات في محافظات الوطن بلغت 13 إصابة، في حين لم تسجل أي حالة وفاة وسط أزمة فيروس كورونا التي تجتاح العالم.

الطريق إلى المنزل
قبيل وصول الحافلات أمسك الضابط عبد الرحمن عثمان (38 عاما) هاتفه النقّال مسجّلاً اللحظات الأخيرة له في أحد مراكز الحجر الصحي بدير البلح في حين ظهرت في الخلفية مشاهد زملائه وهم يستعدون لنقل حقائبهم من موقع الحجر الصحّي.

يقول عثمان، الذي يعمل ضابطاً في شرطة حفظ النظام: “عشت تجربة خاصّة، بدأت العمل ضابطًا لكنني كنت محجوراً مع المواطنين لخدمتهم وتسهيل حياتهم من توزيع طعام وتوصيل أدوية.. عشنا كشرطة وأطباء وممرضين ومواطنين من مختلف الأعمار سوياً، وظل مدير الشرطة بالوسطى إياد سلمان ومديري بقوات حفظ النظام باسم أبو عمرة على تواصل دائم معنا فلهم كل الشكر”.
 

أكثر ما تمناه عثمان هو أن يعود لحياته الطبيعية مع زوجته وأطفاله الثلاثة، وأن يزول الحصار عن قطاع غزة في تجربة رغم خطورتها إلا أنها وحدت (370) محجوراً عاشوا سوياً في مراكز الحجر الصحي المتجاورة بدير البلح.

ولم تكن مهمة عثمان أمنية فقط؛ بل تناوب مع 15 زميلاً له في الشرطة على صيانة وإصلاح كثير من المرافق التي اعترى بعضها التلف ما أدى لإصابته بجرح عميق في قدمه في آخر يوم من حجره الصحّي.

وطوال 3 أسابيع شعر عثمان بالجو الأسري مع زملائه والمواطنين من مختلف الأعمار الذين قام على خدمتهم هو وزملاؤه، ومارس مع بعضهم أنشطة رياضية، واستمع لنصائح الكبار منهم.

ويتابع: “مهمتي كانت مختلفة عن أي مهمة عشتها في الحروب والأزمات، ومعنوياتي كانت قوية لكنني كنت مشتاقا لأسرتي وأطفالي الذين راسلوني بواسطة الإنترنت”.

الحياة منفرداً
وعلى غير المعتاد تحوّلت رحلة العلاج المتكررة للسيّد ماهر الدعالسة في مصر إلى ملازمة الحجر الصحّي في فندق الكومودور بغزة أول يوم وصوله من معبر رفح.

يقول الدعالسة: “خرجت الآن من الحجر الصحي، وعشت 21 يوماً لم أر أحداً مطلقاً؛ فحالتي الصحية كانت تستدعي بقائي وحيداً. كانت مدّة صعبة؛ أزعجني الحجر في أولها، لكنني اتبعت إجراءات صارمة ربما تختلف عن بقية المحجورين، وهذا لمصلحة الجميع”.

ويرى الدعالسة أن قوة الصمود في ظروف خاصّة لم يعتدها من قبل كانت مستمدة من الله، وتذكر معاناة الأسرى في سجون الاحتلال في حين هو يلازم حجرة فندقية، فهانت المسألة عنده.

null

فنان كورونا
صحيح أن الفنان التشكيلي خالد نصار اعتاد البقاء خلف لوحاته وألوانه ساعات طويلة في أماكن مغلقة، لكنه لم يتوقع أن يعود من رحلة تكريمه من اتحاد الكتاب بمصر على هامش مهرجان القاهرة الدولي للكتاب إلى مركز حجر صحّي فور وصوله إلى غزة.

يقول نصّار: “حاولت كعادتي استقطاب الموهوبين في المكان ولم أعثر سوى على فتاة تحب الرسم، بدأت الرسم طوال فترة الحجر الصحي، ورسمت 30 لوحة وأقمت معرضًا قبل مغادرتي بساعات”.

وناقشت اللوحات نصائح وإرشادات عن فيروس كورونا وكيفية الوقاية منه وكيف يتعامل الناس مع الأزمة المتواصلة في العالم محاولاً إفادة غيره ورفع الروح المعنوية للآخرين.

null

رحلة أسرية
وانتقلت أسرة المواطن أبو جهاد المكونة من 5 أفراد فور وصولها معبر رفح إلى أحد مراكز الحجر الصحّي في دير البلح بعد عدة أسابيع أمضاها مع زوجته وابنته وسيدتين من أقاربه في مصر للعلاج.

يقول أبو جهاد، وهو ضابط شرطة متقاعد من عدة سنوات: إن القائمين على مراكز الحجر الصحي قدموا كل ما في استطاعتهم من تجهيزات وخدمات يومية على مدار الساعة.

ويضيف: “كل شيء كان موجودا، وكل ما طلبناه كان يصل بسرعة من أدوية وأغطية وسلع أخرى عدا التجهيزات المسبقة في المكان. اعتدنا الحياة سوياً في المدرسة التي كانت مركزاً للحجر الصحي ومارسنا الرياضة كل يوم”.

ويجري أبو جهاد مكالمات هاتفية يوميًّا مع أقاربه وأصدقائه الذين لا يزالون في مصر وينصحهم بضرورة الإسراع في العودة لقطاع غزة، وأن مكوثهم في الحجر الصحي سيكون لمصلحتهم، وأن الأمر ليس سيئاً، بل أفضل من البقاء في مصر.

ويرجو أبو جهاد أن يزول الانقسام وينقضي حصار غزة؛ لأنّ الأزمة الحالية أثبتت ضرورة الوحدة الوطنية لشعب يعاني همومه سويًّا.

null