الثلاثاء 13/مايو/2025

أقوى من كورونا

ناصر ناصر

بدا فيروس كورونا القاتل -ورغم حصده لأرواح أكثر من 21 ألف إنسان- وإصابته أكثر من 470 ألفا آخرين في أنحاء العالم، ضعيفا أمام فيروسات الهوى والرغبة والمطامع السياسية الضيقة لبعض السياسيين محتكري السياسة على مستوى العالم، والتي تغذيها منظومات القيم والأعراف الرأسمالية المتوحشة، وقد يكون السياسيون في دولة الاحتلال الاستيطاني المثال الأبرز لهذا (القول).

ففي الوقت الذي يحذر فيه الخبراء والمختصون من سيناريو الرعب المحتمل لمقتل 10-25 ألف إسرائيلي وتكاليف اقتصادية قد تصل خلال 12 أسبوعا إلى 280 مليار شيكل، أي 20% من الناتج الإجمالي ووصول العجز إلى 16% مع ارتفاع حادّ في نسبة الدين-الناتج من 60% اليوم إلى 90%، يصر السياسيون في “إسرائيل” على التنازع والانقسام لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح والمكاسب الضيقة في الحكومة الاضطرارية القادمة على الأرجح ، فإن لم تنجح كورونا في تغيير سلوك السياسيين ومناهج عملهم وتفكيرهم في (مستعمرة) تابعة للنظام العالمي (الاستعماري)، فهل ستنجح في تغيير ما هو أكبر؟ أي النظام العالمي نفسه؟!

لقد كانت آخر تجليات الفوضى السياسية في “إسرائيل” والتي سمح بها النظام السياسي القائم فيها -وهي لا تدل على قرب نهايته- هي الصراع على رئاسة الكنيست بين الأغلبية (العابرة) لأحزاب وسط- يسار ليبرمان والقائمة العربية، وبين الأغلبية اليهودية المتماسكة برئاسة نتنياهو، فالأغلبية اليهودية تريد حكومة وحدة وطنية يترأسها نتنياهو لمدة سنة ونصف يليه الجنرال غانتس مرشح الأغلبية العابرة، والذي يعاني ويشتكي إلى جانب صديقه أشكنازي من رفض حلفائهم لبيد ويعلون من إنجاز حكومة حل الوسط مع نتنياهو، ويصرون على إسقاطه بكل ثمن، رغم أن ذلك من شبه المستحيل، كما أن انتخابات رابعة في ظل كورونا هي أيضا أصبحت كذلك، ومعها حكومة أقلية يترأسها غانتس بدعم القائمة العربية. ولحين التوصل لحكومة اضطرارية برئاسة نتنياهو نجحت الأغلبية العابرة بمساندة المحكمة العليا بإسقاط رئيس الكنيست وفرض عمير بيرتس الأكبر سناً لحين إجراء انتخابات اليوم لرئيس كنيست جديد من الأغلبية العابرة وتحديدا (جماعة لبيد). 

ينظر الفلسطينيون ومعهم أنصار الحرية في العالم والذين يرفضون ظلم وغطرسة الاحتلال الإسرائيلي اليومي إلى ما يجرى في “إسرائيل” من انقسام وتنازع سياسي، والأمل يحدوهم بأن يكون ذلك مؤشرا قوياً لقرب تفكك عرى هذه الدولة، فإن لم يكن بالانقسام والتنازع كما حصل تاريخيا مع دولة الحشبونائيم، فبكورونا والفيروسات وذلك بعد أن لم ينجح المشروع الوطني الفلسطيني في تحقيق ذلك، وقد يكون بعضهم قد وجد عزاءً له بأن حماقات الانقسام الداخلي لا تنحصر فقط بالفلسطينيين، بل تتعداهم لدولة الشعب المختار من قبل النظام العالمي الاستعماري لحكم المنطقة.

وفي مقابل هذا وبشكل أوسع يبدو النظام العالمي (ترتيبات، قوانين، مؤسسات) برئاسة أمريكا متماسكا وصامدا حتى الآن بشكل أو بآخر، ولا يظهر مؤشرات حقيقية وجوهرية وكافية لغيابه السريع رغم ما شكلته كورونا -كما الأوبئة- من تهديد خطير له كشف مدى حجم العيوب والخلل البنيوي الذي يعتريه وعلى رأس ذلك ضعف الدور الذي تلعبه الأخلاق في قراراته وحساباته مقابل الربحية الجشعة التي تسيطر عليه، وقد كان هذا قبل كورونا وسيستمر على ما يبدو بعدها، مع احتمال تعديلات معينة هنا أو هناك، وقد تكون “إسرائيل” المستعمرة التابعة له مثالا واضحا على ذلك.

قد تكون الخطوات التي اتخذتها الدول المحورية والتي تليها في النظام العالمي مؤشرا على فرضية بقاء النظام العالمي مع احتمالية تعديلات محدودة، ومن أهمها تخصيص ميزانيات أولية هائلة لمواجهة كورونا، فمن المفترض أن يتم إقرار 2 ترليون دولار أي ما يعادل 9% من الناتج الأمريكي لهذه المواجهة، أما في ألمانيا فقد تم إقرار 750 مليار يورو (800 مليار دولار) أي ما يعادل 32% من الناتج الإجمالي، وخصصت كندا 5% من ناتجها وأستراليا 13%، واليابان 3% وهكذا، مما يدل على قدرات النظام الكبيرة والتي لم تستنفد بعد لمواجهة الأزمة ومحاولة الخروج منها بأقل الخسائر.

إن التبشير بزوال النظام العالمي وتراجعه بشكل كبير وسريع (كما زوال إسرائيل الاستعمارية) يحتاج جوهرياً إلى الخروج من مرحلة الانتظار إلى مرحلة المبادرة للمزيد من تضافر جهود قوى النهضة التقدمية الحيّة على كافة مشاربها وتوجهاتها الايدولوجية في كافة أنحاء العالم بشكل عام وفي فلسطين بشكل خاص، من أجل إسقاط كل أشكال الظلم والتوحش في النظام الحالي أو لمنع استبداله بنظام أو تعديلات جديدة على النظام تسمح لقوى لا تقل ظلماً عنه (كالصين وجنرالات الحرب في إسرائيل) بالتقدم والسيطرة.

أما الانتظار والمراقبة والاكتفاء بالتبشير وفضح عيوبه الحقيقية والكارثية فلا يكفي، بل قد يبطئ أو حتى يعيق سنن الاستبدال، “فلولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات