الإثنين 05/مايو/2025

الكورونا الفاضحة

ناصر ناصر

لم تؤدِّ أزمة الكورونا إلى خسائر بشرية ومادية فادحة بلغت أكثر من 16 ألف حالة وفاة ، وإصابة أكثر من 370 ألف إنسان آخر ، وما زالت في تصاعد مع توقعات للبنك الدولي أن تتسبب في ركود عالمي أخطر من الذي أعقب أزمة 2008 ، لم تؤدِّ جائحة الكورونا لهذا فحسب ، بل فضحت ( الغرب ) وأظهرته في أحد أسوأ مظاهره حكومات ومنظومات فكرية وتنظيمية ، وقد تكون قد أظهرت أيضا عيوبا أساسية لدى بني البشر ، فهل سنتعلم ونأخذ الدروس والعبر لنخفف بذلك من حجم الفاجعة التي تتعرض لها البشرية ؟ أشك في ذلك.

لم يكن الفشل القاتل للمنظومات الصحية في العديد من الدول الأوروبية في مواجهة واستيعاب الوباء معزولا عن الفكر الرأسمالي المتوحش ، والذي يوجه معظم حكومات الغرب ويقدّس السياسات الاقتصادية الربحية الفاحشة على حساب السياسات الاقتصادية الإنسانية تحت مبرر أن مواجهة الأوبئة والأمراض تتطلب ميزانيات كبيرة لبناء منظومات قد لا تستخدم إلا مرة واحدة في كل عدة عقود ، وهو في نفس الوقت يشجع على السيطرة والتحكم وضخ ترليونات من الدولارات لصناعة وإنتاج أسلحة الدمار الشامل من أجل ضمان ذلك .

أثرت بوضوح منظومة القيم الغربية المبنية على الحريات الشخصية شبه المطلقة لدرجة الانفلات على عدم التزام الأوروبيين بالتعليمات والإجراءات الصارمة المطلوبة لمواجهة كورونا مما أدى للمزيد من الضحايا ، فالأوروبي لم يعتد على الالتزام والانضباط ، وفي المقابل لا يمكن اعتبار الصرامة الصينية ( المجرمة) بشكل عام بحق الإنسان والمسلم بشكل خاص فضلا يهيئ الصين لقيادة البشرية ف(نجاح) هذه الصرامة في مواجهة أزمة معينة كالكورونا ، والتوسط هو الحل بشكل عام ، ولكل أزمة ظروفها وشروطها . 

لم توحد الكورونا -على فداحتها- العالم ، وقد لا توقف الصراعات المحتدمة كما طالبت بذلك الأمم المتحدة ، فهل سيوقف المحتل الصهيوني ممارساته القمعية ضد الشعب الفلسطيني ؟ لا .

وهل ستتراجع حدة الصراعات في أماكن مختلفة من العالم العربي ؟ وهل ستوقف حكومات الغرب دعمها للاستبداد والقمع والصراع في المنطقة العربية ؟ بالطبع لا . بل قد تستخدم تغذية هذه الصراعات لحصد المزيد من الأرباح لتغطية خسائرها من الكورونا.

فشلت الكورونا حتى الآن في توحيد الجبهات الداخلية في العديد من الأماكن ، ففي فلسطين يستمر الانقسام الداخلي غير عابئ بالكورونا ، والجديد اللافت ان حدة الاستقطاب للانقسام السياسي قد تصاعدت في (إسرائيل ) بين أحزاب الوسط يسار الذين تظاهروا في الشوارع وتحالف نتنياهو الذي أغلق الكنيست ويسعى لشلّ مؤسسات الدولة بحجة الكورونا ، بينما فشل الحزبين الديمقراطي في الولايات المتحدة ولأسباب ضيقة في التوصل لتفاهمات حول الميزانيات لمواجهة خطر الكورونا الداهم والذي اجتاح العاصمة واشنطن ونيويورك ويتوسع ، فمن لم توحده المصائب ، فلا موحد له.
 
هل من الطبيعي أن يفكر الإنسان بنفسه فقط  ( أنانية ) عند المصائب الطامّة والعامة ؟ ( يوم يفر المرء من أخيه ) وكيف ظهر التضامن الإنساني واختفى أحيانا كما حصل بين الاتحاد الأوروبي وايطاليا؟

قد تكمن الإجابة في أمرين : الأول – كلما عظمت المصيبة كلما تمحور الإنسان على نفسه (اللهم نفسي)، وكلما كانت المصيبة محدودة ازدادت إمكانيات التضامن. والثاني هول المفاجأة.

لم يكتفي بعض أنواع البشر من السياسيين ( بعدم التعلم من المصائب ) بل استخدموها لأغراض شخصية وحزبية ضيقة لا تمت للمصلحة العامة الحقيقية بصلة ، فتم تسييس الأمراض والأوبئة نتنياهو مثال ، كما أن الضجة الإعلامية التي أقامتها دول ساعدت ايطاليا المنكوبة في ظل ما اعتبرته وبحق تخلي شركائها الأوروبيين عنها ، في مزايدة مكشوفة سياسية أخرى ، وعلى أمل بنيل موقف ايطالي مستقبلي على شكل فيتو ضد العقوبات عليها ، وهذه الضجة مثال آخر على التسييس.

هكذا فضحت الكورونا وكشفت مواقف وسياسات وعقائد مختلة ، كما أظهرت مدى الخسائر التي تدفعها البشرية ثمنا ( للفصام  النكد ) بين الأخلاق والدين القويم و(السياسة والحكم ) ، ليست المشكلة في طبيعة البشر ، بل في سكوتهم على قهرهم بواسطة حكومات وأنظمة جشعة وعديمة الأخلاق.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...