الأحد 01/سبتمبر/2024

القصة الكاملة لـجريمة الجرافة الإسرائيلية في غزة

القصة الكاملة لـجريمة الجرافة الإسرائيلية في غزة

لم يكن المشهد الوحشي للجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، باستخدام جرافة عسكرية ضخمة، بجثمان شهيد، سقط جنوبي قطاع غزة، ثم سحقته ومثّلت بجثمانه، في عمل أقل ما يوصف بأنه “غير إنساني”، الأول في الإجرام الإسرائيلي، لكنه كان الأوثق بالدليل والصورة، والنقل المباشر.

ولعل من أبرز تلك الجرائم التي ارتكبت بالطريقة ذاتها؛ عملية قتل الناشطة الحقوقية الأمريكية راشيل كوري، في الـ 16 من آذار/ مارس 2003، حيث تصدت لمجنزرة إسرائيلية بجسدها الأعزل؛ رفضاً لهدم بيوت مواطنين في غزة، لكنها لقيت حتفها تحت آلة الحرب، لتصبح “أيقونة” التضامن العالمي مع أهل فلسطين.

مراسل “قدس برس” في غزة، تابع حيثيات “جريمة الجرافة”، التي كان بطلها الشهيد محمد الناعم (27 عاما)، الذي ارتقى شهيدا، الأحد الماضي، بنيران قوات الاحتلال، شرقي خان يونس جنوبي قطاع غزة، ونكّل الاحتلال الإسرائيلي بجسده.

وقال: بدأت حادثة الاعتداء الإسرائيلية، عندما أعلنت قوات الاحتلال فجر الأحد، أنها أطلقت النار على فلسطينيين حاولا زرع عبوة ناسفة شرقي خان يونس، وتأكدت من إصابتهما.

وأضاف: ظل المصابان ملقييْن على الأرض حتى طلعت الشمس دون أن تتمكن الأطقم الطبية التي وصلت إلى المكان من الوصول إليهما لانتشالهما وسط إطلاق نار كثيف من قوات الاحتلال، حيث لم يتمكن المسعفون من انتشالهما.

وأشار إلى أنه “رغم أن الوقت كان سيفا مسلطا على رقاب المسعفين إلا أن هناك سيفا آخر؛ وهو إطلاق النار من قوات الاحتلال على كل من يتحرك في المكان”.

وتابع: بدأت حالة من الغليان في صفوف الشبان الفلسطينيين الذين وصلوا إلى المكان للمساعدة، وهم يرون أن المسعفين عاجزون عن فعل شيء؛ حيث إن أحد المصابين فارق الحياة وهو ينزف في حين بقي الآخر على قيد الحياة، فكان القرار أن يغامر الشبان بحياتهم أمام جرافات ودبابات الاحتلال لانتشال الجثمان وإنقاذ الشاب المصاب.

وأضاف: بالفعل تحرك الشبان نحو الشهيد والمصاب، ووصلوا إليهما، وبدأت عملية حمل الجثمان واصطحاب الجريح حتى بدأ اطلاق النار عليهم عشوائيًّا من قوات الاحتلال، حيث أصيب اثنان منهم وسقط جثمان الشهيد.

وتدخلت على الفور، جرافة عسكرية إسرائيلية، واقتربت من جثمان الشاب عند السياج الفاصل قبالة عبسان شرق خانيونس، في وقت كان الشبان الفلسطينيون يحاولون انتشاله.

وأثناءها سمع صوت إطلاق نار دفع بالآخرين إلى الابتعاد، ما أتاح للجرافة الإسرائيلية لانتشال الجثة، وشوهدت دبابة إلى جانب هذه الجرافة.

وهو ما أظهره مقطع فيديو انتشر على مواقع للتواصل، ما بدا أنها جثة هامدة للشهيد، حيث داست الجرافة الإسرائيلية عليها أكثر من مرة، للتحقق من مقتل الشهيد، وهي متدلية من ذراع الجرافة في صورة بشعة.

وفي تلك اللحظات، استهدفت قوات الاحتلال مجموعة من الشبان الذين اقتربوا من المنطقة في محاولة لانتشال جثمان الشهيد، والمصاب، فأصابت عددا منهم.

وبعد تمكن الجرافة الإسرائيلية من اختطاف جثمان الشهيد، عادت إلى داخل السياج الحدودي، في حين أمكن إنقاذ المصاب الذي كان مع الشهيد وبقية المصابين الذين أصيبوا في عملية الإنقاذ، ونقلوا إلى المشفى الأوروبي لتلقي العلاج.

ويروي الشاب محمد خالد النجار لـ”قدس برس”، وهو أحد المشاركين في إنقاذ جثمان الشهيد الناعم، تفاصيل محاولة انتشال الجثمان والجريح من تلك المنطقة وسط إطلاق نار كثيف وإصابته.

وقال النجار، وهو على سرير الشفاء في مشفى غزة الأوروبي: “وصلنا إلى المنطقة التي تقع شرقي بلدة عبسان، وكان هناك جثمان الشهيد وشاب جريح في المكان، فتقدمت أنا وعدد من أصدقائي تجاههما وسط إطلاق نار كثيف من قوات الاحتلال تجاهنا”.

وأضاف: “أمّنّا في البداية إخراج الجريح من المكان بسرعة؛ لأن إصابته كانت طفيفة في قدمه كي نتفرغ لانتشال جثمان الشهيد وسط إطلاق نار كثيف من دبابة لا تبعد عنا سوى أمتار فقط”.

وتابع: “وصلنا إلى جثمان الشهيد بعد أن تأكدنا أن الجريح وصل إلى سيارة الإسعاف، ورأينا جثمان الشهيد ممددًا على الأرض وقد أصيب بعدة أعيرة نارية في أنحاء جسمه، وأحشاؤه قد خرجت من بطنه، وحملناه على حمالة كانت معنا وسرنا قرابة 10 أمتار قبل أن تطلق قوات الاحتلال النار علينا”.

وأردف قائلا: “سقط الشهيد منا مرات عدة خلال السير به، وعدنا لحمله مرة أخرى، كي نؤمّن خروجه من المكان لإيصاله لسيارة الإسعاف، إلى أنني أصبت بقدمي وسقطت بجانب جثمان الشهيد، فما كان من زملائي إلا أن حملوني وأخرجوني من المكان مصابا وبقي جثمان الشهيد”.

وأشار النجار إلى انه بعد إخراجه من المنطقة مصابا جاءت جرافة عسكرية إسرائيلية، بحماية دبابة، وسحقت جثمان الشهيد بأسنانها مرات عدّة وسط محاولة الشبان اعتراضها، وخطفته من المكان خشية محاولة انتشاله مرة ثانية”.

وأشار إلى أنه أصيب معه اثنان آخران من رفاقه وهما يحاولان التصدي للجرافة التي كانت تسحق جثمان الشهيد، الأمر الذي شاهده أثناء تقديم العلاج له قبل إخلاء المكان ومغادرة الجرافة المنطقة وهي تحمل جثمان الشهيد بشكل لا أخلاقي ومقزز”.

ونددت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بتعمد الاحتلال قتل شاب أعزل على حدود القطاع والتنكيل بجثته، ووصفتا ذلك بالجريمة البشعة التي تضاف إلى سجل جرائم تل أبيب بحق الشعب الفلسطيني.

وعدّ فوزي برهوم -الناطق باسم حماس- أن الانتهاكات الإسرائيلية لن تجعل الشعب الفلسطيني يرضخ بل ستزيده قوة وتمسكا بأرضه وحقوقه، وقال مصعب البريم -المتحدث باسم الجهاد-: إن الاحتلال سيدفع ثمن جرائمه المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

ووصفت خارجية السلطة الفلسطينية، سحل جيش الاحتلال جثمان الشهيد بأنه “فعل همجي ووحشي يجسد تفشي الكراهية والعنصرية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية”.

وأشارت الوزارة إلى أن بعض قيادات وأنصار اليمين الإسرائيلي المتطرف شاركوا لقطات التنكيل بالشهيد عبر حساباتهم على مواقع التواصل، ومنهم متان كهانا عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عن حزب اليمين الجديد.

من جهته، عدّ مركز “الميزان” لحقوق الإنسان قتل الشاب الناعم والتنكيل بجثته، دليلاً جديداً على دموية قوات الاحتلال وتحللها من أبسط التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني.

وذكر مركز الميزان، في بيان له، أن هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها بل تعيد إلى الأذهان جريمة قتل الناشطة الأمريكية ريتشل كوري في رفح في 16 آذار/مارس 2003. 

وأكد المركز موقفه الثابت من أن الحصانة التي تتمتع بها قوات الاحتلال أسهمت -ولا تزال- في تشجيع تلك القوات على المضي قدماً في ارتكاب المزيد من الجرائم.

وعدّ أن استمرار حصار غزة وتدهور الأوضاع الإنسانية لسكانه، وغياب الأمل في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية بما في ذلك إنهاء حصار غزة سيسهم في تأجيج الصراع في هذه المنطقة من العالم، وسيدفع المدنيون الفلسطينيون ثمناً باهظاً لجرائم قوات الاحتلال المتصاعدة بحقهم.

وطالب مركز الميزان المجتمع الدولي، ولا سيما الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، بالتحرك العاجل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية التي ترتقي لمستوى جرائم الحرب، والعمل على حماية المواطنين وتمكينهم من حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، واتخاذ الخطوات الكفيلة بضمان احترام دولة الاحتلال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والعمل على ضمان مساءلة ومحاسبة كل من يشتبه في تورطهم بانتهاك قواعد القانون الدولي.

ويرى المركز الحقوقي أن على الدول التي تدعي الانحياز لقيم العدالة والقانون أن تدعم جهود الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ومن أمروا بارتكابها.

يشار إلى أن الشهيد الناعم، من ضمن 20 شهيدا اختطفت سلطات الاحتلال جثامينهم بعد استشهادهم على حدود قطاع غزة منذ انطلاق مسيرات العودة في الثلاثين من آذار/ مارس 2018 من أجل الاحتفاظ بهم لمبادلتهم بالجنود الأسرى لدى حركة حماس، حسب زعمها.

قدس برس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات