الخميس 08/مايو/2025

بأيدينا نعيد القدس!

براءة درزي

ترزح القدس اليوم تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل على أن يزوّر تاريخ المدينة، وإعادة صياغة حاضرها، ليكون مستقبلها متوافقًا مع روايته، التي تلغي وجودًا عربيًا وإسلاميًا ضاربًا في عمق التاريخ، مستندة إلى روايات تلمودية لم تستطع دولة الاحتلال إثباتها حتى عبر علم الآثار الذي سخّرته في محاولة لتحويل مزاعمها إلى حقائق ترفد زعمها أنّ القدس هي العاصمة الأبديّة للشعب اليهودي.

والاحتلال الذي قام على قتل الفلسطينيين وتحرق قراهم ومنازلهم وتهجيرهم منها يستمرّ في جرائمه إلى اليوم، وهو يعمل عن تهويد القدس ضمن مسارين يطالان المدينة بكلّ تفاصيلها: بشرًا، وحجرًا، ومقدّسات: من الأقصى إلى القيامة، والمصلّين والزائرين، وأهل القدس المسلمين والمسيحيّين، رجالاً ونساء وأطفالًا، والبيوت، ومن يسكنها ويعمرها، والقطاعات المختلفة التي يعمل الاحتلال على خنقها وتصفيتها، والتعليم الذي يحاول الاحتلال إحكام قبضته عليه وأسرلته، ليكون في النهاية هو المرجع الذي يحدّد للمسلمين والمسيحيين الرواية التي يمكن أن يرووها، والفضاء الذي يمكن أن يتحرّكوا فيه.

وتحظى دولة الاحتلال اليوم برعاية أمريكية كاملة لجرائمها ومشاريعها التهويدية، بل إنّ إدارة ترمب تعمل على ترسيخ الرواية الإسرائيلية وتثبيتها، وتبذل الجهود لدعم الاحتلال في مسعاه إلى تصفية القضية الفلسطينية، ولعلّ إعلان ترمب اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، مع غيره من القرارات المتعلّقة بالقضية الفلسطينيّة، يلخّص الانحياز الأمريكي المطلق إلى الاحتلال.

لكن تاريخ القدس وفلسطين شاهد على انخراط أهلها في مقاومة المحتلّ، وتحضر هنا محطات بارزة منها المشاركة في الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت ضدّ الاحتلال البريطاني ما بين عامي 1936 و1939، وقبل ذلك ثورة البراق عام 1929، وصولًا إلى الهبّات والانتفاضات ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، من انتفاضة الحجارة عام 1987 إلى هبّة النفق عام 1996، إلى انتفاضة الأقصى عام 2000، وهبّة القدس عام 2014، وانتفاضة القدس عام 2015، وهبة باب الأسباط عام 2017، ومسيرات العودة في غزة التي انطلقت في آذار/مارس 2018، وهبّة باب الرّحمة عام 2019.

واليوم يستمرّ نضال الفلسطينيين، يؤازرهم أحرار العالم، بعدما فشل الاحتلال في كيّ وعيهم وترويضهم، مثلما فشل في تخويفهم من الثمن الذي يترتّب على مقاومتهم لسياساته، فهم يتصدّون لاعتداءاته بما يتاح لديهم من مقدّرات: في الأقصى رباط وصلاة؛ وفي التعليم رفض للمناهج الإسرائيلية ولإغراءات الدعم المالي الذي تعدهم به سلطات الاحتلال لاعتماد مناهجها، وعند هدم المنازل إعادة بنائها، وتظاهرات شعبية رافضة للاحتلال وللقرارات الأمريكية الداعمة له…

لقد توالت على القدس عهود من الاحتلال والغزو والتدمير، من الأشوريين والبابليين والفرس والرومان، والصّليبيين، والبريطانيين، لكّن الثابت هو أنّ المدينة لفظت كلّ محتلّ، وأعادت بناء ما دمّره الغزاة بإرادات أهلها ومقدّراتهم، والثّابت كذلك أنّ أهل القدس وفلسطين لا يزالون يرفضون الاحتلال الإسرائيلي، ويقاومونه، وأضعف الإيمان المقاومة بالكلمة والموقف؛ ومشروع التحرير يتحقّق بالثبات ونتائجه تأتي بالتراكم… وهذا ما يدركه أهل الجهاد والبصيرة وقولهم واحد “بأيدينا نعيد القدس”!

* باحثة في مؤسسة القدس الدولية

المصدر: القدس أون لاين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات