وقف استيراد العجول من إسرائيل.. بين متطلبات الانفكاك وكسر الاحتكار

أصدرت حكومة محمد اشتية قرارا قبل أيام بوقف استيراد العجول من “إسرائيل” في إطار سياسة ما قالت عنه الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، ما أثار مواقف مؤيدة وأخرى معارضة بين من عدّه خطوة نحو الانفكاك الذي يشكل مطلبا وطنيا وبين من رآه قرارا متعجلا غير مبني على دراسة الواقع وأثره على المواطن.

وفي الوقت الذي تعدُّ فيه أسعار اللحوم في فلسطين مبالغا فيها مقارنة بدول الجوار فقد ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد بمقدار ثلاثة شواقل عقب صدور القرار وسط تخوفات بمزيد من الارتفاع إذا لم تتوفر خلال الفترة المقبلة كميات كافية من العجول المستوردة.

يقول التاجر عبد الله أبو حسين: نحن نستورد العجول من “إسرائيل” وهي تغطي ما نسبته 80% من الاحتياج المحلي الذي لا يتجاوز ما يغطيه فعليا 15-20% في أفضل الأحوال، وبالتالي حين يتخذ هكذا قرار لا يجب أن يتخذ بشكل فوري ومفاجئ، بل يجب أن يكون تدريجيا إذا ما أريد له النجاح.

وأضاف لمراسلنا: يمكن وضع خطة بتقليل تدريجي للاستيراد بحيث مثلا نوقف الاستيراد كاملا خلال ثلاث سنوات، ونكون هيأنا الأرضية للبدائل، سيما للتجار العاملين في هذا القطاع، سيما وأن ما هو متوفر من عجول في السوق الفلسطيني بالكاد يكفي من ثلاثة أسابيع لشهر، وعليه ماذا ستفعل الحكومة في حال تأخرت شحنة تصدير ونحن رصيدنا صفر من اللحوم إذا لم تتوفر من “إسرائيل” حاليا؟

وكان مربو وتجار العجول في جنين عبروا عن استنكارهم لهذا القرار عادِّين ذلك قرارا غير مدروس ويضر بالمواطن والتاجر.

وأعربوا عن تذمرهم من التسرع في اتخاذ مثل هذه القرارات، حيث إن هذا القرار له أثار وأبعاد سلبية على المستهلكين قبل أن يكون له أثار سلبية على المزارعين أنفسهم، فأسعار اللحوم من اليوم بدأت بالارتفاع تدريجيًا، حيث أن هذا القرار صدر في وقت يعاني فيه السوق الفلسطيني من قلة العجول، والتي لا تكفي السوق الفلسطيني.

وصرح المزارعون بأن محافظة جنين هي البوابة الرئيسية لاستيراد العجول من الجانب الإسرائيلي، حيث أنها تستورد قرابة 80% من العجول المستوردة وتوزعها على بقية محافظات الضفة الغربية.

المسألة متشعبة ولها حيتان

وشرح الخبير الزراعي مازن عواد مفاصل قطاع اللحوم في فلسطين، مشيرا إلى أن استيراد اللحوم في فلسطين له حيتان تسيطر عليه، ويصعب على أي تاجر أن يدخل غماره، وهناك تحالف قديم بين مجموعة من التجار المستوردين وبين الحكومات السابقة التي فصلت شروط الاستيراد على مقاسهم.

وأضاف لمراسلنا: ولكن الحكومة الحالية سهلت شروط الاستيراد وفتحتها لجميع التجار ما قد ينهي عملية الاحتكار القائمة والتي يدفع ثمنها المواطن، ولكن غير واضح أثر تلك الإجراءات في المرحلة المقبلة.

وأشار إلى أن المواطن يتعرض لعملية قرصنة في قضية استيراد اللحوم الحية والمجمدة وهو لا يعلم، فوفق اتفاق باريس الاقتصادي يسمح باستيراد (50) ألف رأس ماشية دون جمارك أو ضرائب بهدف توفير اللحوم بأسعار معقولة للمواطنين.

وقال: إن ما حدث خلال العقدين الماضيين هو أن منفعة هذه الإعفاءات الضريبية والجمركية تذهب لعدد محدود من التجار المسموح لهم بالاستيراد لتكون فائض أرباح لهم ولم تسهم في تخفيض أسعار اللحوم على المواطنين.

وتساءل: حين قررت الحكومة وقف استيراد العجول من “إسرائيل” فهي تهدف لتفعيل استيراد كامل حصة الكوتا، ولكن ما الذي يضمن ألا تبقى تتكرر مسألة الاحتكار السابقة، وأن يستفيد المواطن فعليا من الإعفاء الجمركي والضريبي!

بالنهاية يتحكم الاحتلال

وتساءل لمراسلنا التاجر محمد شحادة عن موقف سلطات الاحتلال من كل ذلك، حيث أن ما يتم استيراده من الخارج سوف يدخل من خلال معابر وموانئ الاحتلال، وعليه هناك مسألتين، الأولى هل ستسمح أن تعرقل سلطات الاحتلال، وحتى لو سمحت بحكم الاتفاقيات، هل يمكن أن تعقد إجراءات الدخول من قبيل تأخير الشحنات في الموانئ، تعقيد إجراءات الفحص، وإطالة الإجراءات الإدارية بحيث توقع التجار في خسائر.

وكذلك لا يجب إغفال الأمر الآخر وهو الالتفاف من خلال تعاون خفي بين تجار فلسطينيين وإسرائيليين لتسجيل المواشي الإسرائيلية على أنها مستوردة من الخارج وتدخل بأوراق مزورة للسوق الفلسطيني.

متطلبات النجاح

وأجمع المتحدثون على ضرورة اتخاذ جملة قرارات حتى ينجح قرار الحكومة في جعل قرار وقف استيراد العجول جزءا من قرارا الانفكاك عن الاحتلال وهي: المعالجة الجذرية لكل العوامل التي أدت لاحتكار عدد قليل من التجار لقطاع استيراد اللحوم، ومراقبة أن تكون إعفاءات الكوتا الجمركية لمصلحة تخفيض السعر للمواطن وليس لزيادة أرباح عدد محدود من التجار، وكذلك أن يتم دعم قطاع مربي الثروة الحيوانية في فلسطين من خلال إعفاء الإعلاف من الجمارك وغير ذلك، إضافة إلى وضع نظام رقابي فعال على عملية الاستيراد من المصدر وحتى الوصول.