الأحد 04/مايو/2025

معاداة السامية سلاح تستعمله الحركة الصهيونية ضد منتقديها

محمد النويني

عمدت الحركة الصهيونية في محاولة منها لإسكات كل صوت منتقد لجرائمها تجاه الشعب الفلسطيني إلى رميه بتهمة “معاداة السامية”.

وقد ابتدعت الصهيونية هذه التهمة، وبدأت توظفها لتحقيق مصالحها بعدما اتخذت القيادات الصهيونية من هذا المفهوم ذريعة لفصل الجماعات اليهودية في أوروبا عن المجتمعات المسيحية التي كانت تعيش بينها، وطورت على أساسها الفكرة القومية الموجهة لإنشاء ما يسمى بالوطن القومي لليهود بأرض فلسطين.

المشكلة أن “إسرائيل” وأنصارها يريدون أن يجعلوا من أي نقد لها ولسياساتها، أو أي نقد يطال أفعالا ومواقف لمسؤول من أصول يهودية، فضلا عن أي محاولة لمساءلة مقولات صهيونية تأسيسية لتبرير اغتصاب فلسطين، أو شن عدوان على أهلها والعرب، أمورا كلها مشمولة ضمن تعريف معاداة السامية!

بمعنى أن ثمة مسعى واضح المعالم، لجعل تهمة معاداة السامية سيفا مسلطا على رقاب كل من يعارض “إسرائيل” والحركة الصهيونية، وبالتالي خنق أي نقاش موضوعي حول “إسرائيل” وسياساتها وأفعالها ككيان غاصب، وحول نشاط أنصارها في كل دول العالم.

لقد أشهرت “إسرائيل” سلاح ما أصبح يصطلح عليه بتهمة “معاداة السامية” عندما ضاقت ذرعا من السلاح الفتاك الذي وظفه أنصار وأصدقاء الشعب الفلسطيني، من خلال تنامي وتصاعد وتيرة حركة المقاطعة، حيث أضحت هاته الأخيرة السلاح السلمي الأقوى والأكثر فعالية لإنهاء الاحتلال.

وبناء عليه لم يتم تحريك تهمة معاداة السامية لأول مرة في حق الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة وحجب صفحتها على فيسبوك من قبل إدارة مارك، بل استعمل اللوبي الصهيوني هذا السلاح في حق العديد من الهيئات والشخصيات السياسية في كل دول العالم بمجرد انتقادهم لسياساتها التوسعية ولممارساتها اللاإنسانية في حق العرب والشعب الفلسطيني.

هكذا تعرضت عدة شخصيات فكرية وسياسية وأكاديمية وفنية في أوروبا والولايات المتحدة والوطن العربي لمضايقات ومحاكمات وحملات شرسة بسبب انتقاداتها للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ومناهضتها الصهيونية، ودعمها القضية الفلسطينية.

فهذا المفكر والفيلسوف الفرنسي روجي غارودي لما ناصر قضايا عربية وإسلامية كقضية فلسطين، وواجه الصهيونية بشراسة، خاصة بعد مجزرة صابرا وشاتيلا في لبنان عام 1982؛ شنّ عليه الإعلام الموالي لـ”إسرائيل” والصهيونية حملة شعواء، وصوّره على أنه عنصريّ ومعادٍ للسامية، وقاطعته صحف بلاده، إلا أنه لم يتراجع عن مواقفه، وفي مرحلة مهمة من تاريخ الرجل أصدر كتاب “الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية” عام 1995.

وشكك في الرواية الصهيونية للهولوكوست، فحكمت عليه محكمة فرنسية عام 1998 بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، وغرّمته 120 ألف فرنك فرنسي (خمسين ألف دولار)، متهمة إياه بالعنصرية، وإنكار جرائم ضد الإنسانية، وقال غارودي في هذا الصدد: “اليهودية ديانة أحترمها، أما الصهيونية فهي سياسية أحاربها”.

ومن عالم الفكر والفلسفة إلى عالم الفن والثقافة اتهم منتج الأفلام الأمريكية غيبسون بمعاداة السامية، خاصة بعد فيلم “آلام المسيح” المنتج عام 2004، الذي أدانته جماعات يهودية، متهمة إياه أنه يسهم في إذكاء المشاعر المعادية للسامية، نتيجة لوم اليهود على “مقتل” السيد المسيح عليه السلام، بحسب رواية الفيلم وتحت جميع التحفظات، كما أدلى الممثل الأميركي بتصريحات قال فيها: إن الصهيونية مسؤولة عن كل حروب العالم.

وذكرت تقارير أن اليهود فرضوا حصارا على الممثل، وتأثرت أعماله -وهو الحائز على الأوسكار- بشكل كبير بعد إخراجه الفيلم، ولم يتلق لسنوات عروضا كثيرة من الشركات الصانعة للأفلام، بعد أن كانت تعرض عليه عشرة أفلام سنويا.

الفاعل السياسي أيضا لم يسلم من تهمة “معاداة السامية” حيث بمجرد انتقاد عضوتي الكونجرس الأمريكي إلهان عمر صومالية الجذور ورشيدة طليب ذات الأصل الفلسطيني الدعم الأمريكي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وإشارتهما إلى وقوف مؤسسات ضغط “لوبيات” وراءه، وخصوصًا لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، وجهت لهما تهمة “معاداة السامية”، وشنت عليهما حملة إعلامية شرسة استهدفت شخصهما، وعملت على شيطنتهما وحصرهما في الزاوية.

ترى هل باسم محاربة “معاداة السامية” يحرم على كل شخصية أو هيئة حقوقية أو سياسية توجيهه النقد للكيان الصهيوني الذي ارتكب خلال صيف 2014 لوحدها ولمدة 50 يوما في حربه على قطاع غزة، جرائم بشعة أدت إلى استشهاد 2139 فلسطيني، من بينهم 556 طفلا و293 سيدة وجرح 11128 فلسطينيا، وتدمير 31.974 منزلا سكنيا من بينها 8163 عمارة سكنية متعددة الطبقات، وتدمير البنى التحتية المدنية للقطاع المحاصر، وتهجير 520 ألف فلسطيني داخل القطاع؛ أي ما يعادل 34% من مجموع سكان قطاع غزة.

هل تعد معاداة للسامية الحديث عن جرائم الكيان الصهيوني سنة 1948 الذي دمر حوالي 531 قرية ومدينة فلسطينية، وارتكب أكثر من 70 مجزرة ومذبحة، ذهب ضحيتها أكثر من خمسة عشر ألف فلسطيني، وهجر قسرا قرابة من 800 ألف مواطن، من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في الأراضي المحتلة.

هل الحديث عن مجزرة خان يونس، ومذبحة الحرم الإبراهيمي، ومجازر جنين والشجاعية وصبرا وشاتيلا يعتبر بمثابة معاداة للسامية؟

ألا تتعارض حمولة من يتهم بمعاداة السامية مع الحق في الرأي والتعبير والتفكير التي تعد من أقدس الحقوق وآكدها، حيث حظيت باهتمام بالغ في العهود والمواثيق الدولية وكذا الدساتير الوطنية لجل الدول الأممية، لكونها مرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية الأساسية للإنسان كيفما كان انتماؤه، وبغض النظر عن طبيعة الأفكار التي يريد التعبير عنها شريطة احترام القوانين الجاري بها العمل؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات