السبت 28/سبتمبر/2024

مستشارو الرئيس وقرار الإقالة.. ملفات من الترهل والفساد

مستشارو الرئيس وقرار الإقالة.. ملفات من الترهل والفساد

لا تشير كلمة مستشار في ديوان الرئاسة إلى مفهوم إيجابي لدى المواطنين بقدر ما تشير إلى مجموعة من المتنفذين يحيطون برئيس السلطة محمود عباس ويحجبون الحقائق في كثير من الأحيان وفق مصالحهم، ما ورّط الرئاسة في كثير من القرارات التي تساءل كثيرون لو كان هناك مستشارون صالحون لما اتخذت.

يحمل أكثر من 26 شخصًا لقب مستشار لرئيس السلطة عباس، منهم لشؤون الشباب، والاقتصاد، والأمن القومي، والعشائر، والقانونية، وكل ما يمكن أن يوضع له تسمية، ولكن العارفين يقسمون مستشاري الرئيس إلى قسمين: المهمشون، وهم الذين منحهم الرئيس صفة مستشار بعد إقالتهم من مواقع سابقة من قبيل الترضية لهم، والمتنفذون الذين يحيطون به ويسيرون اتجاهات القرارات وفق مصالحهم.

وبحسب المصادر القريبة من دوائر صنع القرار لمراسلنا؛ فإن اختيار المستشارين في دائرة الرئيس يختلف عنه في مكتب رئيس الوزراء الذي يعتمد أكثر على التخصصية في حين لا توجد معايير تحدد مواصفات المستشار في مكتب الرئيس التي تتم لاعتبارات مختلفة.

يقول الدكتور إبراهيم فريحات، الباحث في مركز الدوحة للدراسات، عن قرار الإقالة: “مهما تكن الأسباب وراء هذه القرارات، تحتاج معركة الإصلاح السياسي أكثر من إنهاء خدمات مستشارين ووقف امتيازاتهم، فهؤلاء في نظام سياسي عربي قائم على المركزية في صنع القرار لا تتم استشارتهم أصلاً، بل تقتصر وظيفتهم على ما يمكن تسميتها “العزوة السياسية”، ولشراء ولاءاتهم للمحافظة على توازن النظام السياسي المتناقض في كثير من جوانبه”.

وتابع فريحات: “والنظام السياسي الفلسطيني ليس منتخبا ديمقراطياً ليستمد شرعيته من الناخب، بل هو نظام يقوم على المنفعة المتبادلة، يمنح الفرد الولاء للنظام في مقابل الحصول على امتيازات شخصية، فطرد المستشارين يعني ضربا لهذه العلاقة التعاقدية غير المكتوبة. وهذا يعني أن الخلاص منهم لن يكون بالسهولة التي يمكن تخيلها، فقد يتحولون إلى قوة تعمل ضد الرئاسة نفسها، إذ أصبحت المسألة تتعلق بوجودهم في النظام السياسي نفسه. ولا يقلل هذا كله كثيراً من فرضية أن القرارات هذه ستأخذ طريقها إلى التنفيذ، ولربما يتم إيجاد تسوية معينة تحافظ على العلاقة التعاقدية بين الفرد والنظام السياسي، كأن يتم تحويل المستشارين إلى مهام ووظائف أخرى في داخل النظام السياسي الأكبر”.

استغلال للمصلحة العامة

وبحسب متابعات، فقد ورّط  المستشارون الرئيس في قضايا عدّة مخالفة للقانون منها قضية رواتب الوزراء التي وقع عليها رئيس السلطة عباس في الوقت الذي يوجد نص قانوني صريح حولها دون أن يلفت انتباهه أحد من المستشارين لاتباع الإجراء القانوني فوقع في إحراج عندما خرج الموضوع للإعلام والمجتمع، كما أنه عرف عن عدد من المستشارين تحويلهم علاقتهم مع رئيس السلطة لمصدر للإثراء والعلاقات التجارية كما حدث مع محاميه الخاص كريم شحادة والذي وصل به الأمر لأن يكون قبل سنوات أهم شخص في محيط الرئيس في حين أثيرت حوله ملفات واتهامات عديدة مرتبطة باستغلال المنصب.

ويعلق الوزير السابق شوقي العيسة على القرار، وهو الذي استقال خلال حكومة الحمد الله؛ احتجاجا على سوء إدارة الحكومة، بقوله: “يبدو أن قرار الرئيس الثاني حول رواتب الوزراء يثبت أن قراره الأول بعزل مستشاريه صحيح؛ ألم يقل له أي مستشار منهم أن تأشيرته نفسها حول الرواتب مخالفة للقانون ولا يحق له التأشير بها؟  إن رواتب الوزراء ينظمها قانون خاص بذلك، ولا يجوز إجراء أي تعديل أو تغيير عليها إلا بقانون . فقرار الرئيس حول الرواتب وإعادة ما صرف منها قبل تأشيرته هو استمرار في خرق القانون. ألا يفقهون؟.. يكفي تخبطًا”.

وأضاف: “كذلك فإن رد رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله  لو لم يكتبه لكان أفضل له؛ فهو يقول إنه كان ضد القرار، ولكن لم يكن يستطيع فعل شيء، والمسؤولية تقع على وزير المالية، ما شاء الله وأنت “شو كاين تسوي كرئيس وزراء؟!.. رئيس الوزراء لا ينطبق عليه (وإن لم تستطع فبقلبك).. لو كنت حقا صاحب موقف لقلبت الطاولة عليهم ومنعت ذلك وكان بإمكانك.. كلكم أخطأتم وخرقتم القانون بما في ذلك الرئيس”.

مشكلة نظام

ويرى الخبير الحقوقي ماجد العاروري أن “الإشكالية الأساسية لدى غالبية مستشاري الرئيس تتمثل بنوعين من المستشارين، مستشارون كسالى حصلوا على درجة مستشار ومنافعها ولم يرهم الرئيس في حياته، ولم يقدموا له أي استشارة منذ تعيينهم، ومستشارون نشطاء تحولوا إلى مكولسين، هم يقررون والرئيس يوقع، وهذا ما أوقعه في كثير من أخطاء بقرارات مهمة اتخذها ودفعته إلى التراجع عنها، فنادرًا ما كانوا يقدمون للرئيس سيناريوهات متعددة تبين له المكسب والخسارة في حال تبنى أحدها، ويتركون له فرصة تبني السيناريو الأفضل، لذا من الطبيعي أن يجد الرئيس نفسه قد قضى 13 سنة بالحكم بلا استشارات، وبدل أن يسهل المستشارون له مهامه أصبح جزء كبير منهم عبئًا عليه وأحرجه بمواقف عدة.. أما المستشارون الحقيقيون أعتقد أنهم قليلون وأثرهم كان قليلاً.. أعتقد أن هذه الآلية قد اعتاد عليها لذا سيجد نفسه بحنين إليها في وقت قريب”.

ويقول الصحفي فارس الصرفندي: “استمعت لآراء عدّة من سياسيين حول قرار الرئيس إقالة جميع مستشاريه؛ أما الأول فإن الرئيس يريد التخلص مع عدد ممن نسبوا أنفسهم لدائرته الاستشارية، والرأي الآخر أن الرئيس يسعى لامتصاص حالة الغضب نتيجة حالة الفساد والإهدار في المال العام.. ولكن الفساد بات صفة تلازم عددًا كبيرًا من الدوائر السياسية والخدماتية في السلطة، والحل الأمثل هو بإصلاح جهاز القضاء والذي أصابه ما أصابه”.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات