الأحد 01/سبتمبر/2024

مطرقة فريدمان.. تهشم آمال التسوية وتنعش آمال المحتلّ

مطرقة فريدمان.. تهشم آمال التسوية وتنعش آمال المحتلّ

على أقساط متقاربة انتقلت السياسة الأمريكية من مربع الانحياز لاحتلال القدس إلى خانة الانخراط الكامل في تهويدها وتشريع الاعتداء على المقدسات الفلسطينية.

قطار السياسة الأمريكية يمضي بسرعة نفّاثة، فبدأ بنقل السفارة إلى القدس ثم تشريع احتلال الجولان ودعم ضمّ الضفة، والآن يهدم التاريخ والتراث الإسلامي بمطرقة (فريدمان).

وكان (ديفيد فريدمان) سفير الولايات المتحدة الأمريكية في (إسرائيل) شارك قبل يومين في حفر نفق تحت قرية سلوان بالقدس المحتلة ضمن مخطط افتتاح “طريق الحجّاج” لجبل الهيكل المزعوم، الذي تنّظمه جمعية “إلعاد” الاستيطانيّة.

وتعكس الممارسات الأمريكية في إدارة (ترمب) عمق البعد الصهيوني المسيحي الذي يدعمه (11) يهوديا في إدارة الرئيس الأمريكي يؤمنون بالعقيدة النورانية وإقامة “الهيكل” فوق المسجد الأقصى وهي سابقة صريحة في موقف أمريكا إلى جوار الاحتلال.

وسيط منحاز
تتجاوز السياسية الأمريكية تجاه (إسرائيل) في قضايا الصراع القوانين والأعراف الدبلوماسية، أن يحمل دبلوماسي برتبة سفير مثل (فريدمان) مطرقة ويشارك في تدشين نفق بمدينة القدس المحتلة الصادر بحقها قرارات دولية وأممية سابقة تعبّر عن انخراط كامل في مخطط الاحتلال.

وحمل (فريدمان) وسط إعجاب الحضور مطرقة ضخمة لهدم حائط داخل النفق في حفل حضره مبعوث الرئيس الأميركي للمنطقة، (جيسون غريبنلات)، وزوجة رئيس الحكومة الإسرائيليّة، (ساره نتنياهو)، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس سابقا عضو الكنيست، (نير بركات)، ورجل الأعمال الأميركيّ الملياردير (شيلدون أديلسون) وآخرون.

ويؤكد د. جمال عمرو الخبير في شئون القدس والاستيطان أن ما يجري على يد (فريدمان) وأقطاب إدارة (ترمب) يكشف أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست وسيطاً نزيها في عملية التسوية وأنها انتقلت من خانة الانحياز إلى الانخراط الكامل في سياسة الاحتلال.

ويقول: “المسيحيون الصهاينة أخطر من الاحتلال نفسه، يؤمنون أن اليهود هم العرق السيّد ويعملون على إقامة الهيكل فوق الأقصى، في إدارة ترمب 11 شخصية تبشّر بالنورانية ومعتقداتهم تشبه حزب شهود يهواه المتطرف ويؤمنون بأسطورة المعركة الفاصلة في هار مجدون وانتصار اليهود ثم المسيح”.

وتحدث (فريدمان) لوسائل الإعلام قائلاً: “تسألونني لماذا أنا هنا؟- والإجابة هي هامّة، هذا الأسبوع، الذي نحتفل فيه بذكرى إعلان استقلال الولايات المتحدة، حقوقنا لم يعطنا إياها الجمهوريون أو الديمقراطيّون، إنما الربّ، وكيف عرف آباؤنا ما هي الحقوق؟ الإجابة أنهم قرأوا ذلك في التناخ -الكتاب المقدّس اليهودي-. ومن أين جاء التناخ والتوراة؟ من هذا المكان”.

وعدّ (فريدمان) نفق القدس بأنه موقع أثري للولايات المتحدة، مثلما هو موقع أثري لـ(إسرائيل) مبرراً حماسته في المشاركة إلى جوار حشد من المتطرفين في حفر النفق.

يشار إلى أن “طريق الحجاج” عبارة عن حفريات أثرية كبيرة تحت سطح الأرض، وهي مستمرة منذ ست سنوات، بالتعاون بين جمعية “إلعاد” وسلطة الآثار الإسرائيلية تحت شارع وبيوت في حي عين حلوة بسلوان قرب باب المغاربة.

ويرى د. هشام المغاري الخبير في الشئون الأمنية أن دعم إدارة (ترمب) الكبير يعود لعدة أسباب أولها أن قيادة إدارته تعود للمحافظين الجدد (البروتستانت) وهم مؤمنين بتجميع اليهود وحقهم في القدس.

ويتابع: “أقطاب إدارة ترمب تؤمن بالصهيونية وممارسات الاحتلال وفي ظل ضعف موقف العرب تعدّ هذه أفضل فرصة لتحقيق مآربهم، ردود الفعل بعد نقل السفارة للقدس كانت ضعيفة واكتفى بالاحتجاجات لذا يجري الآن تنفيذ مخطط صهيوني علني”.

خطير جديد
حالة الوضوح الناصع في إدارة (ترمب) ذات الخلفية الصهيونية المسيحية تجاوزت فضاء التوقع لشركاء عملية التسوية التي تعرضت لانتكاسة مع ميلاد صفقة القرن ومغادرة جزء مهم من الأنظمة العربية دعم الحقوق الفلسطينية التاريخية.

وتتناغم السياسية الأمريكية والإسرائيلية مع مشهد سياسي تشارك فيه أنظمة عربية وإعلاميون وشخصيات عربية يدعمون ويروجون للتطبيع، المشهد على قتامته سيكون الأسرع حسب رؤية الخبير المغاري لميلاد استراتيجية مستقبلية تتصدى للاحتلال.

عرّابو إدارة (ترمب) في الشرق الأوسط وعملية التسوية خاصةً هم (جاريد كوشنير، جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان) ينشطون من مشكاة واحدة هي دعم لليمين والقوميّة الإسرائيليّة المتطرّفة ومرجعيتهم صهيونية مسيحية.

يؤكد د. علاء أبو عامر الخبير في الشئون الدولية والدبلوماسية أن ما فعله (فريدمان) سفير الولايات المتحدة الأمريكية وغرينبلات مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، يعد خرقاً للقانون الدولي، فالقدس كل القدس بحسب قرارات الأمم المتحدة هي أرض محتلة.

ويضيف: “هذا الفعل جريمة يحاسب عليها القانون وانتهاك للأعراف والقوانين الدبلوماسية، وهي أيضاً تمثل إهانة لمشاعر العرب والمسلمين وتعدٍّ على مقدساتهم، وقبل كل ذلك هذا الفعل يمثل اعتداءً على الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والحقوق غير القابلة للتصرف”.

وتعليقاً على ما جرى، عدّ أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات ما قام به (فريدمان وغرينبلات)، “إهانة إضافية للقانون الدولي”، متابعاً: “يشارك السفير التوراتي فريدمان، والمستوطن غرينبلات في هذا العمل والنشاط الاستيطاني في القدس المحتلة بينما أعلنت منظمة إيماك غير الحكومية الإسرائيلية عدم صحة، وكذب هذه الرواية الصهيونية”.

سرعة (ترمب) ومساعدوه في تأصيل الاحتلال في قضايا الصراع ليست عبثاً ولا جهلاً بأتون السياسة، فلديهم برنامج مشترك وواضح انطلاقاً من عقيدة دينية وسياسية.

يرى الخبير عمرو أن الإدارة الأمريكية سابقاً كانت تضم عدداً من المنحازين للاحتلال بشكل قوي وأحياناً فرد واحد مثل (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأسبق أو (رايس) مستشارة الأمن القومي السابقة لكن المشهد الحالي في عهد (ترمب) يضم أحد عشر داعماً قوياً للاحتلال.

وكما أن تفاصيل صفقة القرن ومؤتمر المنامة شطبت أكثر من ربع قرن من مخلّفات (أوسلو) فإن مطرقة (فريدمان) أجهزت على ما تبقى من أمل للوصول إلى تسوية.

ويشير الخبير عمرو أن مطرقة (فريدمان) تحطّم أربعة آلاف سنة من الرواية الفلسطينية على الوجود الكنعاني ثم الإسلامي وأن ما شارك فيه هو شق قناة لما يسمى (طريق الحجاج) وصولاً إلى القصور العباسية.

ما يجري هو صناعة ميدانية وعملية تطهير من الآثار الإسلامية والفلسطينية تمضي حسب الرواية اليهودية لممارسة حمل القرابين فوق صخرة المعراج وتسويق رواية أن الذبيح كان نبي الله إسحاق وليس إسماعيل متجاهلين مشاعر وعقيدة المسلمين عامة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات