الخميس 08/مايو/2025

ناصر البحيصي.. فارس الإرادة يرحل!

ناصر البحيصي.. فارس الإرادة يرحل!

“إنما المشلول مشلول الإرادة”.. لا أحد ينسى عبارة الشاب ناصر البحيصي ضيف قسم العناية المركزة لأربعة عشر عامًا الذي فارق الحياة في اليوم الثاني من تخرجه في الجامعة.

كل من سمع بقصة الطالب المريض ناصر البحيصي تعجّب لحكايته مع الإرادة؛ حيث أقعده المرض في قسم العناية 13 عامًا ونصفًا مشلولَ الحركة سوى من إصراره على مواصلة دراسته الجامعية.

وكان الشاب البحيصي أصيب في حادث سير قبل 14 عاماً عندما صدمته عربة من قوات الأمن الوطني خطأً، تنقل في الأسابيع الأولى لإصابته بين مستشفيات غزة و(إسرائيل)، لكن الأطباء أثبتوا إصابته في الحبل الشوكي وفقرات عموده الفقري الأولى والثانية المسؤولتين عن الحركة والتنفس.

اهتم ناصر بدراسة الفقه الإسلامي في قسم الشريعة بجامعة الأزهر التي احتفل قبل يوم من وفاته بتخرجه فيها حين كرّمته إدارة الجامعة داخل قسم العناية المركّزة.

ضيف دائم

ضيف قسم العناية المركزة في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح رحل بعد 13 عامًا ونصفًا من الإرادة والصبر، تاركاً جرحاً غائراً في ممرضي وأطباء قسم العناية وسكان دير البلح عامةً.

يقول والده: “مرت حكاية ناصر كحلم ليلة واحدة، رغم التعب والمعاناة التي عاشها وعشناها معه أشعر أنها فترة قصيرة.. احتفل بتخرجه قبل يوم من وفاته، وكرّمته إدارة جامعة الأزهر داخل قسم العناية، وبعد أقل من 24 ساعة رحل عن الدنيا”.

آخر حوار بين الأب وابنه كان قبل وفاته بدقائق؛ طلب بعدها ناصر من والده العودة السريعة للمستشفى لرؤيته لكن وصول الأب لحجرة العناية كان وابنه يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ويتابع: “ناصر يردد دومًا من يوم إصابته: “المشلول ليس مشلول الأطراف.. بل المشلول مشلول الإرادة.. لا يوجد شيء مستحيل”.

وتجشمت أسرة البحيصي عناء مرافقته يوميًّا حتى أن  شقيقه زكي الذي فارقه في المنزل حين كان في الخامسة من عمره فضّل دراسة العلاج الطبيعي ليتولى الاهتمام به 4 جلسات أسبوعية.

ويؤكد مروان أبو حامدة، مسؤول قسم التمريض في مستشفى الأقصى، لسنوات عدّة أن قصة المريض البحيصي تعكس “معجزةً إلهية” بكل معنى الكلمة.

ويضيف: “استقبلت خبر رحيله بحزن كبير. عام 2009 كنت أترأس التمريض بقسم العناية المركزة في مستشفى الأقصى الذي عاش فيه ناصر حتى عام 2019، وسبق حضوره لسنوات عدة في مستشفيات أخرى. إنسان دوماً مبتسم، ذكيّ، ويحب الدراسة، ويتواصل مع أبناء شعبنا والطواقم الطبيّة”.

المعلم الدائم

منذ أيام يظلل الحزن حياة المعلم محمد البحيصي، أحد أقارب ناصر، الذي لازمه معلمًا يلقنه المعلومات طوال 13 عامًا من مرحلته الابتدائية وحتى تخرجه في الجامعة.

يقول محمد: “بدأت معه من الابتدائية وحتى آخر يوم في الجامعة.. ناصر عنوان تحدٍّ وإرادة عجز عنها الأصحّاء.. تحدّى سريره ومرضه، وتحدّى شلله وتنفسه الذي كان بواسطة الأجهزة الصناعية”.

يذكر محمد كلمات ناصر وحواره الدائم معه خلال الدروس حين كان يخبره أن إصراره يعود لرغبته في مواصلة التعليم حتى لا يفوته من يوازيه في العمر بالشهادة الجامعية.

ويتابع: “من أول يوم في حادثته، أريد مواصلة التعليم أريد مواصلة الحياة لأكون إيجابياً. فقدت ابني وصديقي، افتخرت بثمرة مجهود 13 عاما يوم تخرجه، ولكنني لا أصدق أننا واريناه الثرى ثاني يوم من تخرجه. لن يغيب عن ذاكرتي”.

 ويبدو سرير البحيصي في حجرة العناية المركزة بالمستشفى خالياً بعد أن اعتاد الأطباء والممرضون على حضوره ودعابته الدائمة لهم يومياً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات