الأحد 10/نوفمبر/2024

استنزاف مقابل الحصار والمعاناة!

رضوان الأخرس

سبق الانسحابَ الإسرائيلي من غزة عام 2005 حالة استنزاف منظمة للمستوطنات، دفعت الاحتلال حينها إلى إعلان خطة فك ارتباط عن قطاع غزة، بعد أن أصبحت المستوطنات الإسرائيلية داخل القطاع شبه خاوية.

كانت قذائف الهاون مع القذائف محلية الصنع لا تكاد تتوقف عن السقوط في تلك المستوطنات، بالإضافة إلى الاقتحامات والهجمات العسكرية لمسلحي المقاومة، ومنها كانت عملية محمد فرحات الذي خرج في مشهد وداع غير اعتيادي مع أمه التي ودّعته أمام الشاشات.

وتطورت الأدوات والوسائل، إلى أن فجرت المقاومة عددا من المواقع العسكرية والحواجز عبر أنفاق مفخّخة، وكان من أبرز تلك العمليات عملية «حاجز محفوظة أبو هولي».

جرت تلك العمليات المركّزة بعد ضربات عديدة وجّهها الاحتلال إلى المقاومة وقادتها البارزين، ومنهم كان الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي قال بداية انتفاضة الأقصى: «أعطونا خمس سنوات من العمل المقاوم وسنطرد الاحتلال من غزة».

إذن، كانت المقاومة تعمل وفق استراتيجية واضحة تستهدف نزع الأمن والطمأنينة من تلك المستوطنات، وهو العامل الأبرز الذي يدفع المستوطنين إلى البقاء، وفقدانه يعني رحيلهم. شهدت مستوطنات الاحتلال في غزة حركة نزوح جماعي على أثر تلك العمليات، قبيل إعلان الحكومة الإسرائيلية في عام 2005 انسحابها، أو ما يُسمى خطة «فك الارتباط».

هنا تتجلى حيوية فكرة المقاومة. وقد حاول الاحتلال بعد رحيله عن غزة استخدام استراتيجية أخرى لمكافحة هذه الحيوية، تمثلت في التعامل مع غزة على اعتبارها كياناً منفصلاً وإغراقه بالمشكلات الداخلية والنزاعات مع المشكلات الإنسانية، وإشغاله بأوجه المعاناة الشديدة بفرض الحصار عليه.

دخول أبرز فصائل المقاومة الانتخابات، وتحمّلها الأعباء الحكومية، أضعف الحالة من جانب أو جوانب، وكان لتوفير بيئة مناسبة لعمل المقاومة دون محاربة حكومية فلسطينية أثرت في تطوّر أداء المقاومة في غزة على خلاف الضفة، وما نشهده اليوم من صواريخ تضرب عمق الاحتلال على بعد حوالي 150 كيلومتراً من قطاع غزة، فباتت المقاومة تشكّل تهديداً ليس فقط للاحتلال في محيط قطاع غزة؛ بل في كل بقعة فوق أرض فلسطين.

شكل المعركة بين الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة اختلف منذ إطباق الحصار على القطاع، وكان على شكل مواجهات واسعة ومفتوحة في مجمله من قبيل ثلاث حروب في الأعوام 2008 و2012 و2014، ومنذ العدوان الأخير في عام 2014 وغزة تتعرض لتضييق شديد على الصعد كافة. 
انعكست آثار ذلك العدوان المدمّر أيضاً على الأداء الميداني لفصائل المقاومة، حتى استعادت زمام المبادرة في آخر سنتين تقريباً وباتت تستخدم سلاحا فاعلا مجدداً في مواجهة القصف والعدوان الإسرائيلي، وكان من الواضح لكل متابع لجولات التصعيد الأخيرة تطوّر قدراتها العسكرية وتطوّر أسلحتها والقدرة التدميرية لصواريخها.

مستوطنات الاحتلال في محيط قطاع غزة كانت الأكثر استهدافاً ومن ثم استنزافاً في الجولات الأخيرة، وأيضاً جرى استنزافها من قِبل الشبان ضمن فعاليات شعبية ثورية استخدمت البالونات الحارقة لحرق المحاصيل في المستوطنات، وغيرها من الأساليب التي كان عنوانها حسب أصحابها، وقف الاستنزاف مقابل رفع الحصار.

أسفرت حالة الاستنزاف عن رحيل جماعي للمستوطنين وعوائلهم عن مستوطنات الغلاف تحدثت عنه مؤخراً القناة 13 العبرية، وحذّرت القناة من موجة هجرة، وهو ما يشبه أوضاع المستوطنات الإسرائيلية داخل القطاع قبيل الرحيل منها عام 2005.

لا شك أن غزة تعاني أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة والتعقيد، وأن الضفة تعاني من تهديد ومخاطر تستهدف الهُوية الوطنية الفلسطينية في ظل الحديث عن مخططات ضم قريبة؛ لكن الاحتلال أيضاً وبفعل المقاومة، يعاني من تهديدات أخرى غير محدودة، واستنزاف باتت آثاره واضحة في مستوطنات غلاف غزة.

صحيفة العرب القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات