الخميس 01/مايو/2025

الإعلام العسكري: جبهة حماس القتالية ضد إسرائيل

د. عدنان أبو عامر

ظهر واضحا في جولة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أوائل مايو/أيار، الاعتماد المتزايد من فصائل المقاومة الفلسطينية، لاسيما حماس، على منظومتها الإعلامية والدعائية، وتصاوير الفيديو لعملياتها المسلحة، وإنتاج الأفلام القصيرة، وبث الكلمات التحريضية، الموجهة للجمهور الفلسطيني لجعله داعما ومساندا لها، والموجهة للإسرائيليين باللغة العبرية بغرض التخويف والردع.

تفرد حماس موازنات مالية وكوادر بشرية لإعلامها العسكري، حتى إن هناك دائرة خاصة بهذا الاسم، لا تقل أهمية وخطورة عن باقي وحدات جناحها المسلح الأمنية والعملياتية.. السطور التالية تتناول الجهد الدعائي العسكري الذي تقوم به حماس؛ على ماذا يعتمد، وما أدواته المستخدمة، والجدوى التي تعود عليها بين الفلسطينيين أو الإسرائيليين.

جرت العادة أن تباشر “إسرائيل” بالحرب النفسية ضد الشعب الفلسطيني ضمن حملة متناسقة، بحيث يلوذ الفلسطينيون برد الفعل ليس أكثر، لكن العدوان الأخير ضد غزة شهد انقلابا في المشهد الإعلامي العسكري؛ فقد فاجأت حماس جيش الاحتلال برسائل إعلامية مركزة ومتواترة، استهدفت إرباك المستويين: السياسي والعسكري الإٍسرائيليين، وضرب الجبهة الداخلية.

أظهرت المقاومة الفلسطينية تفوّقاً كبيراً في قدرات الخطاب الإعلامي لقياداتها وبياناتها، وإدارة الحرب النفسية وحركة الإعلام الجديد، وتفوق عدد من مغردي غزّة، ومع بدء العدوان الإسرائيلي استمرت المقاومة بتصدير رسائلها الإعلامية المؤثرة التي تنوعت في أشكالها ومضمونها وأهدافها بصورة شبه لحظية، مما حدا بالعديد من المعلقين والخبراء الإستراتيجيين للتأكيد بأن تل أبيب خسرت الحرب النفسية مبكراً لصالح حماس.

لم تأت قوة رسائل الحرب النفسية لحماس من فراغ، بل تم إعدادها، وصوغ مضامينها من قبل مختصين وخبراء في الحرب النفسية، مما يؤشر لمستوى التطور الهام الذي بلغته على مختلف الأصعدة والمجالات، وترك أوضح الأثر على إدارة “إسرائيل” للمعركة التي شابها الكثير من التخبط والإرباك، ومستوى الضعف الذي اعترى المجتمع الإسرائيلي وجبهته الداخلية.

دأبت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، على نشر رسائلها الإعلامية المصورة التي تزامنت مع اندلاع العدوانات الإسرائيلية، وهدفت منها إثبات قوة الردع، وقدرتها على تنفيذ تهديداتها، رغم قوة الجيش الإسرائيلي، مما منح القسام فرصة أن يكسر هيبته، والتسبب بصدمة نفسية عميقة للإسرائيليين، والتلاعب بأعصاب قيادتهم، وتسجيل نقطة لصالح الفلسطينيين في الحرب النفسية، واستخدم هذا “التكتيك الجديد” ليثبت قدرته على نقل المعركة من غزة إلى داخل الكيان الإسرائيلي.

استخدمت حماس في إعلامها العسكري جزءًا من الحرب النفسية التي انتهجها الإسرائيليون طويلاً ضد الفلسطينيين، حيث سعى كل طرف لتثبيت صورة الانتصار، ويوماً بعد يوم ازداد التأثير النفسي لهذه الحرب التي بدت وسائل الإعلام جزءاً مهماً منها، إضافة للشبكات الاجتماعية.

لم يتردد الإسرائيليون في الاعتراف بأن ما قامت به حماس هو حرب نفسية، نجحت فيها، لأن الشارع الإسرائيلي وقف بانتظار تعليماتها بالخروج من الملاجئ، أو البقاء فيها، وفي وقت لاحق، عمل الخبراء التقنيون على بث رسائل القسام، ونقل الصورة الحقيقية للمعركة للجمهور الإسرائيلي بكافة شرائحه، وتمثل هذا الجهد في الأساليب التالية:

– الدخول على بث عدد من القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، وبث رسائل موجهة للإسرائيليين، مذكرة إياهم بأخطاء قيادتهم.

– استهداف البريد الإلكتروني لملايين الإسرائيليين، ووضع إشارة للقسام، والسيطرة على نظام الرسائل الخاص برؤساء مجالس المستوطنات، وإرسال رسائل التهديد لهم.

– اختراق هواتف عدد كبير من الجنود على حدود غزة، وإرسال رسائل نصية وصوتية، تتعهد فيها بمواصلة القتال والتصدي للعدوان، واستمرار إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات، في محاولة المس بمعنويات الإسرائيليين.

وأصدر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) تحذيرًا للإسرائيليين من القراصنة الفلسطينيين، الذين اخترقوا بعض المواقع الرسميّة والإعلاميّة، وقاموا بإرسال رسائل نصية، مما زاد من حالة القلق في أوساط المخابرات بسبب تصاعد احتمالات تعرّض الشبكات لهجمات واسعة من قبل “هاكرز” داعمين للفلسطينيين.

بدأت تتصاعد حملات القراصنة الفلسطينيين ضد الإسرائيليين بصورة تدريجية خلال حملات العدوان الإسرائيلي على غزة، لأنها استهدفت حسابات تعود لشخصيات عسكرية وسياسية إسرائيلية بارزة، وأرفقت صوراً تظهر اختراقها، وأرسلت عبر تلك الحسابات رسائل تشمل صور مسلحين من الكتائب وبعض قادتها، وشعار “الهاكرز” الخاص بها، وطلبت من الإسرائيليين الرحيل عن فلسطين.

ودشنت كتائب القسام موقعها الالكتروني الناطق باللغة العبرية لأول مرة، واتخذت الخطوة لمخاطبة الجمهور الإسرائيلي، بالتزامن مع تواصل العدوانات على غزة، واحتوى الموقع على أقسام تتناول عرض صور ومقاطع فيديو وأخبار الكتائب.

في الوقت ذاته، لم يتوقف تلفزيون الأقصى التابع لحماس عن بث رسائل متواصلة باللغة العبرية لجنود الاختلال يتوعدهم فيها إذا دخلوا غزة، ويخبرهم بأن قادتهم ورطوهم في حرب لا قبل لهم بها، وعليهم انتظار الصواريخ.

شعر الفلسطينيون في بعض أيام العدوانات، خصوصاً أثناء بث التلفزيونات الإسرائيلية برامجها، أن فضائية الأقصى باتت تخاطب الإسرائيليين، وليس الفلسطينيين، لأن تلك القنوات تترجم ما يقولون على الأقصى أولاً بأول، حيث بث التلفزيون الحمساوي، وفضائيات محسوبة على حماس، صوراً منتظمة لمقاتلين ملثمين يحملون قناصات وصواريخ، وصوراً أخرى لراجمات الصواريخ تعمل، في تحدٍّ مباشر للجيش الإسرائيلي.

كما أنتجت كتائب القسام أغنيات باللغة العبرية بثت مئات المرات، ويظهر في فيديوهات الأغاني، مقاتلو القسّام يتدرّبون على إطلاق الصواريخ، حيث انتشرت الأغاني بشكل كبير جدا على اليوتيوب، وبعدة أشكال وفيديوهات مختلفة، في نسبة مشاهدات وصلت مئات الآلاف.

لم تقتصر الحرب النفسية التي تشنها حماس ضد الإسرائيليين على الإعلام الرسمي وناطقيه؛ بل دخل الأفراد والمدونون على الخط، وأخذوا يبادرون بالنشر بواسطة الشبكات الاجتماعية، ونشر الفلسطينيون عدداً من الأفلام لتهديد الإسرائيليين، وكيف يجرى انتشال أطفال من تحت بيوت يدعي الجيش أنها أهداف عسكرية، وصورا لرئيس الوزراء الإسرائيلي وقائد الجيش ملطخين بالدماء.

كما سمحت حماس للصحفيين من توثيق شهادات لمقاتلي القسام تتعلق بتنفيذ عمليات عسكرية ضد قوات الجيش على حدود غزة، وتجول الصحفيون في أنفاق هجومية ومرابض لإطلاق قذائف الهاون والصواريخ.

ومن أجل إنجاح أدائها الإعلامي، دأبت كتائب القسام على نشر قصص مثيرة لمقاتلين خاضوا معارك ضارية مع الجيش في مناطق مختلفة من حدود غزة، في كافة محاور الاشتباك من شمال القطاع إلى جنوبه، ونفذوا عمليات التفاف خلف القوات المتوغلة، والتصدي لآليات وجنود الاحتلال بكل وسيلة، جزء منهم من وحدة الأنفاق، مهمتهم تجهيزها، وتهيئتها للاستخدام من قبل مقاتلي النخبة، وقد أخذوا مواقعهم قبل بدء الحرب البرية.

لقد شهدت جولات العدوان الإسرائيلية على غزة إصدار بلاغات عسكرية فلسطينية حول عمليات التصدي وضربات المقاومين لآليات الجيش، في ظل التنسيق الكامل بين المقاومين في ميدان المواجهة والوحدات الإعلامية، فيتم إبلاغها أولاً بأول من قبل المجموعات في الميدان عن ضرباتها للعدو، وعن تفجير العبوات، وإطلاق القذائف المضادة للدروع، ونوع السلاح الذي يستخدمه المقاومون، وتحديد المكان والزمان.

وتباعاً تقوم الوحدة الإعلامية بإصدار البلاغات العسكرية حول ضربات المقاومين، ووصف طبيعة الخسائر التي تكبدها العدو التي يحاول المقاومون تحديدها قدر الإمكان بناءً على مشاهداتهم، ومع الخبرة أصبح لديهم قدرة على تحديدها بدقة.

لقد ظهرت المقاومة في عدوانات “إسرائيل” على غزة بحلة إعلامية جديدة استطاعت الارتقاء بخطابها الإعلامي، وأوقعت في ذات الوقت الجيش الإسرائيلي في وحل من التضليل لم يعتد عليه سابقاً، مما انعكس على تصريحاته وأدائه الميداني، وجرت العادة لدى المقاومة على استخدام وسائل الإعلام في عرض صور الغنائم التي تحصل عليها في أعقاب كل عملية، خاصة حطام الآليات العسكرية، وأجزاء من الدبابات المعطوبة، وأشلاء بعض الجنود القتلى.

ولعل النجاح الواضح لإعلام حماس العسكري، عاد للإدراك أن المعركة مع “إسرائيل” ليست عسكرية بحتة، بل أمنية وإعلامية، تعتمد بدرجة كبيرة على صراع الأدمغة والعقول، وانطلاقاً من هذا الفهم العميق وإدراكاً لطبيعة هذه المعركة، اعتمدت حماس سياسة إعلامية تعتمد تضليل العدو وإرباكه، وعدم تقديم أي معلومة قد يستفيد منها، لأن المساحة الجغرافية التي تعمل عليها ضيقة نسبياً، ويمكن للاحتلال الإسرائيلي أن يستخدم أي معلومة كورقة ضغط، أو حتى سيفاً مسلطاً تكون عواقبه وخيمة.

ربما يبدو من الصعوبة طيّ صفحة الحرب الإعلامية التي تدور بين المقاومة والجيش الإسرائيلي دون التطرق للوجه الإعلامي الأبرز، وهو “أبو عبيدة”، المتحدث باسم كتائب القسام، الذي يتكلم بلسان الفصائل العسكرية جميعها، ولعله الأكثر تأثيراً في الروح المعنوية للإسرائيليين، لقدرته على إخافتهم، مما ساعد المقاومة في الميدان للمضي قدماً.

أبو عبيدة صاحب الكوفية الحمراء، ذو البنية العريضة، يرى فيه الجيش الإسرائيلي الشريان الرئيسي للحرب النفسية التي تفرضها حماس، واشتهر بالعبارة الختامية لمؤتمراته الصحافية بمقولة: “إنه لجهاد نصر أو استشهاد”.

المصدر Middle East Monitor

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، اليوم الخميس، أن 91% من سكان القطاع يعانون من "أزمة غذائية"...