الأربعاء 26/يونيو/2024

بي دي اس في دائرة الاستهداف.. التوقيت والمدلولات

قبة “البوندنستاغ” (مبنى البرلمان الألماني) الزجاجية لم تعد منفّذة للضوء فقط؛ فهي أيضاً منفذة لقرارات تنصر الذئب على الضحيّة تعكس تبعية الموقف الألماني للموقف الأمريكي والإسرائيلي.

ووصف مجلس النواب الألماني “البوندستاغ” حركة مقاطعة إسرائيل “بي دي إس” بحركة معادية للسامية، مشبّهاً دعوات مقاطعة البضائع الإسرائيلية بالدعوات النازية.

وكان الكونجرس الأمريكي صوّت في شباط الماضي لمصلحة مشروع قرار يسمح للحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية باتخاذ إجراءات تشمل سحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد أي كيان أو حكومة تشارك في نشاطات “بي دي إس”.

ويشكل تجريم أنشطة “بي دي إس” وتكريس القرارات من دول كبرى ضدها منعطفاً خطيراً وانحيازاً سافراً لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي في توقيت تحاول فيه الإدارة الأمريكية فرض “صفقة القرن” على فلسطين المحتلة.

انحياز للمجرم

تكذب أوروبا حين تدّعي الحرية والديمقراطية، وتتوّج كذبها ألمانيا حين تنصر الذئب على ضحيته؛ فالاحتلال الإسرائيلي مجرّم بالقانون الدولي وتنكّره لقرارات الأمم المتحدة منذ عام 1948.

تأسست الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” والمعروفة اختصاراً “بي دي أس” سنة 2005، من قوى مدنية فلسطينية، وتعمل بترتيب مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة وفضح الاحتلال.

وتصاعدت في الأعوام الماضية أنشطة الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” إلى جوار الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لـ”إسرائيل” تحت لواء واحد هو “BDS”، وشملت أنشطتهما مقاطعة بضائع المستوطنات وأنشطة أكاديمية وثقافية وفنيّة ضد الاحتلال.

ويؤكد عبد الستار قاسم -المحلل السياسي- أن “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية تحشد جملة مواقف لدعم الاحتلال؛ ما يدلل بصورة حقيقية أن “إسرائيل” نفسها خطر على السلام والأمن العالمي.

ويضيف لمراسلنا: “الولايات المتحدة وحلفاؤها وحتى الموقف الألماني يرفعون درجة الوعي لدى شعوب الأرض أن إسرائيل محتلة، وأرجّح أن تنقلب الأمور سلباً على إسرائيل”.

الموقف الألماني أثار استغراب كثير من المؤسسات الحقوقية والإنسانية التي تفهم جيداً مخالفة الاحتلال للقانون الدولي، لكن الألمان يسيرون الآن في قناة السياسة الأمريكية التي تدعم الاحتلال تاريخياً.

ومن المرجح أن تتبع دول أوروبية أخرى القرار الألماني؛ لأن تأثير الصهيونية العالمية كبير في هذا الصدد حسب رؤية مراقبين للمشهد السياسي الآخذ في التشكل في الشرق الأوسط.

ويقول أحمد رفيق عوض، المحلل السياسي: إن قرار ألمانيا له مغزى عميق من أربع جهات؛ أولها أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يحظى بدعم غربي لكونها مشروعه الاستعماري في الشرق الأوسط.

ويتابع: “يعكس القرار تغلغل اللوبي الصهيوني داخل الدول الأوروبية وأمريكا لدعم الاحتلال في زمن يشهد موجة يمينيّة تغزو الغرب وخطابات شعبوية في وقت يظهر فيه ضعف دول العرب والمسلمين الذين لم يقِم الغرب لهم وزناً”.

الأهداف

ولا غرو أن يأتي الموقف الألماني بعد ثلاثة أشهر من موقف الكونجرس الأمريكي في وقت يروّج فيه مستشارو “ترمب” الرئيس الأمريكي لمشهد سياسي جديد متصل أساساً بـ”إسرائيل” ومتنكّراً للحقوق الفلسطينية.

جوهر عمل “بي دي إس” يعكس انتهاك الاحتلال لعقود طويلة حقوق الفلسطينيين المتمثلة في الحرية في سياق ممارسة إسرائيلية ضدهم اتسمت بالعنف والعنصرية والتطهير العرقي وتكريس الاستيطان وتهجير الفلسطيني من أرضه.

ويشير المحلل قاسم إلى أن الموقف العربي المتراجع تجاه قضية فلسطين يميل الآن نحو التطبيع مع الاحتلال وأن الدعم الأمريكي له يحاول إعادة صياغة المنطقة وفق رؤيته.

ويمكن القول أن جهود “بي دي إس” أثمرت بكشف وجه الاحتلال الحقيقي ووقوع خسائر اقتصادية وسياسية وثقافية للاحتلال في السنوات الأخيرة أهمها انسحاب شركات عالمية من السوق الإسرائيلي مثل شركة أورانج الفرنسية للاتصالات التي انسحبت تمامًا عام 2015.

ومن أهم انجازات “بي دي إس” إنهاء الشركة الفرنسية كذلك “فيوليا” عملها عام 2015 وكذلك أنشطتها في مجال المياه والنقل وصعود خسائر مشاريعها في “إسرائيل” إلى العشرين مليار دولار، وكذلك شركة “جي فور إس” البريطانية للأمن والتي أعلنت أواخر عام 2016 قرارها بتصفية معظم أعمالها.

ويقول المحلل عوض لمراسلنا: إن أنشطة “بي دي إس” أزعجت الاحتلال؛ لأنها توسعت من المقاطعة الأكاديمية والفنيّة والاقتصادية لتطال صورة الاحتلال جميعها.

ويتابع: “منتجات المستوطنات عليها وسم في كثير من الدول يميزها، وهذا يعرّي الاحتلال قانونياً وأخلاقياً، ويحاصر تمدد إسرائيل عندما يرفضها الفنانون والكتاب والأكاديميون”.

ونجحت الدبلوماسية الشعبية التي جسّدت “بي دي إس” إحدى صورها في كشف سوأة الاحتلال والإضرار به مستخدمةً القانون الدولي والإنساني مع كيان يدعي الديمقراطية ويمارس التطهير العرقي.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية بقيادة “ترمب” تتعامل مع محيطها السياسي كما تتعامل في صفقاته التجارية الأمر الذي دفعه لاستخدام قوته السريعة لتشريع الاحتلال دون أن يعبأ بنتائج قراراته مستقبلاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات