الأربعاء 26/يونيو/2024

نعم لانتفاضة جديدة تحول حياة المستوطنين إلى جحيم

علي الصالح

حياة المستوطنين وجيش الاحتلال الذي يحميهم في الضفة الغربية المحتلة -ونشدد على المحتلة- يجب أن تتحول إلى جحيم، والجحيم يأتي بأشكال مختلفة وبطرق متعددة؛ فالضغط على المستوطنين وجعلهم يحسون بالخوف المتواصل، يدفعهم إلى التفكير في مغادرة المستوطنات، لأن البقاء فيها سيشكل خطراً أمنياً عليهم وغير مجدٍ اقتصادياً، كما كان الوضع في الماضي أيام انتفاضة الحجارة، التي لم تكن مسلحة، ولكنها آتت أُكلها، فكانت فعالة وأثارت الرعب، ليس في نفوس المستوطنين فحسب، بل حتى عند جنود الاحتلال وحكومة الاحتلال التي خسرت المعركة الإعلامية عالمياً.

ارتفاع عدد المستوطنين منذ اتفاق أوسلو الذي توقفت من بعده أو بسببه الانتفاضة، واستئسادهم، سببه غياب قوة الردع الفلسطيني وزوال الخطر الأمني، سببه الإحساس بالأمان والرخاء، فإذا نجح الفلسطينيون في تغييب هذين العاملين، عندئذ فقط سيتوقف المستوطنون عن اعتداءاتهم الإجرامية اليومية، وسيفكرون جدياً بالعودة إلى البلدن التي أتوا منها.

وحتى يحس المستوطن بالأمن والأمان، سيحتاج إلى مزيد من الحماية، فتزيد أعباء جيش الاحتلال، ولهذا فإن على الفلسطينيين أن يضاعفوا بأفعالهم ومقاومتهم الأعباء الأمنية على جيش الاحتلال حتى يشعر بعبء المستوطنين عليه. تصور لو يفرض على جيش الاحتلال أن يوفر نحو 1500 جندي لكل 500 مستوطن، يعني ثلاثة جنود لكل ثلاثة مستوطنين، كما هو الوضع في وسط مدينة الخليل، وإذا افترضنا أن هناك نحو 600 ألف مستوطن في الضفة، فبعملية حسابية بسيطة نجد أن الجيش سيحتاج لتوفير نحو مليون و800 ألف عنصر، وهو عدد غير متوفر أصلاً، ما يعني أن مهامهم الأمنية ستتضاعف، فالمستوطنون وبدون حماية الجيش على مدار الساعة لا يغمض لهم جفن، وما كانت الجرائم شبه اليومية التي يرتكبونها ضد الفلاح الفلسطيني وحقوله ومحاصيله، لتحدث لولا الغطاء الذي يوفره الجيش، إذن لا بد من إشغال الجيش في أمور أخرى، مقاومة شعبية حقيقية تكون الانتفاضة الشعبية الثالثة هي جوهرها، وبذلك ستتضاعف الأعباء والجهود على جيش الاحتلال، ما سيؤثر على أدائهم وقدراتهم الميدانية، وستتأثر المعنويات، ما يعني زرع الخلاف في ما بينهم وما يترتب على ذلك من مشاكل.

إن أي مقاومة ضد المستوطنين وجيش الاحتلال مشروعة، وهذا ليس قولي فحسب، بل قول البروفيسور عميرام غولدبلوم رئيس قسم الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية، «كل مستوطن في الضفة الغربية هو إرهابي». والبرفيسور غولدبلوم يقول: إن «أي يهودي يعيش داخل حدود عام 1967 هو إرهابي». ووصف المدير العام لمجلس مستوطنات الضفة السابق شلومو فيلبر بالإرهابي، وحمّله بصفته الرسمية المسؤولية عن جرائم ضد البشرية ارتكبت، ويدعو لتقديمه لمحكمة الجنايات الدولية.

ويذهب إلى ما هو أبعد، «شاهد ثان من أهله» البروفيسور دانيال بالتمان، الذي يبرر عمليات قتل المستوطنين. ولا يقف غولدبلوم وبالتمان فريدين في هذا الخندق المعادي للاحتلال، فهناك البروفيسور عوفر كسيف المحاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، الذي تعرض للانتقاد الشديد، عندما قارن “إسرائيل” بألمانيا النازية، وحذر من أن “إسرائيل” «تقف على منحدر زلق يقود إلى الفاشية. وينقلنا الحديث عن المقاومة الشعبية إلى قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، بدوراته الثلاث وآخرها في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، وأهمها إضافة إلى تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال ووقف التنسيق الأمني وفك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، الدعوة للمقاومة الشعبية وتعزيزها ضد الاحتلال والاستيطان». وتحت هذا البند تأتي مهمة جعل حياة المستوطنين وجنود الاحتلال وكل ما يتعلق بالاحتلال جحيماً. ويقع على عاتق هذه الدورة للمجلس التي لم يحدد لها بعد موعد، وهناك من يقول في منتصف مايو/أيار، وآخرون بعد عيد الفطر، وأياً كان الموعد، يقع على عاتقه وضع خطة عملية وآليات لتطبيق قرارات المجلس، ضمن جداول زمنية واضحة ومحددة، وهي قرارات إن نفذت ستكون لها ارتدادات قوية على الصعد الإسرائيلية والعربية والدولية، ولكن إذا أبقينا عليها من دون تطبيق، فسنصبح أضحوكة أمام شعبنا الذي يرى في الحديث عن قرارات المجالس المركزية مادة دسمة للسخرية، ولا يلام الشعب. هذه فرصتنا الأخيرة، وإذا لم ننفذ قراراتنا ونحترمها فعلينا وعلى مجلسنا السلام، ولن يصدقنا أحد بعد اليوم، ولن يأخذنا ولا تهديداتنا ولا قرارتنا على محمل الجدية. ولا نلوم أحداً في ذلك سوى أنفسنا، والأخطر أننا سنفقد إذا لم ننفذ قرارتنا الحق في مطالبة الآخرين بتطبيق قراراتهم.

ما تقدم لن يتحقق بالتمنيات؛ فكما قال الشاعر «وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا»، ولن يتحقق بالطبع بين ليلة وضحاها. إن ما تقدم يتطلب عملا دؤوبا يشارك فيه الفلسطينيون بجميع أطيافهم السياسية، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، وفصائل وتنظيمات. ما تقدم يحتاج إلى جبهة داخلية موحدة وقاعدة صلبة ومتينة، تعيد إلى الفلسطينيين مجد وروح انتفاضة الحجارة، التي ارتبطت ديمومتها، بالتكافل والتكامل الاجتماعي والإرادة القوية ووحدة الهدف والدم ونكران الذات.

ما تقدم يحتاج إلى رفد المقاومة الشعبية بأساليب جديدة ونفس جديد وبرامج قادرة حقاً على حماية شعبنا ومصالحه، وعلى زرع الخوف في قلوب المستوطنين، وتساعد في تضييق الخناق عليهم في مستوطناتهم، كخطوة أولى لحملهم على مغادرتها، فمن دون عامل الخوف ووضعهم في «خانة اليك» كما يقال، لن ترتدع قطعان المستوطنين بالتظاهرات الأسبوعية التي تشهدها قرى ككفر قدوم وبلعين ونعلين، التي لا نقلل من شأنها، وأن يكون الاشتباك مع العدو بجيشه ومستوطنيه مكملاً للاشتباك معه في الساحات الدولية، وملاحقة سياسييه وعسكرييه أمام محكمة الجنايات الدولية كمجرمي حرب.

ما تقدم يحتاج أيضاً إلى إصلاح ذات البين، نبذ الخلافات وتوحيد الصفوف وعدم التمترس وراء هذه الاتفاقية أو تلك من اتفاقيات المصالحة، التي لم يعد يكترث بها أحد لكثرتها، وأصبحت مهزلة المهازل، وما التبريرات سوى حجج واهية، الغرض منها إبقاء الوضع على ما هو عليه. بعيداً عن الفساد المالي والاجتماعي، وبعيداً عن المنافع الشخصية والمصالح الفصائلية والتنظيمة والفئوية لصالح المصلحة الوطنية العامة.

ما تقدم يتطلب منا إعادة بناء مؤسساتنا في الداخل والخارج على أسس ديمقراطية حديثة وعصرية، مؤسسات تخرج عن الطابع المألوف والنمطية وتنهي الهيكليات الحالية التي أصبحت مجرد هياكل فارغة المضمون. ما تقدم يحتاج أولاً وقبل كل شيء، إلى تعزيز صمود الفلاح الفلسطيني وثباته على أرضه، لنقطع على المستوطنين وجيش الاحتلال، محاولاتهم لترويع الناس باعتداءاتهم المتواصلة وتهديدهم بالقتل والإرهاب وقطع الأرزاق.

وهذا يتطلب من “القيادة الفلسطينية” أن تهتم بالداخل الفلسطيني المهمل منذ زمن، وتعيره اهتمامها قبل أن تتطلع إلى الخارج، فمن دون الداخل القوي لن يكون هناك خارج داعم، فلا أحد يقف مع الضعيف وقليل الحيلة، وإن كان الحق معه، ولكنهم يرفعون القبعات ويحسبون ألف حساب للقوي، الذي يقرن القول بالفعل، فها نحن نصرخ بأعلى أصواتنا تدعمنا قرارات دولية ومسؤولون دوليون سابقون، (ضع خطين تحت سابقين)، ولكن ذلك لم ولن يغير من الواقع شيئا، وسنبقى نسمع الكلام المؤيد لحقنا من دون أن تكون له ترجمة على أرض الواقع. ولن يعترف أحد بالحق طالما غابت القوة الداعمة لهذا الحق، إذن لا بد من تطوير طاقات وقدرات وإمكانيات الشعب الفلسطيني العظيمة، وهي بالتأكيد أعظم بكثير مما تتخيل إدارة ترامب وثالوثها الصهيوني، ويعرف ذلك جيدا الإسرائيليون؛ فنحن وإياهم في الميدان منذ نحو قرن، وقد تطول المعركة لعقود أخرى لكن في النهاية سيكون النصر حليفنا.

وأختتم بالقول: نعم نحن مع السلام، السلام العادل، لكن هذا السلام وبعد 26 عاماً على اتفاق أوسلو المشؤوم لم يتحقق، بل أصبح بعيد المنال مع تعنت دولة الاحتلال وحكوماتها المتعاقبة، وإجراءاتها الأحادية الجانب، ودعم الإدارة الأمريكية لها بموقفها الذي يفوق في تطرفه ضد الفلسطينيين مواقف اليمين الإسرائيلي، ويبعد يوماً بعد يوم حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات سيادة على أراضيها المحتلة عام 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”. وفي انتظار إطلاق ما يسمى صفقة القرن علينا أن نعد العدة ونمهد الطريق لانتفاضة ثالثة، تعيد الوعي لمن فقدوا الوعي وتجعل حياة المستوطنين وجيش الاحتلال جحيما، تعيد الحق إلى نصابه.

«القدس العربي»

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، منزلين في رام الله وأريحا، ضمن انتهاكاتها المتصاعدة ضد...

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الاحتلال يعتقل 19 مواطنًا في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني، 19 مواطنًا على الأقل، منهم والدة مطارد، خلال حملة دهم - فجر الأربعاء- في...